أدت أخطاء طبية متكررة إلى سحب السلطات البريطانية تراخيص مزاولة مهنة الطب من عدد كبير من الأطباء، غالبيتهم من الأجانب، الذين درسوا في جامعات غير بريطانية.


عبد الإله مجيد: كشف تقرير جديد أن الغالبية العظمى من الأطباء الذين يُمنعون من ممارسة المهنة أو تُسحب تراخيصهم في بريطانيا درسوا الطب في الخارج.

ومن المتوقع أن يزيد هذا التقرير مخاوف البريطانيين من عجز نظام الخدمة الصحية في بريطانيا عن توفير الحماية الكافية للمرضى من أخطاء أطباء وافدين من بلدان، مستوى دراسة الطب فيها ليس بمستواها في بريطانيا، ولا يعرفون المبادئ الأساسية لممارسة المهنة في بريطانيا.

حالات موصوفة
كانت سلسلة من حالات الأخطاء الطبية أثارت في السنوات الأخيرة مخاوف بشأن تدنِّي مستوى الأطباء الوافدين من خارج بريطانيا، وعدم إجادتهم اللغة الانكليزية. ففي العام 2008، قُتل متقاعد على يد طبيب تخرج من ألمانيا، أعطاه عشرة أمثال الجرعة الموصوفة من مسكِّن الألم. وكان الطبيب دانيل أوباني، المولود في نيجيريا، يعمل للمرة الأولى في بريطانيا. وقال لاحقًا إنه لم يسمع ذات يوم بدواء دايامورفين غير الشائع في ألمانيا قبل أن يعطيه للمريض المتقاعد.

من الحالات الأخرى، التي نظر فيها المجلس الطبي العام البريطاني، حالة الطبيب فلادان فيسنيافاتش، الذي سُحب منه ترخيصه لمزاولة المهنة بعد وفاة طفلة ولدت على يده، نتيجة إصابتها بكسر في الجمجمة وتلف في الدماغ، لأنه لم يعرف كيف يستخدم الأدوات الطبية أثناء عملية التوليد. كما سحب المجلس الطبي ترخيص نافين شانكار، الذي لم يشخّص مرض السرطان في شابة طيلة ست سنوات قبل وفاتها.

أرقام تثير الصدمة
تبيّن أرقام المجلس الطبي العام، التي اطّلعت عليها صحيفة صندي تلغراف بناء على قانون حرية المعلومات، أن 75 في المئة من الأطباء الذين سُحبت تراخيص مزاولتهم المهنة في العام 2012 درسوا خارج بريطانيا، وأن احتمالات سحب ترخيص مزاولة المهنة تزيد خمس مرات بين الأطباء الذين درسوا خارج بريطانيا منها على الذين درسوا الطب في الجامعات البريطانية.

كما يكشف تقرير المجلس الطبي العام أن البلد الذي ينتمي إليه أكبر عدد من الأطباء الذين مُنعوا من ممارسة المهنة أو سُحبت تراخيصهم هو الهند، تليه نيجيريا، وتحلّ مصر في المرتبة الثالثة.

وقد سُحِبت تراخيص 669 طبيبًا أو مُنعوا من مزاولة المهنة بقرار من المجلس الطبي العام خلال السنوات الخمس الماضية، من بينهم 249 طبيبًا بريطانيًا، أو 37 في المئة، فيما درس 420 طبيبًا خارج بريطانيا، أو 63 في المئة.
ونقلت صحيفة صندي تلغراف عن جوليا ماننغ، مديرة معهد الصحة 2020 للأبحاث، قولها إن هذه الأرقام تثير الصدمة، داعية إلى مراجعة شاملة لتقويم كفاءة جميع الأطباء الوافدين إلى بريطانيا.

وأشارت ماننغ إلى أن أنظمة الاتحاد الأوروبي التي تحدد ساعات عمل الطبيب، دفعت المستشفيات البريطانية إلى الاعتماد على مناوبين من الخارج، بينهم أطباء ليسوا مطّلعين على الممارسات الطبية أو القواعد المتبعة في نظام الخدمة الصحية البريطاني.

تواصل أمين
نشرت صحيفة صندي تلغراف جدولًا بالدول الخمس الأولى، التي مُنع أطباؤها أو سحبت تراخيصهم. وتتصدر القائمة الهند التي لديها 25989 طبيبًا يعملون في بريطانيا منذ العام 2008، مُنع منهم 123 طبيبًا. وجاءت مصر ثانية بنحو 2957 طبيبًا، مُنع منهم 33 طبيبًا، ونيجيربا ثالثة بنحو 3564 طبيبًا، مُنع منهم 33 طبيبًا، ثم باكستان رابعة بنحو 8139 طبيبًا، مُنع منهم 32 طبيبًا. وجاء العراق خامسًا بنحو 2257 طبيبًا، مُنع منهم 18 طبيبًا.

وهناك نحو 253 ألف طبيب مدرج اسمه في السجل الطبي البريطاني، درس زهاء 92 ألفًا منهم في الخارج، إضافة إلى نحو ألفي طبيب تخرّجوا في العام 2011. ودرس أكثر من 25 ألف طبيب من هؤلاء الأطباء الأجانب في أوروبا، ونحو 67 ألف طبيب في دول أخرى.

ويحظر النظام المعمول به في بريطانيا على المستشفيات والمؤسسات الطبية أن تختبر المهارات اللغوية للأطباء الوافدين للعمل فيها من دول الاتحاد الأوروبي، إذا تمكن العاملون من التواصل بصورة أمينة.

معايير غير مستوفاة
نظرت بريطانيا إلى القانون الأوروبي على أنه يعني أن الأطباء الذين يتأهّلون في أي من الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يستطيعون العمل في بريطانيا بلا أي شروط أو قيود.

تعهد الائتلاف الحاكم بقيادة المحافظين بالعمل على تغيير القانون، بحيث يثبت الأطباء أنهم يتقنون الانكليزية، قبل السماح لهم بالعمل في بريطانيا، لكن التغييرات الموعودة ما زالت عالقة في غمرة النقاشات الدائرة بين دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل.

ويخضع الأطباء الوافدون من خارج أوروبا لاختبار قبل الترخيص لهم بالعمل في بريطانيا، لكن يجوز للمجلس الطبي العام أن يمنع عمل الأطباء الذين درسوا في كليات لا تستوفي معاييره الرسمية أو المعايير المتعارف عليها دوليًا.

فساد ورشى
في العام 2010، مُنع خريجو سبع كليات طبية نيجيرية من البحث عن فرص عمل في بريطانيا، بسبب تدنّي مستوى هذه الكليات.
كما إن الفساد ما زال متفشيًا في الخدمات الطبية في الهند، حيث غالبًا ما يرتدي شكل رشى للحصول على العلاج. وفي العام 2010، اتُهم رئيس المجلس الطبي العام في الهند بتقاضي رشى مقابل تزكية كليات طبية والاعتراف بها، على الرغم من أنها لا تستوفي المعايير الأساسية.

وأُغلق التحقيق في وقت سابق من العام لعدم كفاية الأدلة. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، منع المجلس نفسه 27 طبيبًا من مزاولة المهنة، لدورهم في فتح كليات طبية مشبوهة. وقال بعض الأطباء إنهم يديرون كليتين طبيتين في آن واحد، فيما كذبت كليات أخرى بشأن عدد الأساتذة الذين يدرِّسون طلابها.

وقال نيال دكنسون، المدير التنفيذي للمجلس الطبي العام في بريطانيا، إن نظام الخدمة الصحية البريطاني ما كان ليتمكن من البقاء لولا مساهمة الأطباء الأجانب، وشدد على ضرورة الامتناع عن التشكيك في عشرات آلاف الأطباء الأجانب، الذين نقلوا مهاراتهم ومؤهلاتهم إلى بريطانيا، لوضعها في خدمة نظامها الصحي والمرضى.