وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان

تعرض وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان لجملة من الانتقادات بسبب تصريحاته الأخيرة التي قال فيها إن quot;حضارتهquot; هي الأفضل، متجاهلا دور مختلف حضارات العالم في تقدم البشرية، ويعتقد المسلمون في فرنسا أنهم هم الفئة المستهدفة من هذه التصريحات.


منذ تعيين كلود غيان على رأس وزارة الداخلية الفرنسية و هو يطلق تصريحات نارية مثيرة للكثير من الجدل في الأوساط السياسية و الإعلامية الفرنسية.آخر هذه التصريحات عندما اعتبر أن quot;الحضارات غير متساويةquot;، داعيا إلى quot;حماية حضارتهquot;

وهذا النوع من التصريحات يقترب ظاهريا كثيرا من خطاب اليمين المتطرف، لأن الكاتب العام السابق لقصر الإليزيه يشهد له خصومه قبل من يتقاسمون معه الانتماء السياسي نفسه ،quot;أنه شخصية جمهورية حتى النخاعquot;.

غيان أحد الأوفياء للرئيس الحالي نيكولا ساركوزي، بل و خريج المدرسة quot;الساركوزيةquot; سياسيا، لأن سيد الإليزي من كان له الفضل في جره إلى العمل السياسي، إذ شغل في وقت سابق محافظا للأمن قبل أن ينتقل إلى فريق الرئيس الحالي عندما كان وزيرا للداخلية خلال عهد جاك شيراك.

ما الذي قاله الشرطي الأول في فرنسا حتى يحدث كل هذه العاصفة الإعلامية من حوله ومن حول الأغلبية الحاكمة؟ وهو تصريح لم يمسّ بشكل مباشر المعارضة الفرنسية، وإنما جزء من عقيدتها، فيما تولد لدى المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، المؤسسة الرسمية الأولى التي تمثل مسلمي فرنسا، شعور بكون المستهدف هم المسلمون.
رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية محمد الموساوي سارع إثر هذه الضجة لمطالبة وزير الداخلية الفرنسي بالتوضيح إن كان المقصود من كلامه الإسلام والمسلمين، وهو ما نفاه المسؤول الحكومي، الذي عاد ليؤكد أن quot;الحضارات لا تتساوى من منطلق ما توليه كل واحدة منها لكرامة الإنسان سواء كان امرأة أو رجلاquot;.

quot;فالحضارة التي تدافع عن الإنسانية...quot;، تبدو لوزير الداخلية الفرنسي quot;أكثر تقدما من الحضارات التي تعاديها...quot;،و هي حضارة، بحسب قوله quot;تدافع عن الحرية والمساواةوالمؤاخاة، و نعتبرها أكثرسموا من تلك التي تقبل بالاستبداد و التقليل من قيمة المرأة، و تزرع الحقد الاجتماعي والعرقي...quot;

تصريحات انتخابية
الإعلامي و المحلل السياسي صادق حجي ينظر إلى هذه التصريحات كونها quot;انتخابيةquot;،مشيرا إلى أن فرنسا عرفت باستمرار في مثل هذه المناسبات تصريحات بهذه الحدة، فمثلا الرئيس السابق جيسكار ديستان سبق أن وصف الهجرة quot;بالغزوquot;.

كما أن quot;الرئيس السابق جاك شيراك تكلم عن quot;الروائح الكريهةquot; في إشارة للمهاجرين...quot;،يتابع حجي، موضحا أن quot;هذه التصريحات هي للاستهلاك الانتخابي، أعتقد أن السيد كلود غيون كان يريد أن يجر اليسار و بالتحديد الاشتراكيين إلى حلبة الإسلام...quot;.

ويعتقد حجي، الذي كان يتحدث لـquot;إيلافquot;، أن الوزير الفرنسي quot;نجح في مهمته لأن تصريحا من هذا النوع لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، فعندما يثار كلام من هذا المستوى حول الحضارات و لا يرد الاشتراكيون سيتهمون بالتواطؤ...quot;

ويرى حجي أن quot;كلود غيان يمثل الحساسية اليمينية داخل الأغلبية الحاكمة والتي هي أكثر قربا من اليمين المتطرف.وتصريح كهذا يمكن اعتباره استراتيجية أريد من خلالها جرّ اليسار إلى هذه الحلبة، و في الوقت نفسه، محاولة لاقتناص أصوات اليمين المتطرفquot;.

كما أبرز أنه أصبح معروفا في فرنسا quot;عندما يشتد الجدل حول الهجرة والمهاجرين، فهذا يعني أن موعد الانتخابات قد اقترب سواء كانت رئاسية أو تشريعية أو محلية...quot;

و لا يعتقد حجي أن هذه quot;الاستراتيجية التي تتبعها الأغلبية اليمينية ستحصد من خلالها أصوات اليمين المتطرف.لقد نجح بالفعل إلى حد ما سنة 2007 عندما كان ساركوزي وزيرا للداخلية وحقق نتائج على المستوى الأمني...quot;

و تابع في السياق نفسه quot;نحن في 2012 و هي مرحلة أخرى.الأغلبية الحالية تحكم فرنسا لسنوات و المشاكل التي يتخبط فيها المجتمع الفرنسي لم يجد لها حلولا، والمستفيد من هذه الوضعية هو اليمين المتطرف...quot;

الإيجابي في النقاش
الإيجابي في هذا النقاش، بحسب ملاحظة حجي، أنه quot;رغم ما له من رائحة كريهة، فهو حرض الفرنسي العادي على محاولة البحث في فهم باقي الحضارات، وهو يقر، من خلال ما سمعته هذه الأيام، أن الحضارات الإنسانية برمتها ساعدت الإنسان على تقدمه و تطوره، و يدرك أنه لا توجد فقط حضارة واحدة غربية وإنما هناك حضارات أخرى...quot;

فهو تصريح، يوضح حجي، quot;له شقه الإيجابي لأنه فتح نقاشا حول مفهوم الثقافة وحرك النخبة المثقفة لاستعادة موقعها في الحديث في هذا الموضوع حول ماهية الحضارة و أنواعها التي تعاقبت على الكون، ويمكن له كذلك أن يدفع بالمثقف العربي كذلك إلى التعريف بحضارته و مدى إسهامه في تطور الإنسان...quot;

و لا يمكن إعطاء بعد لهذا التصريح أكثر من أبعاده الانتخابية، لأنه برأي حجي،لا يمكن له أن quot;يرقى إلى سؤال مفهوم الحضارات، لأنه اكبر من ذلك بكثير...quot;

و أوضح حجي أن quot;كل الحضارات لها جوانبها الإيجابية والسلبية، فالحضارة الغربية، أنتجت الاستعمار، الفاشية، النازية، و في الوقت نفسه أنتجت الديمقراطية، الحرية، حقوق الإنسان ومجموعة من القيم التي أصبحت كونية وتعترف لها بذلك الإنسانية...quot;

كما أن الحضارة العربية الإسلامية، يقول حجي،quot;نورت الإنسان ودفعت به إلى حقبة التنوير و الفكر، و في الوقت نفسه كان لها سلبياتها كذلكquot;.

استقالة المثقف
أبرز حجي أن quot;السياسي له اختصاصات و مسؤوليات أخرى وليس من مهامه الخوض في إشكالات من هذا المستوى، لأن فيه تطاولا على دور المثقف. وأضاف:quot;غيان كان عليه أن يهتم بالبطالة، العمل، الأمن و غير ذلك...quot;.

وسجل حجي أن دور المثقف في السنوات الأخيرة تراجع، و quot;لم نعد نسمع عن أسماء من قبيل سارتر و غيره، وهذا في ظل الحضور اللافت للإعلام المرئي في حياة الناس. فالمثقف فقد التأثير الذي كان له في السنوات السابقة وتنازل للسياسي للقيام بهذا الدور علما أنه ليس للأخير الأدوات العلمية و المعرفية لأجل ذلكquot;.

ويعتقد حجي أن quot;هناك نوعا من استقالة المفكرين من الساحة و لم نعد نعرف كما قال غرامشي المثقف العضوي الذي يفعل في المجتمع و يهتم به.المثقفون من هذا النوع أصبحوا مادة قليلة...quot;

كما أوضح أنه quot;عندما يعود الحديث في هذه الأمور للساسة،يمكن أن ينتج من ذلك عواقب وخيمة. يجب أن يستعيد المثقف دوره في التنوير و تأطير و تأهيل المجتمع...quot;

الحكومات والطبقة السياسية العربية و تصريحات غيان
لا يعتقد حجي أن هذه التصريحات يمكن أن تؤثر سلبافي العلاقات الثنائية المتينة التي تجمع باريس بعدد من الدول العربية، قائلا quot;أتفق معك أن هناك صدمة في الشارع العربي و خصوصا في صفوف الإنسان العربي المتوسط الذي لا يعرف الخلفيات السياسية لمثل هذه التصريحات في أوروباquot;

هذا المواطن العربي العادي قد يرى، يضيف حجي،quot;أن هذه التصريحات لها أهداف استراتيجية كبيرة إلى آخره، و بالنسبة للحكومات و الطبقة السياسية العربية عموما لا أعتقد أن هذه التصريحات سيكون لها تأثير على هذه العلاقات...quot;

فهذه الحكومات و معها الطبقة السياسية، بحسب تحليله،quot;تعلم أنها تصريحات ذات بعد محلي، تصريحات عابرة و لمجرد الاستهلاك السياسي لمرحلة معينة...quot;