خيمت على السلطة الفلسطينية واسرائيل أجواء من القلق على خلفية زيارة أمير قطر الأخيرة لقطاع غزة، وفي حين اعربت منظمة التحرير الفلسطينية عن تخوفها من ترسيخ الزيارة للانقسام الفلسطيني، رأت اسرائيل أنها تحمل توجهاً قطرياً يعزز من وضعية حماس، ويُحكم نفوذ الدوحة على ليبيا بعد سقوط نظام القذافي.

القاهرة: تركت زيارة امير قطر حمد بن خليفة آل ثاني لقطاع غزة، العديد من ردود الافعال المتباينة لدى السلطة الفلسطينية واسرائيل، ففي حين رأت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، أن الامير القطري تجاهل الرئيس الفلسطيني محمود عباس باعتباره الممثل الرسمي للفلسطينيين في القطاع والضفة الغربية، استشعرت اسرائيل أن الزيارة التي يدور الحديث عنها تدخل في اطار رفع الحصار المفروض على القطاع، ومنح حكومة حماس قوة بعدما باتت ضعيفة في اعقاب تفكيك مكاتبها في سوريا.
مراسم دولة مستقلة
وفي تقرير مطول نشرته القناة السابعة للتلفزيون الاسرائيلي في موقعها الالكتروني، قالت الكاتبة quot;داليت هاليفيquot; إن زيارة امير قطر للقطاع، والمراسم الرسمية التي استقبلته بها حماس، تؤكدانأن الحكومة الحمساوية تتعامل مع الضيف الخليجي على أن القطاع بات دولة مستقلة عن بقية الاراضي الفلسطينية، وأن تلك الدولة تقوم على تدعيم علاقاتها الخارجية وتوطيدها دونما اعتبار لرئيس السلطة الفلسطينية.
لعل ذلك كان واضحاً بحسب الكاتبة الاسرائيلية، حينما استقبلت حكومة حماس الامير القطري بمراسم استقبال، لا تختلف بحال من الاحوال عن المراسم التي تتبعها اية دولة مستقلة حينما تستقبل ضيفاً على اراضيها، فرئيس الحكومة الحمساوية المقالة اسماعيل هنية، كان حريصاً على استقبال حمد بن خليفة آل ثاني، فور هبوط الأخير من المروحية التي اقلته من ميناء العريش المصري هو وعقيلته والوفد المرافق لهما الى غزة، كما استعرض الرجلان quot;بن خليفة وهنيةquot; حرس الشرف، وشاركت عقيلتا هنية وبن خليفة في حضور مراسم الاستقبال الرسمية.
اما الكاتب quot;اليئور ليفيquot; فكتب في صحيفة يديعوت احرونوت العبرية يقول، إن زيارة حمد بن خليفة آل ثاني لقطاع غزة، تعكس سخاءً كبيراً من الدوحة لسكان غزة، فرغم ما اعلن في وسائل الاعلام عن نية قطر منح غزة ربع مليار دولار، لاعادة بناء مساكن الاسر الفقيرة في شمال القطاع، وترميم الطرق البرية والبنية التحتية بشكل عام، الا أن الامير القطري فاجأ الجميع، عندما اعلن خلال تواجده في القطاع اعتزامه زيادة المبلغ الممنوح الى 400 مليون دولار، ولعل ذلك هو ما حدا باسماعيل هنية الى الاعلان عن أن قطر رفعت بشكل غير مباشر الحصار الذي تفرضه اسرائيل على القطاع.
زيارة امير قطر التي منحت حكومة حماس نقطة بالغة الاهمية بحسب تعبير يديعوت احرونوت، اثارت قلقاً بالغاً لدى قادة السلطة الفلسطينية وحركة فتح، إذ اكدت الاخيرة أنها لم تتلقَ دعوة رسمية من الحمساويين أو من قطر، للمشاركة في مراسم استقبال حمد بن خليفة آل ثاني والوفد المرافق له، الا أن حماس ردت عليها وادعت أنها نقلت لممثلي فتح دعوات رسمية للمشاركة في استقبال الامير القطري.
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، كانت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عقدت جلسة لها في رام الله لبحث موضوع الزيارة، وتمخض عن الجلسة بيان طالبت فيه منظمة التحرير الدول العربية بتفعيل ثقلها لوضع حد لانشقاق الصف الفلسطيني، والهوة القائمة بين قطاع غزة والضفة الغربية، وعدم مواصلة السياسة التي يمكن ان تؤدي الى اقامة كيان فلسطيني منعزل في قطاع غزة، ولم يتطرق البيان الى اسم امير قطر، غير أن النية كانت واضحة، واعرب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الاحمد، الذي قاد محادثات المصالحة مع حماس من قبل حركته ndash; اعرب عن مخاوفه من أن تؤدي زيارة امير قطر لقطاع غزة الى تعميق الهوة بين القطاع والضفة.

اتصال هاتفي بمحمود عباس
على صعيد ذي صلة، ابدت المنظمات الاجتماعية الفلسطينية في الضفة الغربية اعتراضاً على زيارة امير قطر للقطاع، وقام ممثلو فتح في تلك المنظمات برفع لافتات تحمل خارطة قطاع غزة وكتبوا عليها مخاطبين حمد بن خليفة آل ثاني: quot;غزة ليست للبيع يا امير قطرquot;، ونقلت يديعوت احرونوت عن دوائر في السلطة الفلسطينية قولها: quot;إن امير قطر اجرى اتصالاً هاتفياً مطولاً برئيس السلطة الفلسطينية محمد عباس، ابلغه فيه بأن زيارته لن تضر بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية كهيئة وحيدة تمثل الفلسطينيينquot;.
وخلصت يديعوت احرونوت الى أن الزيارة التي يدور الحديث عنها، جاءت بعد وقت شهدت الاوضاع بين حماس واسرائيل تصعيداً عسكرياً، اصيب على اثره ضابط اسرائيلي جراء اطلاق قذائف هاون من القطاع على اسرائيل، كما قصفت اسرائيل شمال القطاع ما ادى الى مقتل ثلاثة نشطاء فلسطينيين، واتهم يوسف رزقة مستشار رئيس حكومة حماس، اسرائيل بالتصعيد، للحيلولة دون خروج زيارة امير قطر الى النور.
الى ذلك رأت دوائر سياسية في تل ابيب أن قرار امير قطر بزيارة قطاع غزة ينطوي على توجهات جديدة، تهدف في المقام الاول الى تهميش الحصار الاسرائيلي المفروض على القطاع منذ فترة ليست بالقصيرة، وخلق مشروعات تنموية تساهم في استيعاب نسب البطالة، فضلاً عن اعادة بناء البنى التحتية، التي تضررت جراء عمليات القصف الاسرائيلي للقطاع.
اعادة تأهيل حماس
وتشير تقديرات أخرى نشرها موقع quot;دبكاquot; الإسرائيلي الى أن ابعاد زيارة امير قطر للقطاع، تعود لرغبة الامارة الخليجية في إعادة تأهيل حركة حماس، التي فقدت نفوذها بعد حل مكاتبها في سوريا، واستغلال الحركة في وقف تجارة السلاح، ونمو نشاط التنظيمات الارهابية في القطاع وشبه جزيرة سيناء.
وفي تلميح متعمد اوضحت التحليلات الإسرائيلية، ان حمد آل ثاني لم يظهر في قطاع غزة، ليخلع على نفسه لقب المساهم في رفع معاناة الغزاويين فقط، وانما يؤكد واقع الزيارة أنه يواصل جهود بلاده، التي اعطت لنفسها دوراً كبيراً في الربيع العربي بالمنطقة، فكانت اول الداعمين الى جانب الولايات المتحدة لاسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا، كما كان لأسرة آل ثاني بالغ الأثر في دعم العناصر المسلحة في سوريا لإسقاط بشار الأسد.
وفي اعقاب اغتيال القذافي قبل عام تقريباً، انشق التوجه القطري عن نظيره الاميركي في ليبيا، على خلفية تأييد الدوحة لزعماء اسلاميين في مقدمتهم جماعة الاخوان المسلمين والتيارات السلفية، بينما ايدت واشنطن مجموعات معتدلة في ادارة ليبيا الجديدة، وكان للشقاق الاميركي القطري بالغ الأثر في اتساع هوة الخلاف بين القوى السياسية الليبية، والعجز عن ولادة نظام حكم مستقر في طرابلس.
حمد بن خليفة آل ثاني بحسب التحليلات الاسرائيلية، رأى أنه بدون تأسيس نظام قوي لحماس في قطاع غزة، يمكنه من السيطرة على بدو سيناء والجماعات المتطرفة، والاكثر من ذلك على تجارة السلاح المنتعشة بين ليبيا ومصر وسيناء وقطاع غزة، فستفقد الدوحة تدريجياً سيطرتها ونفوذها في ليبيا.
وخلص التقرير العبري الى أن نتيجة زيارة امير قطر الاستراتيجية لقطاع غزة، لن تقود اسرائيل الى مواجهة مباشرة مع قادة حماس فقط، وانما ستؤدي الى مواجهة اعنف بين اسرائيل وحمد بن خليفة، خاصة انه - اذا اراد - سيتمكن من تطويق اسرائيل بقوى الاخوان المسلمين والجماعات السلفية في ليبيا وقطاع غزة وسيناء وسوريا.