يبدو أنّ المهارة التي تعامل بها الرئيس المصري مع أول أزمة تواجه بلاده في السياسة الخارجية بعد اتفاق التهدئة في غزة ستنقلب ضده، اذ يتساءل المراقبون إن كان سيندم مرسي لاحقًا على الاضطلاع بهذا الدور الكبير ووضع بلاده في موقع الضامن لحركة حماس.


حين طارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى القاهرة يوم الأربعاء الماضي للمساعدة في اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء أسبوع من المواجهات المسلحة في غزة، كان عمود دخان يتصاعد من منطقة قصر النيل.

فقبل نصف ساعة على وصول الاثنين اضرمت مجموعة من مئات المتظاهرين النار في مكاتب قناة quot;الجزيرةquot; الفضائية. وذهب مراقبون إلى أنّ الحادث الذي وقع في اليوم الثالث من الاشتباكات مع قوات الشرطة أكد التناقضات التي تتنازع مصر في عهد الرئيس محمد مرسي رغم بروزه لاعبًا كبيرًا جديدًا على المسرح الدولي.

مهارة مرسي

وفي حين أن مرسي تعامل بمهارة مع أول أزمة كبيرة تواجه مصر في السياسة الخارجية منذ سقوط نظام حسني مبارك فان هذا النجاح يخفي وراءه جملة تحديات تنتظر الرئيس المصري.

وكانت كلنتون أثنت على مرسي فور إعلان الاتفاق على وقف إطلاق النار قائلة quot;أُريد ان أشكر الرئيس مرسي على قيادته الشخصية لوقف التصعيد في غزة وإنهاء العنفquot;. وأضافت كلنتون أن المنطقة تمر بمرحلة دقيقة وأن quot;الحكومة المصرية الجديدة تنهض بالمسؤولية والقيادة التي جعلت هذا البلد منذ زمن طويل حجر زاوية في الاستقرار والسلام الاقليميينquot;.

في غضون ذلك اجتمع مرسي مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وامير قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني واستضاف وزير الخارجية الالماني ومسؤولين عربًا. وقام مبعوث إسرائيلي بزيارة سرية الى القاهرة اجرى خلالها محادثات مع مسؤولين امنيين مصريين رغم أن مرسي نفسه لم يلتقِ أو يتحادث مباشرة مع أي منالإسرائيليين.

مصر quot;تضمنquot; غزة وحماس

ويتفق المراقبون على أن التهدئة ودور مرسي في التوصل اليها كانا في النهاية انجازًا متميزًا يُسجل له. ولكنهم يتساءلون عما إذا كان سيأتي يوم يندم فيه مرسي وجماعة الاخوان المسلمين والحكومة المصرية على الاضطلاع بهذا الدور الكبير.

ففي الوقت الذي أكد فيهاتفاق التهدئة على دور مصر بوصفها زعيمة اقليمية مع تركيا وقطر التي يُلاحظ انها كلها دول حليفة للولايات المتحدة، فان اتفاق الهدنة الذي رعاه مرسي ورئيس المخابرات العامة محمد شحاتة يضع مصر في موقع الضامن لكل من قطاع غزة وحركة حماس التي تسيطر عليه.

وتتمثل المفارقة في أن تولي مصر مسؤولية غزة التي كانت تخضع لادارتها حتى حرب 1967، هو على وجه التحديد ما كان بعض السياسيين الإسرائيليين يتمناه منذ زمن طويل، أي ترحيل مشكلة غزة الى القاهرة وبذلك تشديد الخناق على أي امكانية للتوصل الى حل الدولتين.

ما بعد التهدئة!

ومن الجائز تمامًا ان يكتشف مرسي أن تحقيق التهدئة عن طريق المفاوضات أسهل مما يأتي بعد التهدئة. فان سلفه مبارك اختار التعاون مع إسرائيل في إبقاء الحصار على غزة بسبب معاداته لحركة حماس التي خرجت من عباءة خصومه الاخوان المسلمين. ولكن مرسي قد يجد أن مصاعبه تكمن تحديدًا في العلاقة الوثيقة التي تربط جماعة الاخوان المسلمين بحركة حماس.

ولكن مرسي الذي يواجه ضغوطاً من داخل مصر ومن حماس لفتح الحدود مع غزة قد يلتزم جانب الحذر الشديد من الإقدام على أي قرار احادي يمكن أن يضر بالهدف الأكبر المتمثل بإقامة دولة فلسطينية.

شمبانيا في تل أبيب

وفي هذا الشأن نقلت مجلة تايم عن ميخائيل وحيد حنة الخبير بالشؤون المصرية في مؤسسة سينتشري الأميركية للأبحاث قوله في اعقاب وقف اطلاق النار مباشرة quot;إذا فتحت مصر معبر رفح الحدودي دون أن تحذو إسرائيل حذوها في معابرها الى غزة فإن قناني الشمبانيا ستُفتح في تل ابيب والقدس احتفالاً. ولكنهم لن يفعلوا ذلك لأن مصر لن تحمل عبء غزة الذي يمكن أن ينهي امكانية قيام دولة فلسطينية موحدةquot;.

وعلى جبهة غزة يمكن أن يطرح اتفاق التهدئة مشكلة آنية أخرى. إذ ألحت إسرائيل خلال مفاوضات وقف اطلاق النار على قيام مصر بتحرك اشد حزمًا لوقف تهريب السلاح الى غزة عن طريق شمال سيناء حيث اصبحت هجمات السلفيين المسلحة على قوى الأمن المصرية من الكثرة حتى أن الجيش المصري ينسحب ليلاً من حواجز التفتيش التي يقيمها نهارًا على بعض الطرق.

مشكلة سيناء

ولكن مشكلة سيناء ليست امنية محضة، كما لاحظ تقرير نشرته مؤخرًا مجموعة الأزمات الدولية بل هي مشكلة سياسية واقتصادية ايضا، بالكاد تسنى للحكومة المصرية الجديدة أن تتوجه الى معالجتها.

ونقلت صحيفة الغارديان عن دبلوماسي quot;أن مصر تواجه مشاكل ضخمة وهي تحتاج الى الاستقرار والى تلاشي احتمالات الحرب. وهناك علامة استفهام ايضًا بشأن قدرتها العسكرية على التعامل مع قضايا مثل سيناءquot;.

نجاح مرسي الخارجي لا يعكس وضعه الداخلي

وهنا على وجه التحديد تكمن المشكلة. إذ يرى منتقدون أن مرسي في الوقت الذي سطع نجمه على المسرح الدولي فإنه وحكومته كانا أقل نجاحًا بكثير في معالجة مشاكل البلد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي لا تُحصى.

وعلى الجبهة الاقتصادية فإن اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي على قرض قيمته 4.8 مليارات دولار يُلزم القاهرة بالغاء الدعم عن بعض السلع مثل المحروقات، الأمر الذي سيؤدي حتماً الى زيادة مرفوضة شعبيًا في الأسعار لا سيما في وقت تتفاقم الضائقة المعيشية على الغالبية الساحقة من المصريين.

وفي حين ان قطاع السياحة يشهد تحسنًا بطيئًا بعد الضربة الموجعة التي تلقاها خلال الربيع العربي فإن السياحة ما زالت بعيدة عن مستوياتها قبل الثورة. وما زالت معدلات البطالة مرتفعة ومعها معدلات التضخم، في خلطة متفجرة، بينما اصبحت الجريمة مشكلة بالغة الخطورة. وما زال المجتمع المصري يمور بمشاعر الغضب على عدم محاسبة المسؤولين عن قتل متظاهرين خلال الثورة وبعدها.

مواجهات مع الجيش

وشهدت مصر خلال الأيام الماضية مواجهات محدودة بين الجيش والشرطة في ظاهرة أخرى مثيرة للقلق. وفي غمرة احداث غزة انسحبت مجموعات بينها ليبراليون ومسيحيون اقباط وصحافيون وناشطات حقوقيات نسويات من الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور دون أن ينتبه كثيرون الى انسحابهم بدعوى سيطرة اسلاميين متزمتين على عملية اعداد الدستور المصري الجديد.

إزاء كل هذه الاحتقانات تكون لقضية غزة والتهدئة أهميتها الخاصة في السياسة الداخلية المصرية لأنها قضية يتفق عليها غالبية المصريين من الليبراليين العلمانيين الى الاسلاميين على اختلاف اتجاهاتهم. وإذا فشلت التهدئة ستكون لها تداعيات بالغة الأثر لا بالنسبة لمرسي والاخوان المسلمين فحسب بل لإسرائيل ايضا التي تتوقع أن تكون أي حكومة مصرية بديلة حكومة معادية لاتفاق التهدئة.

وقال الناشط الحقوقي محسن كمال لوكالة رويترز quot;إن شعبية مرسي لا يمكن ان تستمر في التآكل على هذا النحو الى الأبد. وهو سيواجه تغييرات عميقة وقد تكون حتى تغييرات عنيفة إذا تجاهل ما يحدثquot;.