شكلت الفضيحة التي لحقت بمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية دهشة لأهل الصحافة، الذين أيقنوا أن ربما علاقتهم القريبة والمباشرة معه كان هو يستغلها بهدف بناء سمعة جيدة لدى الجميع.



بيروت: الصحافيون في البنتاغون لم يفيقوا من صدمتهم حتى اليوم في أعقاب فضيحة مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) ديفيد بترايوس. سقطت هالة الإعجاب التي كانت تحيط بالرجل الأنيق بعد انكشاف علاقته الغرامية بكاتبة سيرته الذاتية، فأيقن الصحافيون أن بترايوس خدعهم بشخصيته وبنى صورته الناجحة من خلالهم.
فضيحة مدير الاستخبارات السابق لم تدفع فقط قادة البنتاغون إلى مراجعة حساباتهم، بل ألهمت العديد من الصحافيين لإعادة النظر بآرائهم وأسلوب عملهم. والسؤال الذي يطرح اليوم في أروقة الصحافة الأميركية: هل تساهلنا مع بترايوس بسبب معاملته الجيدة لنا؟

الجنرال المتقاعد بأربع نجوم، كان مهندس الحرب في العراق وأفغانستان، واعتُبر أعظم عقل استراتيجي عسكري في جيله. وعلى الرغم من أن علاقته الغرامية مع كاتبة سيرته، بولا برودويل، لا تتصل مباشرة بإنجازاته العسكرية، إلا أنها أطفأت من وهج الاحترام والإعجاب الذي كان يحظى به.
يعتبر العديد من الصحافيين اليوم أنهم لعبوا دوراً بارزاً في تلميع تلك الصورة التي كانت مشرقة لديفيد بترايوس، فقد كان الرجل المثالي الذي يتمتع بسمعة ناصعة كبياض الثلج، كما عرف كيف يخرج الولايات المتحدة من المأزق العراقي.

الصحف كانت تشير إلى بترايوس بلقب quot;الملك داوودquot; وquot;وبروفيسور الحربquot;، وقد حصل في سنة 2010 على لقب شخصية العام، كما أُدرج اسمه العام الماضي على لائحة المفكّرين العالميين، وقبل ذلك في اللائحة التي ضمّت أسماء 75 من أفضل شخصيات العالم.
السبب في أن بترايوس كان محبوباً من الصحافة وتجنب بذلك العديد من الأسئلة المحرجة أو التعليقات الساخرة، هو أنه عرف ببساطة كيف يعامل الصحافيين ويتواصل معهم.

بترايوس كان يجيب فوراً على رسائل البريد الإلكتروني التي يرسلها الصحافيون، كما كان ضليعاً في مهنتهم ويستخدم عباراتهم التقنية أثناء الحديث معهم، وكان يتنقل خلال تصريحاته بين مصطلحات quot;غير مسموح للنشر، خلفية سياسية، افتتاحيةquot; وغيرها من الكلمات التي يجهلها عامة الناس، وربما بعض الصحافيين أنفسهم.
quot;قدرته على التحدث الى مراسل لمدة 45 دقيقة، والانتقال بين مصطلحات مهنته جعلته محبباً لدى الصحافيينquot;، يقول العقيد المتقاعد منصور بيت، ضابط بترايوس التنفيذي في العراق لموقع quot;وايردquot; الالكتروني.
كما اعترف العديد من الصحافيين أنهم أعجبوا بشخصية مدير الاستخبارات السابق حتى كادوا يصبحون أعضاء في نادي المعجبين الخاص به!

بترايوس كان ضليعاً في التصرف مع أهل الصحافة وبالتالي تفادي عدائيتهم، فكان يدعوهم للهرولة معه صباحاً، ويجيب عن أسئلتهم اثناء ممارسة الرياضة فيعطيهم بذلك شعوراً بأنهم جزء من عمله. ويقول العديد من الصحافيين إنهم استمتعوا بالهرولة معه وكأن الأمر كان شبيهاً بموعد بين صديقين.
فيرنون لوب، مراسل صحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot; كان أحد الذين شاركوا مدير الاستخبارات السابق الهرولة الصباحية. ويقول في مقال كتبه بعد فضيحة الجنرال: quot;ركضت جنباً إلى جنب مع قائد الحرب في أفغانستان، وتحدثنا عن الأحداث العالمية الكبرى. بالكاد كنت أصدق إني قادر على الاقتراب منه إلى هذه المسافةquot;.

لكن بعض النقاد يعتبرون أن هذه التصرفات كانت مقصودة وليست عفوية، وقد أدت إلى جعل الزملاء الصحافيين أصدقاء مع القادة والموظفين في مجال الدفاع ومؤسسات الفكر والرأي، حتى باتوا يتشاركون مكاتبهم مع الجنرالات المتقاعدين الذين يقتبسون أقوالهم بانتظام في مقالاتهم، وفقاً للصحافي الأميركي مايكل هاستينغز.
واعتبر هاستيغز أن المقالات التي نشرت بناء على هذه العلاقات أدت إلى صنع quot;أسطورة غير واقعية وفوق طاقة البشر في جميع أنحاء العام. وفي النهاية لم تكن هذه المقالات في صالح بترايوس كما أنها لم تخدم القراءquot;.

العلاقات المتينة التي أسسها بترايوس مع الصحافيين وتَقرُّبه منهم ساعدته على تفادي الأسئلة الصعبة. وعلى الرغم من أنه قدّم للصحافيين فرصة الوصول اليه والتواصل معه، إلا أنه لم يكن يعطيهم الكثير من المعلومات. وبعبارة أخرى، كانت المقالات الصحافية تميل إلى حد كبير إلى تعزيز ودعم آراء بترايوس ووجهة نظره.
النتيجة التي توصّل اليها العديد من الصحافيين في مجال الدفاع، هي أن تقرُّبهم من القادة قد لا يفيدهم بالقدر الذي يتصورون، إذ انهم يتحولون إلى ناطقين باسمهم ومشجعين لهم من دون أن يتنبّهوا إلى ذلك.