قبل أيام من الاستفتاء على الدستور، تصاعدت وتيرة الاستقطاب الشعبي. فالاخوان وأخوانهم يلعبون على وتر الدين والعناد بالكفار ليحرزوا النصر في غزوة الصناديق الثانية، بينما يعتمد المعارضون على التوعية والمنطق ورفض الأقباط والعمال.
بعدما بات الإستفتاء على الدستور واقعًا لا مفر منه، دشن الإسلاميون والمعارضون حملات ضخمة من أجل حشد أنصارهما للتصويت بـ quot;نعمquot; أو بـ quot;لاquot;.
ولأن الاستفتاء هذا هو غزوة الصناديق الثانية للتيار الإسلامي، فقد أُستخدم الدين سلاحًا فعالًا، من أجل حشد المصريين للموافقة على الدستور، معتبرًا أنه دستور يحمي هوية مصر الإسلامية، ويساعد على إستقرار البلاد وتدفق الإستثمارات وخلق فرص عمل جديدة.
أما المعارضون فأطلقوا حملات للمقاطعة أو التصويت بـquot;لاquot;، على إعتبار أنه دستور باطل، يؤسس لدولة دينية ديكتاتورية. وتستقطب تلك الدعوات الكثير من الفئات، لا سيما عمّال المصانع والشركات الذين يرون أن الدستور يحابي رجال الأعمال على حسابهم.
عنادًا في الكفار
أطلق حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، حملة quot;بالدستور العجلة تدورquot;، حثّ خلالها المصريين على التصويت بـquot;نعمquot; على الدستور الجديد. وقال محمود سليمان، عضو الحملة، لـquot;إيلافquot; إنها تستهدف توضيح مزايا الدستور الجديد، وأهم نتائج الموافقة على الدستور، هي إستكمال بناء مؤسسات الدولة، وتحقيق الإستقرار لمصر من أجل تدفق الإستثمارات، ومكافحة البطالة.
ولفت سليمان إلى أن الدستور الجديد قلّص صلاحيات الرئيس بنسبة 40 في المئة، وكفل حقوق المرأة في جميع أبوابها. وهو يؤسس للنظام المختلط، فألغى منصب نائب الرئيس، لكنه وزّع السلطات ما بين الرئيس ورئيس الوزراء، ووضع أسسًا للرقابة على ميزانية الجيش ومحاسبة الرئيس للمرة الاولىفي تاريخ مصر.
يأتي هذا في الوقت الذي طالب فيه الداعية الإسلامي وجدي غنيم جموع المصريين بالموافقة على الدستور quot;عنادًا في الكفارquot;. وقال غنيم الذي يقيم خارج مصر ويعتبر من أصحاب الجذور الإخوانية في الدعوة: quot;نظام مصر ديمقراطي، وهذا هو الكفر بعينه، لأن الديمقراطية تحتوي على أسس عشرة، وكلها ضد الدين، ونحن لدينا ألفاظ إسلامية كالشورىquot;، في إشارة إلى المادة الأولى من الدستور التي تنص على أن quot;مصر دولة نظامها ديمقراطيquot;
وعلى الرغم من تحفظه على بعض مواد الدستور، إلا أن غنيم دعا، في مقطع فيديو بثه على شبكة الإنترنت، للموافقة على الدستور عنادًا فى الكفار، وبشرط تعديله من خلال مجلس الشعب.
فاق الدساتير
دشن التيار السلفي حملاته لدعوة المصريين للموافقة على الدستور، لاعبًا أيضًا على وتر الدين. وقالت الدعوة السلفية بمنشوراتها وملصقاتها وصفحاتها على مواقع التواصل الإجتماعي إن الدستور الجديد يحافظ على مصر الإسلامية.
أضافت: quot;نغتنم هذه الفرصة للتذكير بمزايا هذا الدستور الذى فاق كل الدساتير المصرية السابقة في أكثر من جانب، منها مرجعية الشريعة بالإبقاء على المادة الثانية وإضافة المادة 219 المفسرة لها، والتي تغلق الباب أمام محاولات البعض إضعاف دلالة المادة الثانية بتفسيرها تفسيرًا يفرغها من معناها، وزاد الأمر قوة أن هذا التفسير وضعته هيئة كبار العلماء في الأزهر، ما يجعله محل قبول من جميع الراغبين رغبة حقيقة فى إثبات مرجعية الشريعةquot;.
وتابعت في السياق ذاته: quot;من مزايا مشروع الدستور التوسع فى باب الحريات بما لم يرد في أي دستور مصري سابق، مع وجود مادة حاكمة تمنع من الخروج بهذه الحريات عن إطار مقومات الدولة وقيمها الإسلامية والحضارية، والتوسع في باب الحقوق لا سيما في شأن الطبقات الأكثر حاجة كصغار الفلاحين والحرفيين والمرأة المعيلة، بالنص على وجوب مساندة الدولة لهمquot;.
مقاطعة أو quot;لاquot;
في المقابل، أطلقت المعارضة حملات لمقاطعة الإستفتاء وأخرى للتصويت بـquot;لاquot;. وقال الدكتور نجيب جبرائيل، الناشط القبطي، إن الدستور الجديد لا يعبر عن رأي المصريين، لا سيما الأقباط منهم.
وأضاف لـquot;إيلافquot;: quot;هناك إحتمال كبير أن ينحاز الأقباط إلى خيار المقاطعة، فلديهم إعتراضات جوهرية على مشروع الدستور الحالي، لأنه ينتقص من حقوقهم، على الرغم من إضافة مادة تشير إلى حقهم وحق اليهود في الإحتكام إلى شرائعهم، إلا أن المادة 219 تنسف جميع الحقوق والحريات الواردة في الدستور، وتضعها تحت تصرف التيارات المتشددةquot;.
ولم تحسم جبهة الإنقاذ الوطني قرارها بعد، فبينما قال أحمد خيري المتحدث باسم حزب المصريين الأحرار أحد أكبر الأحزاب المشاركة في الجبهة، أن هناك إتجاهاً للمقاطعة، قال عمرو موسى في تصريحات له، إن الإتجاه هو المشاركة والتصويت بـquot;لاquot;.
وأبدى إتحاد النقابات المستقلة إعتراضه على الدستور الجديد، واتهمه في تقرير له بالإنحياز لرجال الأعمال على حساب العمال. وأوضح الإتحاد في تقرير له أن ثمة أسباباً وراء هذا الإعتراض من بينها: الجمعية التأسيسية مطعون في دستوريتها، وتمثلت قوى الشعب العامل فيها بشخصين، أحدهما وزير القوى العاملة والآخر من اتحاد عمال مصر المنحل بحكم المحكمة. وأضاف التقرير أن الدستور يتضمن العديد من العبارات المرسلة والمطاطة عن العدالة الاجتماعية، ولم تصاحبها مواد تنتصر لهذه العدالة.
وأوضح التقرير أن المادة 14 من الدستور تربط الأجر بالإنتاج، متسائلًا: ماذا يفعل العمال عندما يقرر المستثمر إغلاق مصنعه لأسباب لا دخل للعمال بها، مثل انتهاء مدة الإعفاء الضريبي؟ فالنص يعطي الحق لصاحب العمل في التهرب من الالتزام بأجور العمال عند الإغلاق.
انتقادات عمالية
وانتقد تقرير النقابات المستقلة تناول الدستور استثناء الحد الأقصى للأجور إلا بما يجيزه القانون. ولفت إلى أن هذا الإستثناء ثغرة ينفذ منها المنتفعون، وتصعب التقريب بين فوارق الدخول بوضع حد أدنى وأقصى.
ولفت إلى أن المادة 27 لم تقرر نسبًا للعمال فى الأرباح، وهي التي كانت في نهاية القرن الماضي 25 في المئة، تقلّصت فى عهد مبارك إلى 10 في المئة، ثم يأتي الدستور ليتركها من دون تحديد، فاتحًا الباب لنسب أكثر هزلية مما عرفنا، بل إنه حرمنا من حقوق استقرت في ما مضى.
ونبّه التقرير إلى أن المادة 63 الخاصة بالحق في العمل أجازت العمل الجبري إذا ما صدر به قانون، ولا يجوز فرض أي عمل جبرًا إلا بمقتضى قانون، ولم ينص على حق المواطن الذي لا يجد عملًا في إعانة بطالة، خصوصًا في ضوء انتهاء العمل بنظام التكليف للمهندسين والمدرسين على سبيل المثال، وفي ظل إلغاء نظام التعيين عبر القوى العاملة منذ منتصف الثمانينات.
التعليقات