بدأت مؤشرات الأزمة الاجتماعية تظهر في الأردن، مع تدفق الأعداد الهائلة من اللاجئين السوريين، الهاربين من وحشية نظام الأسد. حيث باتوا يواجهون حالة سيئة ويفتقرون إلى المال والطعام وحتى المسكن والملبس.



بيروت: خلال الأشهر العشرين الماضية، شنّ الرئيس السوري بشار الأسد حملة ضد الثوار ما أسفر عن مقتل أكثر من 40 ألف مواطن. في تموز (يوليو)، امتدت موجة العنف بعد أن هاجم الثوار أحياء العاصمة دمشق للمرة الأولى، فغادر نحو 100 الف سوري في هجرة جماعية الى الدول المجاورة.
كان العديد من السوريين يتمتعون بوظائف جيدة وحياة مريحة في الوطن، لكن أموالهم بدأت بالنفاذ وهم بأمسّ الحاجة اليوم إلى الطعام والمنازل والرعاية الطبية والخيام.

هذه الظروف تشكّل quot;أزمة خفيةquot;، وفقاً للصليب الأحمر في الأردن، فمع وجود ثلاثين ألف لاجئ يعيشون في مخيم الزعتري، هناك أكثر من 200 ألف لاجئ في القرى والبلدات والمدن بحاجة ماسة إلى مساعدة عاجلة.
رحّب الأردنيون بالآلاف من السوريين الذين فرّوا من وحشية الأسد، لكن تسرّب المزيد من اللاجئين عبر الحدود يؤدي إلى توترات عديدة وفوضى تزيد من حدة الأزمة الاجتماعية في البلاد.

الدكتور علي شديفات، أحد مسؤولي المساعدات في الأردن يشير إلى وجود الآلاف من اللاجئين في منطقة المفرق، مضيفاً أن العائلات السورية تلجأ يومياً إلى البلدة ومعظمهم يبقون في الشوارع بانتظار المساعدات في ظل غياب أي مسكن أو إمكانية لتأمين حاجاتهم الأساسية.
لمدة 25 عاماً، كان quot;الدكتور عليquot; رئيس جمعية الهلال الأحمر في المفرق التي تضم أكثر من 20 قرية في شمال الأردن على الحدود مع الصحراء السورية. ويقول انه عمل في المجال الانساني لسنوات طويلة وقدّم المساعدات للاجئين الفلسطينيين والعراقيين في البلاد، لكن لم يسبق له أن واجه تحديات شبيهة بتلك التي يفرضها التدفق السوري إلى البلاد.

أمام مكتب شديفات، يقف بعض النسوة على أمل الحصول على بعض المساعدات، بعد أن نفذت أموالهن في ظل غياب أزواجهن الذين إما قتلوا في المعارك، او ما زالوا يشاركون في الاشتباكات حتى الساعة.
من بين هؤلاء سيدة فقدت زوجها في الحرب، تمكنت من الفرار إلى الأردن مع أطفالها واستأجرت شقة بالمال الذي كان بحوزتها، لكن عدم حصولها على دخل شهري اضطرها للانتقال إلى إحدى الخيم في الأشهر الثلاثة الأخيرة.

عند الصباح الباكر، وقف (سامح) أمام مكتب شديفات يحاول الحصول على المساعدة لزوجة أخيه الذي قتل أثناء قتاله إلى جانب الجيش السوري الحر في حمص.
يشعر سامح بالواجب تجاه ابناء شقيقه الراحل وزوجته ويعمل اليوم في مطعم ليؤمن حاجاتهم الأساسية لكنه لا يستطيع التكفل بعملية جراحية تحتاج إليها زوجة أخيه التي يعتبر نفسه المسؤول عنها على الرغم من انه في الثامنة عشرة من عمره وبحاجة إلى من يساعده.

الأعداد الهائلة من اللاجئين أدت إلى فوضى ونقص في المواد التموينية والغذائية والطبية التي تقدّم للسوريين، كما أن انتشار اللاجئين خارج المخيمات يجعل مهمة مساعدتهم بمثابة تحد.
ويعبّر شديفات عن إحباطه من النقص في المساعدات، مشيراً إلى أنه يدفع من جيبه أحياناً لمساعدة الناس وانه تكفّل بالتكاليف الطبية للعديد من النسوة اللواتي أسمين أطفالهن quot;عليquot; تيمناً به.

ويضيف: quot;أشعر بالضيق الشديد كلما عجزت عن مساعدتهم. زارنا أكثر من 50 وفداً لدراسة وتقييم الوضع من أجل تقديم المساعدات، لكن لا يوجد شيء حتى الساعةquot;.
توضح اميلي غيلبرت إن هذه الزيارات التقييمية أتت استجابة لمندوبي الصليب الأحمر والهلال الأحمر من أجل توفير المساعدة اللازمة والموجهة، مشيرة إلى أن البرنامج سيشمل مساعدات مادية شهرية وتوزيع بطانيات الشتاء على اللاجئين.

قبل اندلاع الثورة ضد الرئيس الاسد في سوريا، كانت الحدود المتداخلة مع الأردن تسهّل انتقال نحو 200 ألف أردني إلى البلاد، والعكس بالعكس. ويرتبط العديد من الأردنيين بسوريا من خلال الزواج المختلط والروابط الأسرية والثقافية.

حالة الأردن لا تسمح باستقبال هذه الأعداد من اللاجئين

واليوم يستضيف الأردن أعداداً هائلة من اللاجئين السوريين، إلى جانب 600 ألف عراقي و2.5 مليون لاجئ فلسطيني، ما يمثل ضغطاً كبيراً على البلاد.
الأردن ليس بالدولة القوية القادرة على استيعاب هذا العدد من اللاجئين، فهي واحدة من الدول الأكثر جفافاً في العالم، حيث إن إمدادات المياه محدودة للغاية وتحصل الأسر على المياه مرة واحدة فقط أو مرتين في الأسبوع. وعلى الرغم من ذلك، يتم تأمين 1 مليون ليتر من المياه يومياً إلى مخيم الزعتري.
أما الوضع السياسي في البلاد فيمكن وصفه بـ quot;غير المستقرquot; مع تغيير ثلاثة رؤساء وزراء في غضون ستة أشهر، وعجر تجاري في الميزان الاقتصادي يصل إلى 1.9 مليار جنيه استرليني.

السكان في المفرق سعداء لأن السوريين وجدوا ملاذاً يقيهم الموت المحتم في بلادهم، لكنهم يتأففون من بعض المظاهر السلبية مثل القمامة المكدسة في الشوارع، ارتفاع أسعار المواد الغذائية والايجارات، والمنافسة على الوظائف.
وقال شديفات: quot;:أفكر في بعض الأحيان أن السوريين نجوا من كابوس ووصلوا إلى آخرquot;.