أشارت تصريحات قادة روسيا في الفترة الأخيرة إلى اقتناعها بقرب سقوط الأسد، بعدما خفَّفت من حدّة لهجتها تجاه المعارضة السورية المتمثلة في الائتلاف الوطني، وبدأت تعترف بإمكانية انتصارها في النهاية.


موسكو: يبدو أن روسيا باتت تعترف بأن نظام الرئيس بشار الاسد قد يكون قريبًا من نهايته، وهو ما يشير إلى ان الكرملين بدأ يعد لمرحلة ما بعد النظام، الذي ظل حليفا لموسكو لأكثر من أربعة عقود.

وإن كانت الرئاسة الروسية لا تزال تقارع الغرب برفضها دعوة الأسد صراحة إلى التنحي، فإن تقويمها الأخير لحظوظه في الاستمرار يعطي بعض الأمل في أن تشهد نهاية السنة نشاطا دبلوماسيا محموما باتجاه التوصل إلى حل.

وقال فيودور لوكيانوف رئيس quot;مجلس السياسات الخارجية والدفاعيةquot;، ومقره موسكو، quot;روسيا ليست غافلة عن واقع الامور، والدبلوماسيون الروس ليسوا أغبياء. إنهم مدركون ان الأمور تسير باتجاه واحدquot;. وأضاف quot;بات معروفا للجميع ما ستؤول اليه الأمور في نهاية المطاف، ولكن من غير المعروف متى سيحدث ذلكquot;.

في زيارة نادرة لمسؤول كبير في النظام، وصل نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى موسكو خلال الأسبوع لإجراء مباحثات مغلقة مع وزير الخارجية سيرغي لافروف.

وخففت وزارة الخارجية الروسية خلال الأيام الأخيرة لهجتها المعادية للمعارضة السورية المتمثلة في الائتلاف الوطني الذي اعترف به الغرب، من خلال دعوة رئيسه احمد معاذ الخطيب إلى إجراء مباحثات في روسيا او خارجها.

يأتي التغير في الموقف الروسي في ظل تسارع التطورات على الأرض في سوريا، مع الاعلان عن سيطرة المقاتلين المعارضين على المزيد من المواقع من القوات الحكومية، وإعلان المزيد من الانشقاقات.

تغيرت لهجة روسيا في وقت سابق هذا الشهر عندما قال نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف إن الأسد بدأ يفقد السيطرة، وانه لا يمكن استبعاد ان تنتصر المعارضة في النهاية. ويبدو ان تصريحاته التي نقلتها وسائل الاعلام الروسية الحكومية، كان يفترض ان تكون غير قابلة للنشر. ولكن بعد ذلك، صدرت من القادة الروس تصريحات مماثلة، ولكن أكثر حذرا.

وقال الرئيس فلاديمير بوتين خلال مؤتمره الصحافي بمناسبة نهاية السنة quot;لسنا معنيين بمصير الاسد. نتفهم ان هذه العائلة موجودة في السلطة منذ اربعين عاما، وهناك حاجة إلى التغييرquot;.

وكشف لافروف الجمعة ان روسيا ابلغت المقداد بان الوقت حان لكي ينفذ النظام وعوده ببدء حوار مع المعارضة وتنظيم المرحلة الانتقالية. وقال لافروف بوضوح خلال مقابلة مع قناة quot;روسيا اليومquot; التلفزيونية في الاسبوع الماضي ان ما تعترض عليه موسكو هو ان يطلب منها ان تقوم بدور quot;ساعي البريدquot; وتوجيه رسالة إلى الاسد تطالبه بالتنحي.

واضاف لافروف quot;اذا كان الاسد مهتما، تنبغي مناقشة تلك المسألة معه مباشرةquot;. وقال لوكيانوف إن الهدف الرئيس الذي تسعى اليه روسيا اليوم هو ضمان عدم حدوث تدخل عسكري خارجي في سوريا، مثل ان يقود حلف الاطلسي حملة جوية كتلك التي ادت إلى اسقاط نظام معمر القذافي خلال السنة الماضية في ليبيا. واضاف quot;اي عملية سياسية تقود إلى تغيير السلطة في سوريا، تناسب روسياquot;.

وشكلت الحملة على ليبيا التي ادت إلى سقوط نظام معمر القذافي انتكاسة لروسيا التي خسرت المليارات من صفقات الأسلحة ومشاريع البنية التحتية وجعلتها غير قادرة على التواصل مع القادة الجدد. وتبذل روسيا ما بعد الحقبة السوفياتية في عهد بوتين جهوداً للحفاظ على مكانتها كقوة عظمى، وستعمل جاهدة على الحفاظ على نفوذها في سوريا الجديدة.

وأقامت موسكو علاقات وثيقة مع نظام حزب البعث في دمشق منذ تولي حافظ الأسد السلطة في بداية سبعينات القرن الماضي.
وبفضل هذا التحالف، اقامت موسكو قاعدة بحرية لا تزال تستعملها في مرفأ طرطوس، ووقعت مع سوريا معاهدة صداقة وتعاون في 1980 لا تزال تشكل أساسا للعلاقات بينهما.

وكانت روسيا مزود سوريا الرئيس بالسلاح، ورفضت مطالب الغرب المتكررة بوقف امداد النظام. وخلال النزاع، اعترضت تركيا طائرات متجهة إلى سوريا، قالت موسكو انها تنقل معدات رادار لصواريخ دفاعية.

وقال الكسي مالاشنكو المحلل لدى مركز كارنيغي موسكو quot;لقد ادركت روسيا قبل فترة طويلة ان الاسد لن يبقى في السلطة، ولكن كان من الصعب عليها ان تعترف بذلك صراحةquot;. واضاف انه كان على روسيا ان تغير لهجتها وتتخذ موقفا اكثر تشددا إزاء النظام في وقت أبكر. وقال quot;تسعى روسيا الان إلى اللحاق بالقطار بعدما غادر المحطة. ان هدف روسيا اليوم هو انقاذ ماء الوجهquot;.

لافروف: الحل السياسي لا يزال ممكنًا في سوريا


الى ذلك اعلنت روسيا السبت ان التوصل الى حل سياسي لتسوية النزاع في سوريا لا يزال ممكنا لكن من المتعذر اقناع الرئيس بشار الاسد بالتنحي عن السلطة.

وصرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد محادثات مع الموفد الدولي الاخضر الابراهيمي السبت في موسكو، quot;نحن مجمعون على القول إن فرص التوصل الى حل سياسي ما زالت متوافرةquot;.

لكن لافروف اضاف ان من المتعذر اقناع الرئيس الاسد بالتنحي عن الحكم، كما تطالب بذلك بلدان غربية وعربية، فيما أسفر النزاع عن سقوط اكثر من 45 الف قتيل في 21 شهرا، كما يقول المرصد السوري لحقوق الانسان. واضاف لافروف ان quot;الاسد قال مرارا انه لا ينوي الذهاب الى اي مكان، وانه سيبقى في منصبه حتى النهاية ... وليس ممكنا تغيير هذا الموقفquot;.

من جانبه، شدد الابراهيمي على ضرورة ايجاد حل سياسي في سوريا لتجنب quot;الجحيمquot;. وقال quot;اذا كان لا بد من الاختيار بين الجحيم والحل السياسي، يتعين علينا جميعا ان نعمل بلا كلل من اجل حل سياسيquot;. لكن الابراهيمي اعتبر انه حتى تغيير النظام في سوريا لن يؤدي بالضرورة الى تسوية للنزاع.

واضاف الابراهيمي quot;من وجهة نظري، المشكلة هي ان تغيير النظام (في سوريا) لن يؤدي بالضرورة الى تسوية الوضعquot;، ملاحظا ان الخطر قائم من ان تتحول سوريا الى صومال ثانية.

من جهة اخرى، قال لافروف انه quot;فوجئquot; برد فعل الائتلاف السوري المعارض رفض دعوة موسكو إلى اجراء مفاوضات لتسوية الازمة. فقد قال رئيس الائتلاف الوطني المعارض معاذ الخطيب quot;قلنا بشكل صريح لن نذهب الى موسكو. يمكن ان نجتمع في دولة عربية حصرا على ان يكون هناك جدول اعمال واضحquot;.

واضاف quot;ان كنا لا نمثل الشعب السوري فلماذا يدعوننا (الى التفاوض)؟ واذا كنا نمثل الشعب السوري فلماذا لا تصدر روسيا بيان إدانة واضحًا لتوحش النظام ومطالبة صريحة بتنحي الرئيس الاسد، الذي هو شرط اساسي في اية مفاوضات؟quot;.

وقد دعت موسكو، القوة العظمى الوحيدة التي تقيم علاقات وثيقة مع النظام السوري، هذا الاسبوع الى quot;مبادرات حيوية وحاسمة لوقف حمّام الدمquot; في سوريا.