تمحورت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم الإثنين حول فطور بعبدا الذي جمع الرئيسين اللبناني ميشال سليمان وضيفه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وما حملته الزيارة الخاطفة من هموم أولها تجنيب لبنان مأساة الفراغ وتداعيات الازمة السورية.
افتتحت السفير اللبنانية يوميتها بتبيان أهمية زيارة الرئيس الفرنسي إلى بيروت، رادة هذه الأهمية إلى عاملين اثنين، quot;الاول يتصل بالتوقيت المتزامن مع استعصاء الأزمة السياسية الداخلية بعد اغتيال اللواء وسام الحسن وتفاقم تداعيات الأزمة السورية، والثاني يرتبط باختيار الرئيس الفرنسي الدخول إلى الشرق الاوسط عبر لبنان تحديدًا، في رسالة واضحة تؤكد استمرار الاهتمام الفرنسي بهذا البلد الذي تحرص باريس على صيانة نفوذها فيه، لا سيما أنه يشكل آخر نقاط الارتكاز الفرنسية في المنطقةquot;.
ميشال.. لا تتردد!
ترى السفير أن مضمون خلاصات زيارة هولاند إلى بيروت لا يتلاءم كثيرًا مع تطلعات فريق quot;14 آذارquot; الذي يستعجل إسقاط الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة، من دون عبور ممر الحوار، حتى لو كان الرئيس سعد الحريري quot;قد فاز، من حيث الشكل، بصورة مع هولاند في السعودية، على هامش مشاركته في مأدبة الغداء التي أقامها الملك عبدالله على شرف الزائر الفرنسيquot;. فبحسب السفير، لا يرقى مضمون الزيارة إلى مستوى مبادرة 14 آذار، quot;لكنه بالتأكيد أكثر من مجرد صبحية رئاسية حول طاولة الفطورquot;.
كرر هولاند أمام الرئيس اللبناني ميشال سليمان التحذير الدائم من مخاطر الانزلاق إلى الفراغ في مرحلة دقيقة، مع تركيزه - بحسب السفير - على أهمية استمرار الحوار منطلقًا للبحث في أي خطوة للمرحلة المقبلة، سواء تعلقت بالحكومة أو بقانون الانتـــخاب، وقد أشاد مرتين بالجهود التي يبذلها سليــمان في سبـــيل هذه الغاية ومن أجل حماية لبنان، قائلا له: quot;نحن لا نتـــدخل في الأمور الداخلية انما ندعو الجميع إلى الالتـــفاف حول دعوتك للحوار. ميشال.. لا تتردد في طلب أي شيء مني شخصيًا ومن فرنسا.quot;
لا للفراغ بالإجماع
واستبعدت مصادر مطلعة على الزيارة للسفير تحولًا في التوجهات الدولية حيال لبنان، التي تتمحور حول رفض الفراغ الحكومي، لأن مراكز القرار الدولية تسعى جاهدة إلى عدم انتقال عدوى الفوضى إلى الساحة اللبنانية، quot;حتى لا تلتهي عن أولويتين أساسيتين بالنسبة إليها وهما: الأزمة السورية والكباش الغربي - الإيراني المفتوح على احتمالي التسوية والمواجهةquot;.
وهذا التركيز الفرنسي على رفض الفراغ قابلته معلومات السفير عن رسالتين وجهتهما نائبة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الادنى إليزابيت جونز لقيادات 14 آذار، أثناء زيارتها بيروت في الأسبوع الماضي.
شددت الرسالة الأولى على أنه quot;لا يمكن لهذا الفريق السياسي ان يفتح جبهات ضد كل الأطراف الداخلية، ولا بد كحد أدنى ترك أبواب التواصل مفتوحة مع سليمان من أجل البحث عن مخرج للأزمة، ومن أجل بقاء هذا الفريق السياسي ضمن المعادلة الداخليةquot;، بينما أكدت الرسالة الثانية،بحسب السفير، على أنه quot;لا يمكن إسقاط هذه الحكومة بالقوة وإدخال البلاد في فوضى من دون إيجاد بديل حكوميquot;.
لا مبادرة.. بل أفكار
في سياق الزيارة نفسها، أسرّت مصادر رسمية للسفير أن هولاند quot;لم يحمل مبادرة جاهزة انما طرح افكارًاquot;، لأن باريس لم تعد تملك خطوطًا مفتوحة مع دمشق وطهران، ولأن السعودية quot;لا تبدو حاليًا في وارد تسهيل أي هامش للتسوية في ظل إصرارها على تغيير الحكومة الحاليةquot;.
وشددت المصادر على أن هولاند انتقل إلى جدة للتباحث مع القيادة السعودية quot;تمهيدًا لبلورة شيء ما لم ينضج حتى الآن، ربما يكون مبادرة فرنسية أو فرنسية - سعودية، ولكن كل ذلك لا يزال سابقًا لأوانه، والأمور متوقفة على ما يمكن ان يلاقيه هولاند في السعودية، فإذا وجد رغبة واهتمامًا يصبح هناك طرفان يريدان المساعدةquot;.
ساحة اشتباك سعودي - إيراني
وقالت جريدة الأخبار إن مباحثات الرئيسين لم تتطرق إلى ملف تغيير الحكومة بتاتًا، quot;بينما كان التركيز منصبًّا على المحافظة على الاستقرار والوحدة والحوار. فالهمّ الفرنسي، بحسب مصادر متابعة للزيارة، هو منع أي انعكاس سلبي للأحداث في سوريا على لبنان كونه الموقع الوحيد المتبقّي في المشرق، الذي لفرنسا موطئ قدم فيه. ولهذا السبب أيضًا، تعمد هولاند أن يكون لبنان الدولة العربية الأولى التي يزورها، قبل السعوديةquot;.
وأشارت مصادر مطلعة للأخبار إلى أن فرنسا ترى لبنان ساحة اشتباك سعودي ـــ إيراني. كما لفتت الأخبار إلى أن ملف الوزير السابق ميشال سماحة لم يُذكر في المحادثات داخل القصر الجمهوري.
الزيارة قائمة
أما جريدة النهار، فقد أبلغتها مصادر قريبة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن حصول اتصال بينه وبين سليمان، أطلعه فيه على أجواء القمة الرئاسية. وقالت النهار إن ميقاتي quot;ليس في جو نتائج مشاورات رئيس الجمهورية التي يعتقد انها ملك له، لكنه يعتقد ان زيارة الرئيس الفرنسي قد تفتح ثغرة في جدار الازمة، وتبلور تصورًا يساهم في رسم خريطة طريق للمرحلة المقبلة، تحصّن لبنان من تداعيات الاوضاع المتأزمة من حولهquot;.
نقلت الصحيفة نفسها عن رئيس الحكومة أن استقالة حكومته حاصلة، عاجلًا أم آجلًا، quot;وهي ستكون رهن ما سيتوصل اليه رئيس الجمهورية في مشاوراته، وهو يدرك أن أي مشاورات يغيب عنها شريك أساسي في البلاد تمثله قوى 14 آذار لن تفضي إلى التوافق المطلوب لإحداث تغيير، لأن التغيير في مثل هذه الحال سيعيد إنتاج صيغة الحكم عينهاquot;.
وفي ما تردّد حول تأجيل ميقاتي زيارته المقررة إلى باريس في التاسع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، نفت مصادر مقربة من ميقاتي ذلك للسفير، مؤكدة أن الزيارة قائمة في موعدها، إذ لم يتلق ميقاتي أي إشعار بالتأجيل من الفرنسيين. كما أكّد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ذلك للنهار،قائلًا: quot;صحيح أننا لم نبحث فيها اليوم، لكن شيئًا لم يطرأ على الموعد المرتقب في الثلث الاخير من هذا الشهرquot;.
قسوة سعودية
وتناولت صحيفة الجمهورية كواليس زيارة هولاند إلى بيروت، فجأة، إذ أبلغتها مصادر دبلوماسية أن ما لم يسمعه الرئيس الفرنسي عن الحكومة في بيروت بسبب حساسية التركيبة اللبنانية، سمعه من المسؤولين السعوديين مباشرة، فتبلّغ رسالة سعودية واضحة مفادها quot;اننا لن نقبل بعد اليوم أن يبقى لبنان ملحقًا بالمحور السوري - الايراني من خلال الحكومة اللبنانيةquot;.
وتقول الجمهورية إن المملكة العربية السعودية كانت قاسية حيال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إذ تعتبر أنه أعطي الوقت الكافي لكي يستقيل لكنه لم يُقدم على الاستقالة، بل يواصل تغطية حزب الله الذي يسيطر على الحكومة، وزيارته إلى بلغاريا تؤكّد ذلك.
إقصاء الرئيسين
ونقلًا عن مصادر تابعت زيارة هولاند للسعودية، بينت الجمهورية رسالة سعودية ثانية لهولاند، كانت دعوة الحريري إلى الغداء الملكي على شرف الزائر الفرنسي في جدّة، quot;ما افسح المجال للحريري للتحدّث طويلًا معه، في حضور وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس، وكان حضور الحريري هذا الغداء لافتًا مقارنةً بعدم لقاء هولاند في بيروت أيّ مسؤول لبناني غير رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، علمًا انّ فابيوس كان يرافقه، ويفترض بحسب الأصول الدبلوماسية والبروتوكولية، ان يكون وزير الخارجية اللبنانية حاضرًا، او أن يستقبله في المطار، لكنّ الجانب الفرنسي شاء ان يحصر اتّصالاته برئيس الجمهوريةquot;.
وتقول النهار إن حضور الحريري لفتة فرنسية واضحة تجاه الحكومة الحالية، quot;وربما رسالة مشتركة فرنسية ndash; سعودية في أكثر من اتجاه، مفادها ان فرنسا، رغم دعمها الاستقرار اللبناني وعدم الدخول في الفراغ الحكومي، فإنها، كما الموقف الأميركي، لا تؤيد بقاء الحكومة الحالية، بما هي حكومة حزب الله والقوى المتحالفة معه والحليفة له. وهي تؤيد التغيير الحكومي، وتفضل تسلم آخر رئاسة الوزراء في هذه المرحلة الحساسةquot;.
وإذا كان المراقبون قد توقفوا أمام إقصاء الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري عن فطور بعبدا، تنقل جريدة السفير عن أوساط مطلعة على تحضيرات الزيارة تأكيدها أن الفرنسيين quot;أصروا منذ البداية على أن يكون جدول أعمال هولاند محصورًا بلقاء سليمان، على قاعدة ان رئيس الجمهورية رمز وحدة البلد والمؤسسات الدستورية وهو ممثل لبنان بالنسبة إلى الخارجquot;.
التعليقات