في آخر مناظرة خاصة بانتخابات الرئاسة الأميركية، أشار الرئيس باراك أوباما، بعد مرور 11 عاماً على الحملة العالمية التي أطلقها سابقه جورج بوش على الإرهاب، إلى أن quot;الشبكات الإرهابيةquot; هي التهديد الأمني الأخطر الذي تواجهه أميركا. بيد أن اليمن، الذي يعتبر مقراً لأكثر أفرع تنظيم القاعدة خطراً، لم يستحوذ على قدر كبير من الاهتمام من جانب أي من المرشحين سواء كان أوباما أو منافسه رومني.
أشرف أبوجلالة من القاهرة: في المناظرة الخاصة بالسياسة الخارجية، على سبيل المثال، لم يتم ذكره اسم اليمن سوى مرة واحدة، مقارنةً بإيران التي ذُكِر اسمها 47 مرة.
وقد بدأ أوباما في كانون الأول/ ديسمبر عام 2009 الحملة من خلال هجوم شنه على ما كان يعتقد مخططون عسكريون أميركيون أنه معسكر تدريب تابع للقاعدة في جنوب اليمن. وهو الهجوم الذي أسفر عن مقتل 55 شخصاً في غضون بضع دقائق من بدء القصف.
لكن الولايات المتحدة اكتشفت في ما بعد أنها استهدفت قرية بدوية، حيث كان يقيم هناك بعض من مقاتلي القاعدة. وفي فترة الأعوام الثلاثة، التي سعى فيها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلى استهداف الولايات المتحدة، (بدءًا من 2009 وحتى 2012)، كانت ترد واشنطن بهجمات جوية وأخرى بالطائرات الآلية إلى جانب تقديم مساعدات اقتصادية متزايدة إلى الحكومة المركزية في العاصمة صنعاء.
هذا ولايزال ينشط تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على الأرض، بينما تمكن الجيش اليمني، من خلال مساعدات يتلقاها من جانب واشنطن، من استعادة جزء كبير من الأراضي التي فقدها. مع هذا، فإنه لم يتمكن من إلحاق الهزيمة بالقاعدة.
وإن تمكنت المساعدات الأميركية من إبعاد اليمن عن حافة الهاوية هذه المرة، فإن هذا يعود إلى أن علاقة الحب والكراهية القائمة بين واشنطن وصنعاء قد سمحت للقاعدة بالتجمع بين الحين والآخر، في الوقت الذي توجه فيه واشنطن أنظارها إلى أماكن أخرى.
علقت على ذلك مجلة فورين بوليسي الأميركية بتأكيدها على أن قصة التواجد العنيد للقاعدة في الأراضي القبلية النائية في اليمن هي قصة علاقة واشنطن المتوترة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح، ومحاولتها تعويض أخطاء الماضي، من خلال تدعيمها الرئيس الحالي، عبد ربه منصور هادي، الذي وصل إلى السلطة بمساعدة أميركية.
من الجدير ذكره في هذا الصدد أن توماس كراجيسكي، سفير أميركا في صنعاء، ومحللين في مكتب البحوث والاستخبارات التابع للخارجية الأميركية، قد قضوا شهورًا في سبيل إيجاد أفضل الطرق التي يمكن من خلالها تشجيع صالح على انتهاج طريق الإصلاح.
ورغم التوصيات التي تقدم بها كراجيسكي ، إلا أن صالح لم يكن يكترث، ولم يكن يتفاعل بايجابية مع أي من الأمور التي كان من الممكن أن تصلح المسار، في ظل انتشار الفساد بين الأجيال الكبرى وانتقاله بطريقة أو بأخرى إلى الأجيال الصغرى. وهو ما كانت تتغاضى عنه أميركا في مقابل تعاون صالح معها في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب.
لكن صالح لم يسبق له مطلقاً أن استوعب رسالة كراجيسكي، الذي أخفق على ما يبدو في نقل التحول الذي طرأ على السياسة الأميركية إلى الرجل المعني بذلك في اليمن.
ورغم استمرار المساعي الأميركية للقضاء على خطر تنظيم القاعدة في اليمن، وفتح صالح الأبواب أمامهم، كي ينجزون مهمتهم، إلا أن خطر التنظيم ظل قائماً. ومع قدوم أوباما إلى البيت الأبيض، وتأكيده على ضرورة أن تقوم بلاده بالمزيد من الخطوات في اليمن، وتقديمه الأموال والمساعدات لصالح ولأفراد أسرته الموجودين في أجهزة الأمن اليمنية، وتكثيفه لهذا النهج في عامي 2009 و2010، توقف كل هذا، بعد اندلاع التظاهرات الشعبية المطالبة برحيل نظام صالح، وهو الأمر الذي أجبر الولايات المتحدة على وقف التمويل والتخلي عن صالح تماماً عام 2011.
وبعدما تولى النائب عبد ربه منصور هادي قيادة البلاد، خلفاً لصالح، كجزء من صفقة سياسية قصيرة النظر منحت صالح الحصانة من الملاحقات القضائية، عاودت الولايات المتحدة لتقدم مساعداتها من جديد لليمن.
المفارقة العجيبة في هذا الصراع المشتعل بين واشنطن ndash; صنعاء والقاعدة بشبه الجزيرة العربية هو أن أميركا خصصت مبلغاً جديداً للمساعدات للعام الثالث على التوالي قدره 337 مليون دولار، مقابل وصول عدد المقاتلين بالتنظيم إلى عدد قياسي جديد للعام الثالث على التوالي أيضاً.
وختمت المجلة بقولها إنه وبعد مرور أكثر من عقد من المساعدات المتقطعة لليمن، أضحى فرع تنظيم القاعدة في اليمن أقوى مما كان عليه في أيلول/ سبتمبر عام 2001.
التعليقات