عوّلت الصحافة المغربية على تطوير المشهد السياسي والإعلامي مع تجربة الحكومة الجديدة، ظنًا منها أن العمل الحكومي سينفتح أكثر، لكنها وجدت في المقابل هجومًا متزايدًا ضدها على بعض المنابر، ومنعًا للعديد من الجرائد الدولية من الدخول إلى البلاد..


بات شائعًا أن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وفريقه من وزراء العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحاكم)، بدأ يضيق صدرهم بالنقد الصادر عن الصحافة، خاصة المستقلة منها.

وأخذت هذه الصورة غير المألوفة عن الإسلاميين تزداد، بعد جر مسؤول عن مجلة مستقلة إلى القضاء، وسحب اعتماد صحافي في وكالة الأنباء الفرنسية، إلى جانب هجوم رئيس الحكومة على بعض المنابر المستقلة مؤخرًا، ومنع عدد من الجرائد الأجنبية من الدخول إلى المغرب.

ورغم التبريرات المقدمة من طرف الحكومة والمقربين منها حول الدوافع التي تجعلها تلجأ إلى إظهار quot;العين الحمراءquot;، إلا أن ذلك لم يشفع لها لدى خدام السلطة الرابعة، الذين ترسخت لديهم فكرة أن صدر حكومتهم ضاق إلى درجة جعلت رئيس الحكومة يخرج، في مناسبات متفرقة، ليرد عليهم علنًا.

أول صحافي يمثل أمام القضاء

ينتظر أن يكون يوسف ججيلي، مدير نشر مجلة quot;الآنquot;، أول صحافي سيمثل أمام القضاء في عهد حكومة الإسلاميين، بعد أن قرر عبد القادر اعمارة، وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيا الحديثة، وضع شكوى ضد ما نشرته المجلة بخصوص دفع الوزير لفاتورة عشاء قيمتها عالية في فندق واغا لايكو في بوركينافاصو، عندما كان في مهمة رسمية تهم قافلة المغرب للتصدير، وأن هذا العشاء تضمن (قنينتين من خمر الشامبانيا الفاخرة)quot;.

وحققت الفرقة الاقتصادية والمالية بولاية أمن الدار البيضاء، قبل أيام، مع الصحافي يوسف ججيلي، الذي أكد أنه سيظل رهن إشارة العدالة لمدها بكل الوثائق والحجج التي تؤكد ما نشره. وقال يوسف ججيلي، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، quot;يبدو أن الحكومة الحالية ضاق صدرها تجاه جزء من الصحافة المستقلةquot;، مشيرًا إلى أنها quot;تريد تطويع هذه الصحافة التي لديها إمكانية الانتقادquot;.

وأضاف مدير مجلة quot;الآنquot; quot;سأكون أول صحافي يمثل أمام القضاء على عهد الحكومة الملتحية، وهذا مؤشر سلبي جدًا في سياق يتسم فيه المغرب بتحولات كبيرة، أهمها الدستور الجديد، الذي تعد من تبويباته الأولية التنصيص على ضرورة احترام الحريات، وعلى رأس هذه الحريات حرية التعبير والرأيquot;.

وأكد يوسف ججيلي أن التحقيق، الذي خضع له بداية الأسبوع من طرف الفرقة الولائية للشؤون الاقتصادية والمالية بأمن الدار البيضاء، quot;يعكس وجود طبور خامس بيننا يقاوم جميع محاولات تحصين المجتمع وتطويرهquot;، مبرزاً أن quot;هذا الطابور يتشكل ممن يمكن أن نسميهم بالخائفين من الإصلاح، بمعنى أن مكمن الخوف لديهم هي الكلمةquot;.

وقال quot;الحقيقة هي العدو الرئيسي بالنسبة إليهم. فالكلمة الحرة ستفضح حقيقتهم والتزاماتهم ووعودهم التي لم ينفد منها، إلى حدود اليوم، أي شيءquot;، وأضاف quot;هؤلاء الخائفون من الإصلاح، الذين يحكمون حاليًا، يحولون فشلهم ويصدرونه، ويقومون بإسقاطه على الإعلام الحر والنزيه واتهامه، في بعض الأحيان، بالمعارض، وفي مرات أخرى بأنه يتصيد أخطاءهمquot;.

وأوضح يوسف ججيلي أن quot;الدور جاء على الصحافة لتطويعها وتعليق الفشل عليهاquot;، مشيراً إلى أن متابعة مجلة (الآن) quot;لا يمكن أن نخرجها من السياق الإقليمي الموجود حالياً، إذ أن الأمر نفسه يحدث في مصر وتونس، والسبب هو أن مرجعية الخائفين من الإصلاح مشتركة، وأن ولاءهم ايضاً مشترك، وفكرهم مشتركquot;.

فالحملة ضد الصحافة في هذه الدول، يؤكد مدير المجلة، يمكن تشبيهها بـquot;محاكم التفتيشquot;، موضحاً: quot;دوري كصحافي هو البحث عن الحقيقة، ودور القاضي هو البحث في الحقيقة، ويبقى المجتمع هو الحكم بين هاتين الحقيقتينquot;.

غير أن السؤال الذي يؤرق بالي، يضيف يوسف ججيلي، quot;هل مضمون لي محاكمة عادلة؟.. أتمنى ذلك، لأنني أجد نفسي مع خصم والقاضي هو نفسه، علمًا أن وزير العدل والحريات مصطفى الرميد ينتمي إلى الحزب نفسه، وأنا عرضت جميع دلائلي وحججي على المحققين، ونتوفر على ما يثبت ما نشرناه، وهي فاتورة موثقة صحيحة وسليمة ولا تقبل ذرة الشكquot;.

علاقة الوزراء الإسلاميين بالصحافة تسوء

ليس يوسف ججيلي وحده من عانى من quot;ضيق صدر الوزراء الإسلاميينquot; تجاه الصحافة، بل حتى مراسل وكالة الأنباء الفرنسية في الرباط عمر بروكسي، الذي عمم مثقفون مغاربة وأجانب عريضة تضامن معه، إثر سحب السلطات المغربية بطاقة اعتماده بسبب قصاصة بثتها الوكالة وصف فيها مؤسس حزب quot;الأصالة والمعاصرةquot;، فؤاد عالي الهمة، بأنه مقرب من القصر.

وهذا الإجراء لم يكن الوحيد الذي دق ناقوس الخطر داخل قلعة صاحبة الجلالة، بل سبقته تصريحات لعبد الإله بنكيران هاجم فيها منابر إعلامية محددة، بسبب مواضيع تنشرها تتضمن انتقادات لاذعة للحكومة.

وفي هذا الإطار، قال محمد سراج الضو، الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، إن quot;السنة الجارية أظهرت ضيق صدر الحكومة بصفة عامة، ووزراء العدالة والتنمية بصفة خاصةquot;، مشيرًا إلى أن quot;الصحافة المغربية كانت تعول على استنشاق شيء من نفس الحرية مع تجربة الحكومة الجديدة، إيماناً منها بأن الدستور الجديد، وأن العمل الحكومي، سينفتح أكثر ويكون متقبلاً أكثر للانتقادات الصحافية، التي هي في الأصل حرية، وتطوير للمشهد السياسي والإعلاميquot;.

غير أن عكس ذلك هو الذي حصل، إذ أن بعض الصحف، يشرح محمد سراج الضو، جرى رفع دعاوى ضدها، كما تعرضت العديد من الجرائد الدولية للحجز، منها الإسبانية والفرنسية، بالإضافة إلى الهجوم على بعض المنابر، من خلال تصريحات رئيس الحكومة، وبعض الوزراء.

وأضاف الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية quot;رغم أن وزير الاتصال يحاول أن لا يظهر في واجهة الهجوم على الصحافة، غير أن الكثير من الوزراء في الحكومة لديهم علاقة سيئة مع الصحافة، علمًا أن الكثير من الصحف المستقلة تنوه بالتجربة الحكومية وتدافع عنهاquot;.

اللجوء إلى القضاء ليس تضييقًا

قال عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، quot;نحن مع حرية الصحافة، وحرية التعبير، في إطار المسؤولية والقانونquot;، وأضاف quot;لا يبدو لي أن تصحيح خبر أو الاحتكام إلى القضاء تضييق، فذلك سلوك مدني يسير في إطار دولة القانون ولا يمس حرية التعبير في شيءquot;.

وأكد القيادي السياسي، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، أن quot;تصحيح أخبار غير دقيقة، يعد مسؤولية تواصلية مهمة من واجب الحكومة أن تقوم بهاquot;، مبرزًا أن quot;ذلك يلقي عليها عبئًا أكثر من كونها تلجأ للمخرج السهل ألا وهو تجاهل والتعامل باستخفاف مع ما ينشر في الصحافةquot;. وأوضح عبد العالي حامي الدين أن quot;من حق الرأي العام أن يعرف الحقيقة ويطلع على رواية الحكومة.

وبخصوص قضية عمر بروكسي، قال عضو الأمانة العامة للحزب quot;أنا شخصيًا ضد سحب الاعتماد، وسبق أن عبرت عن موقفي وقلت بأنه قرار متسرع. بغض النظر عن التبريرات التي قدمتها الحكومة، والتي قد تبدو منطقية، لكن بالنسبة لي ليس هناك تناسب بين قرار سحب الاعتماد وبين الخطأ المهني الذي وقع فيه بروكسي واعترف بهquot;.

يشار إلى أن علاقة القياديين في العدالة والتنمية والصحافة كانت طيبة جدًا ومتينة، قبل أن تتوتر بعد مرور حوالي سنة على تسلم الإسلاميين مقاليد الحكم.