لعبت مواقع التواصل الإجتماعي، لا سيما فايسبوك، دوراً رئيساً في ربيع الشباب العربي، الذي اعتمد على هذه المواقع كأداة أولى لتنظيم الاحتجاجات ضد الحكام، وفي ذروة هذه التطورات، أصبح طرح أسهم فايسبوك للاكتتاب بمثابة أهم قصص الأعمال لهذا العام.


مارك زوكربرغ مؤسس فايسبوك

بيروت: نجاح موقع quot;فايسبوكquot; للتواصل الاجتماعي، دليل قوي على التأثير التحولي، الذي يفرضه الانترنت الحر والمفتوح على المجتمع والتجارة.

كما إن ظهور الشبكات الاجتماعية، مثل فايسبوك، ساهم في تكوين المرحلة الرئيسة الثانية من شبكة الإنترنت، عن طريق وضعها كمنصة للتفاعل الاجتماعي،فللمرة الأولى، سمحت مواقع الشبكات الاجتماعية للمستخدمين بإنشاء هويات شخصية على منصات كبيرة من أجل التواصل والتشارك مع الآخرين.

وبفضل الدهاء في التسويق والتصميم، اشتعلت شرارة فايسبوك كالنار في الهشيم، وبات هذا الموقع الاجتماعي هو الأول بين طلاب الجامعات، وفي وقت لاحق بين الجمهور الواسع.

نمت قدرة فايسبوك وتأثيره على التواصل في شبكة تجمع الملايين من الناس المتصلين مع بعضهم بعضًا، فخلقت زخماً لا يمكن وقفه، وينافس كل الشبكات الاجتماعية الأخرى.

يدل نجاح فايسبوك على قوة الإنترنت كقوة للاتصال الاجتماعي، والتي تحولت، على مدى السنوات القليلة الماضية، إلى وسيلة تغيير اجتماعي وسياسي فعالة للغاية.

هذه السلطة الجديدة تعكس ملامح رئيسة عدة، أهمها الديمقراطية، وذلك لأن كل شخص في العالم الحرّ لديه حق في الوصول إلى شبكة الإنترنت، كما أتاحت للفرد قدرة نشر أفكاره، واستخدام فايسبوك كمنصة لقوة الأفكار الشخصية، وليس للفئات التقليدية، لأن شبكة الإنترنت تتيح نشر الملايين من الأفكار في سرعة الضوء.

كما هزت قدرة فايسبوك الأنظمة الديكتاتورية، التي اعتبرت أن الموقع الاجتماعي يهدد وجودها، ومن غير المستغرب أن الأنظمة القمعية حاولت منع نشاط شبكة الإنترنت من أجل تضييق الخناق على المعارضة.

هذا الضغط والجذب بين هياكل السلطة القديمة والمجتمعات الرقمية سوف يستمر لبعض الوقت، لكن أصحاب الرؤيا الرقمية المثالية ndash; أمثال مؤسس موقع فايسبوك مارك زوكربرغ ndash; يقف التاريخ إلى جانبهم.

في هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ quot;تايمquot; أن ارتفاع موقع فايسبوك في الآونة الأخيرة كظاهرة ثقافية واجتماعية، عكس ظهور الإنترنت كأداة اجتماعية وسياسية قوية.

إذ استخدم المعارضون في تونس ومصر موقع فايسبوك كمنصة، لم يسبق لها مثيل، للتواصل وتنظيم الاحتجاجات ضد الحكام المستبدين، الذين استولوا على السلطة لعقود عدة.

كما لجأ النشطاء في الولايات المتحدة إلى الشبكات الاجتماعية لإطلاق حركة quot;احتلوا وول ستريتquot;، التي ركزت الاهتمام الوطني على عدم المساواة في الدخل، وجعلتها القضية المركزية في الانتخابات الرئاسية لعام 2012.

وفي الآونة الأخيرة، ساعدت الحملة الالكترونية على شبكة الإنترنت ضد تشريع لمكافحة القرصنة في الكونغرس الأميركي، على إقناع العشرات من النواب في سحب دعمهم.

ويبدو أن شبكة الانترنت آخذة في الظهور كقوة اجتماعية وسياسية قوية في حد ذاتها، كما إن الشبكات الاجتماعية، مثل فايسبوك وتويتر، هي الصمغ الذي يمسك هذه القوة ويجمعها.

في الوقت عينه، يدل نجاح موقع فايسبوك في المجال التجاري، على قوة شبكة الإنترنت كمنصة لبناء الأعمال الناجحة بصورة عشوائية من الألف إلى الياء، وأيضاً وسيلة للشركات في التعامل مع العملاء الحاليين، والتواصل مع عملاء جدد.

تحتوي نشرة الاكتتاب العام لموقع فايسبوك على أرقام مذهلة، توضح القدرة الهائلة للخدمات، وقدرات الأعمال والتعامل مع المستخدمين.

وتمتلك الشركة الآن 845000000 مستخدماً نشطاً شهرياً - أو ما يقرب من نصف مستخدمي الإنترنت، الذين يقدّرعددهم بـ 2 مليار شخص في العالم.

ووفقاً لصحيفة الـ quot;تايمquot; فإن الشيء الرائع هو أن فايسبوك مجرد quot;خدش سطحي لإمكانياته التجارية، لكن هدفها ليس المالquot;، فمن الواضح أن زوكربرغ لا يسعى إلى الربح المادي.

في هذا الإطار، قال quot;نحن لا نطلق الخدمات لكسب المال، بل نريد كسب المال لبناء أفضل الخدماتquot;، مشيراً إلى أن موقع فايسبوك تم تصميمه لتعزيز ما وصفه بـ quot;مهمة اجتماعية لجعل العالم أكثر انفتاحاً وترابطاًquot;.

وقد وجّهت في السابق انتقادات عديدة لفايسبوك لاقتحامه حدود الخصوصية الفردية، وليس هناك شك في أن شهرة هذا الموقع وانتشاره سوف يتطلب يقظة من قبل هيئات الرقابة والحرية المدنية، والحكومات الاتحادية إذا لزم الأمر.

لكن زوكربرغ ما زال مصمماً على جعل الإنترنت أكثر اجتماعية، حتى تقوم بدورها، وجعل المجتمع أكثر ديمقراطية.

ويؤكد مؤسس موقع فايسبوك أن quot;الناس تتواصل وتتشارك بشكل أكبر - حتى وإن كان ذلك بين الأصدقاء أو العائلات فقط ndash; فإنه يخلق ثقافة أكثر انفتاحاً، ويؤدي إلى فهم أفضل للحياة ووجهات نظر الآخرينquot;.

يشكل انتصار فايسبوك دليلاً علىأهمية وجود الإنترنت بشكل حر ومفتوح، فعندما أطلق زوكربرغ الخدمة في السنة الثانية من دراسته في جامعة هارفارد عام 2004، لم يتصور أنه بعد8 سنوات سيقود شركة تستعد للاكتتاب العام مع أكثر من 800 مليون مستخدم وتقويم بـ 100 مليار دولار.

فمثل هذه النتيجة لم تكن ممكنة، لو لم تكن شبكة الإنترنت المفتوحة بيئة خصبة للابتكار، ففي أقل من عقدين من الزمن، توّجت شبكة الانترنت نفسها باعتبارها واحدة من المنصات التحويلية والاقتصادية والاجتماعية في التاريخ.

وبعد سنوات، أنشأت شركات ومواقع مثيرة وجديدة، حصدت مليارات الدولارات، وغيرت الطريقة التي نعيش بها إلى الأبد.

وبما أن شبكة الإنترنت أصبحت أكثر اجتماعية، أصبحت المنصات الاجتماعية، مثل فايسبوك وتويتر، تتمتع بتأثير أكبر على السياسة في أنحاء العالم كافة.

وأصبح طرح أسهم فايسبوك للاكتتاب واحدًا من أهم قصص الأعمال لهذا العام، لكن نجاح الشركة يجب أن يكون أيضاً بمثابة تذكير قوي بضرورة الحفاظ على الإنترنت كمنصة مفتوحة وحرة.

وإذا كنا، كمجتمع، نستطيع نفعل ذلك، فقد يظهر العديد من أمثال quot;مارك زوكربيرغquot; في الأعوام المقبلة.