قال أنتوني كون، سفير دولة جنوب السودان في مصر، إن دولته أفريقية, وأنها لم تحسم بعد مسألة عضويتها في الجامعة العربية. كما أكد تمسك بلاده بعلاقات حسن الجوار مع السودان.

القاهرة: أكد أنتوني كون، سفير دولة جنوب السودان لدى القاهرة، أن سياسة بلاده الخارجية تقوم على الحفاظ على الأمنين القومي والوطني، والبعد عن سياسة المحاور وعن التدخل في شؤون الدول الأخرى، فضلًا عن التواصل والانفتاح على كافة دول العالم، لإيجاد مصالح مشتركة وفرص استثمار لدول العالم، للمساعدة على التنمية في بلاده.
وثمّن كون في حوار مع quot;إيلافquot; جهود حكومة بلاده، التي تصب في خانة السلام والتنمية والاستقرار، ومشددًا على أن حتمية إيجاد علاقة طيبة بين بلاده وشمال السودان، نظرًا لوجود مصالح اقتصادية وقواسم مشتركة وملفات عالقة، منها ملف آبيي الذي صدر فيه حكم محكمة العدل الدولية في لاهاي بأحقية تبعيته لبلاده.
وأكد كون أن مصر القوية تمثل قوة لقارة أفريقيا، التي سعى جمال عبد الناصر إلى تحريرها من الاستعمار، نافيًا ما يتردد بشأن افتتاح سفارة لأقباط المهجر المصريين في جوبا.
في ما يأتي نص الحوار:
بعد مرور العام الأول على استقلالكم عن السودان، ما هي قراءتكم للمشهد في دولة جنوب السودان الوليدة، سياسيًا واقتصاديًا؟
نحن سعداء بما أنجزناه خلال عام من الاستقلال، على الرغم من قصر الفترة، إذ تأسست معظم مؤسسات الدولة، ووضعنا القوانين والتشريعات. أقمنا عددًا كبيرًا جدًا من المدارس استوعبت أعدادًا كبيرة من الطلاب، أنشأنا المستوصفات والمستشفيات والمراكز الصحية في عدد من المناطق المختلفة بالدولة، لكنها غير كافية. وشققنا عددًا من الطرق وعبّدناها في بعض المناطق.

البعد عن سياسة المحاور

ما هي أبرز الثوابت التي قامت عليها سياسات جنوب السودان الخارجية؟
تقوم السياسة الخارجية لجنوب السودان على الحفاظ على الأمنين الوطني والقومي للدولة، والبعد عن سياسة المحاور وعدم الدخول في نزاعات أو التدخل في شؤون الدول الأخرى، والتواصل والانفتاح على كافة دول العالم، والعمل من أجل إيجاد مصالح مشتركة، وإيجاد فرص استثمارية لدول العالم، للمساعدة على التنمية في جنوب السودان. هذه هي أبرز الثوابت الرئيسة لسياساتنا الخارجية.

أي معوقات تحول دون تحقيق ثوابتها وسياساتها الخارجية في الوقت الراهن؟
ثمة عدد من المعوقات، منها علاقتنا مع شمال السودان لأنّ مصالحنا الاقتصادية مترابطة، ونظرًا لعدم ضخ النفط وغلق الحدود وعدم تبادل المواطنين للمنافع والتجارة البينية، ونتيجة وقف ضخ النفط خلال الأشهر السبعة الماضية، فقد جنوب السودان المصدر الرئيسي للدخل القومي، إذ يمثل النفط نحو 98 في المئة من نسبة الدخل القومي للدولة. وبالتالي، انعكس ذلك على الاقتصاد لدينا، كما توقفت التجارة مع الشمال السوداني. إلى ذلك، غياب ترسيم الحدود في بعض المناطق ينتج عنه تدفق اللاجئين من مواطني جنوب السودان من دول الجوار، مثل أوغندا وكينيا وأثيوبيا، فضلًا عن تواجد أعداد كبيرة منهم بمصر وكندا وأستراليا. فلا توجد بنية تحتية كافية ولا مدارس ولا مستشفيات تستوعب هؤلاء العائدين.

أفارقة.. ولسنا عربًا
ما هي الهوية التي حددتموها لبلادكم؟ عربية أم أفريقية؟ أم مختلطة بين الاثنين؟
هويتنا أفريقية وهذا لا غبار عنه، لأن قبائلنا وطبائعنا وعاداتنا وتقاليدنا أفريقية، ولطالما حُرمنا من ترسيخ هذه الهوية، وهذا لا يعني كراهية العرب. نحن قبائل أفريقية ننتمي إلى شعوب دول الجوار حولنا، في كينيا وأوغندا وأثيوبيا ورواندا حيث تعيش قبائلنا الأفريقية. تعلمنا من العرب أشياء كثيرة، ولدينا مصالح كبيرة وعلاقات قوية مع الدول العربية. نتحدث اللغة العربية ونحن ملمون جدًا بالثقافة العربية.

وماذا عن عضوية بلادكم بجامعة الدول العربية، والإتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة ؟
بالنسبة للإتحاد الأفريقي، نحن أعضاء كاملو العضوية فيه. أما جامعة الدول العربية، فإن رئاسة الدولة لم تتخذ بعد قرارًا بشأن العضوية فيها. الدول العربية قدمت عرضًا أثناء الاحتفال بالاستقلال، وقالت إن لدولة جنوب السودان الحق في الانضمام إلى جامعة الدول العربية، لأنها كانت جزءًا من السودان. من وجهة نظري الشخصية، يحتاج قرار الانضمام للجامعة العربية إلى دراسة معمقة. فهناك مواثيق ومواقف داخل الجامعة لا بد مندراستها لنرى إن كانت تضر بنا.

مشكلات السودانَين
أكدت بلادكم تمسكها بالاتفاقيات الموقعة مع الخرطوم، وانتهاج الحوار وسيلة لحل القضايا الخلافية، لكنكم اتهمتم الخرطوم بقصف منطقتين في ولاية شمال بحر الغزال. ما تعليقكم؟
مؤسف أن تقوم الخرطوم بقصف مناطقنا، في الوقت الذي وقعنا فيه اتفاقيات. على حكومة الشمال ألا تكرر ذلك، لأن شعوب هذه المنطقة تحتاج إلى الاستقرار والسلام والتنمية، وهذا لا يأتي بالحروب ما دامت هنالك فرصة للتوصل لحل المشاكل عن طريق الحوار. لا بد للطرف الآخر أن يستجيب لهذا الوضع، ولذلك لم نتخذ أي قرار إزاء هذه الهجمات، بل نبهنا المجتمع الدولي بما تقوم به حكومة الخرطوم.
ما هي الملفات العالقة بين شطري السودان حتى الآن؟ وما دور الإتحاد الأفريقي لحلحلتها؟
توصلنا إلى توقيع تسع اتفاقيات مع حكومة الخرطوم تنظم المسائل الأمنية والعلاقة التعاونية بين البلدين في مجالات التجارة والحريات الأربع وهي حرية التنقل وحرية الإقامة وحرية التملك وحرية العمل. المشاكل العالقة هي ترسيم حدود بعض المناطق المتنازع عليها مثل هجليج، حيث تعيش قبائلنا مثل الدينكا، ومنطقة كفر النحاس وجبل المجينس ومنطقة الجودة، وهي مناطق جنوبية. بالاضافة إلى مسألة آبيي. طلب الإتحاد الأفريقي من الجانبين الجلوس خلال ستة أسابيع للاتفاق حول هذه القضية. وإذا لم يتفق الطرفان حول مقترح الإتحاد الأفريقي، سيتم تحويله إلى مجلس الأمن الدولي، وهذا الموضوع سيعامل تحت الفصل السابع. حكومة جنوب السودان قبلت بمقترح الإتحاد الأفريقي حول قضية آبيي، لكن الخرطوم لم توافق عليه
تملك بلادكم نحو 75 في المئة من موارد النفط التي كان يملكها السودان، كما يصل حجم الإنتاج اليومي إلى نحو 350 ألف برميل. لماذا لم ينعكس هذا على التنمية والمواطن في الجنوب؟
لم يمر على استقلالنا سوى عام واحد، وقد عانينا طويلًا من الحرب التي أهلكت البنية التحتية والخدمات. خلال عام واحد، من الصعب الحكم علينا، خصوصًا مع توقف ضخ النفط من الجنوب لمدة ثمانيةأشهر متواصلة. فلم تستفد حكومة الجنوب من دخل النفط سوى الأشهر الاربعةالأولى من العام الأول للاستقلال.
علاقات قوية مع مصر
ما هو تقييمكم لطبيعة العلاقات بين بلادكم ومصر بعد ثورة 25 يناير؟
علاقتنا بمصر مبنية مع الشعب ومستمرة وستظل في تواصل، وهي علاقات ممتدة ترجع إلى فترات طويلة جدًا، على الرغم من أنها كانت تتم في السابق عن طريق حكومة الخرطوم. تم افتتاح قنوات عديدة بيننا وبين مصر،
وهناك أعداد كبيرة لمواطنينا في مصر حاليًا. وبدأ يزداد عدد الإخوة المصريين في جنوب السودان. لا تأشيرة دخول بين مصر وجنوب السودان، وهناك خطوط طيران مباشرة بين القاهرة وجوبا يوميًا. التعاون كبير جدًا بيننا، إذ تشارك مصر في مشروعات كبيرة في مجال الري وإزالة الأعشاب. وفي مجال التعليم وقعنا اتفاقيات مع مصر، وهناك أعداد كبيرة من الطلاب الجنوبيين يدرسون بمصر من خلال منح دراسية. كما منحتنا مصر نحو 2450 فرصة لتحويل الطلاب الدارسين بجامعات شمال السودان إلى الجامعات المصرية الحكومية.

سفير إسرائيل غير مقيم في جوبا
هناك علاقة دبلوماسية بين بلادكم وإسرائيل. ما موقف بلادكم من القصف الإسرائيلي لمصنع اليرموك للأسلحة في الخرطوم؟
لنا علاقات مع إسرائيل، لكننا لم نفتتح سفارة لجنوب السودان في تل أبيب، وسنفتتح سفارة عندما تكون الظروف مؤاتية لذلك. لإسرائيل سفير غير مقيم في جوبا، من دون سفارة حتى الآن. علاقتنا معها علاقات مصالح لا أكثر. أما بالنسبة لموضوع القصف الإسرائيلي لمصنع اليرموك فلا يوجد لدينا دليل أو وثيقة تؤكد أن إسرائيل قامت بهذا القصف.
لكن ألا يمكن لتل أبيب استغلال علاقتكم الدبلوماسية معها وتوظيفها ضد الخرطوم؟
الإخوة في الشمال السوداني ما زالوا إخوتنا. حتى لو حدث خصام بيننا، لكن لا يمكن أن نستعدي الآخرين لضرب الإخوة في الشمال. هذا ليس من شيمنا، ولا يمكن أن نقبله، لأن مصالحنا ومشاكلنا تبقى في إطار حدودنا.
النيل ملك الشعوب المطلة عليه
ما هو موقف بلادكم من اتفاقية عنتيبي لدول حوض النيل؟
بالنسبة لاتفاقية عنتيبي، حتى الآن لم أتلقَ تعليمات أو توجيهات كسفير لجنوب السودان لدى مصر من حكومتي، لكننا نرى أن نهر النيل ملك لكل شعوب المنطقة المطلة على النيل، وإذا كان هنالك أي قرار يتخذ فلا بد أن يكون بالإجماع من جانب شعوب دول حوض النيل حتى نتجنب النزاعات والخصومات. ونحن نعتقد أن كمية مياه النيل الموجودة تكفي لكل دول الحوض ولا يوجد سبب لأي خلافات.
وما هو منظوركم لسد النهضة الإثيوبي وآثاره على بلادكم والسودان؟
مرت أثيوبيا بمراحل تصحر صعبة خلال الثمانينات، وهذا السد يزيل تداعيات هذا التصحر. هناك لجنة مشتركة أثيوبية مصرية سودانية تضم خبراء من البلاد الثلاثة لدراسة الآثار السلبية والايجابية على مصر والسودان، ومن السابق لأوانه أن نجزم بوجود آثار سلبية لهذا السد الإثيوبي. لكن وزير الري الإثيوبي بعث برسائل مطمئنة، بأن هناك فوائد كبيرة جدًا لبلاده ولمصر والسودان من سد النهضة.
الاستقرار والديمقراطية

كيف ترون الأحداث التي تعيشها دول الربيع العربي؟
تسلمت مهام عملي كسفير لجنوب السودان في مصر قبل ستةأشهر فقط، ومن الصعب تقييم الموقف والإلمام بكل شيء بمنطقة الشرق الأوسط. فلهذه المنطقة مشاكلها القديمة. لكنني أتمنى أن يعم فيها الاستقرار وأن تنعم بالديمقراطية، لأن استقرار المنطقة هو استقرار بالنسبة لنا. فلدينا علاقات قوية مع كافة الدول العربية، وكان من المفترض أن نفتتح سفارات لجنوب السودان في السعودية والكويت والإمارات وقطر خلال الفترة الماضية. لكن الظروف الأخيرة أرجأت هذا الموضوع.
ما صحة ما تردد عن سفارة أو مكتب تمثيلي لما يسمى بجمهورية أقباط المهجر المصريين في جوبا؟
هذه دعابة ليس أكثر. من الناحية الفنية، لكي يتم افتتاح سفارة لا بد أن تكون هناك دولة عضو في الأمم المتحدة، وقعت على معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية. فلا يمكن بالتالي افتتاح سفارة لجمهورية الأقباط غير الموجودة. لا وجود لأقباط في جنوب السودان، بل معظم المصريين هناك من المسلمين. نتمنى أن يعم الاستقرار في مصر والدول العربية وان يكون هناك تلاحم شعبي، لأن مصر القوية هي قوة لأفريقيا، وعندما سعى جمال عبد الناصر لتحرير أفريقيا كانت مصر قوية، لأنه في النهاية مصر هي قوة أفريقيا.