تبدو صورة تنظيم القاعدة الذي أصدر رسالة دعم للثورة الشعبية ضد الأسد، وكأنه وضع نفسه في خندق واحد مع الغرب. وبعدما دخل الظواهري على خط الثورة السورية، رأى تقرير أن الثغرة الوحيدة التي يمكن أن تستفيد منها القاعدة، هي أن المقاتلين الذين هم سنيّون بالمجمل، يتماهون طائفيًا مع الظواهري وبن لادن.
الظواهري يحثّ quot;مجاهدي بلاد الشامquot; على دعم الثورة السورية |
إعداد لميس فرحات: منذ أكثر من أربعة عقود مضت، بدأ زعيم تنظيم القاعدة الجديد مسيرته في الجهاد العالمي بالدعوة إلى تمرد ضد النظام العلماني في مصر. ومع أن أيمن الظواهري لديه باع طويل في قتال الشوارع والتمرد، إلا أنه يعلم أنه من السيئ أن يلحق بالثورة في وقت متأخر.
للوهلة الأولى، تبدو صورة تنظيم القاعدة الذي أصدر رسالة دعم للثورة الشعبية ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وكأنه وضع نفسه في خندق واحد مع الغرب. فالظواهري خاطب المعارضين السوريين قائلاً: quot;إلى الأمام يا أسود الشامquot;، وذلك في كلمته العلنية الثانية منذ توليه قيادة التنظيم بعد أسامة بن لادن في يونيو/ حزيران.
أظهر شريط الفيديو زعيم القاعدة وهو يرتدي جلباباً أبيض اللون أمام ستارة سوداء وضعت وراءه بعناية، وكان يهزّ سبابته اليمنى، مثنياً على quot;الناس الشرفاء الأحرار، الذين يقفون بصدورهم العارية في وجه قذائف الدبابات والمدفعية وطائرات الهليكوبترquot;.
في هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ quot;تليغرافquot; أن الرسالة حملت علامات ضعف أكثر مما عكست علامات قوة. فالظواهري يعلم أن السوريين تحدوا غضب زعيمهم من دون أي مساعدة من تنظيم القاعدة. منذ اندلاع شرارة الثورة قبل عام تقريباً، قتل نحو 6000 شخص، من دون أن يسمعوا دعماً من الظواهري أو من سلفه.
بالمثل، كان خطاب الظواهري مجرد إشارة عابرة إلى الثورات في تونس ومصر وليبيا، كل واحدة منها نجحت في تدمير نظام استبدادي، في حين ترك تنظيم القاعدة يشاهد ما يجري، وهو عاجز عن التحرك أو التدخل.
لكن الصحيفة اعتبرت أن الغرض من تأسيس تنظيم القاعدة الإرهابي لم يكن يهدف إلى ضرب أميركا والغرب. على العكس من ذلك، عندما أنشأ الظواهري وبن لادن التنظيم في العام 1988، قررا تقسيم العالم إلى أعداء quot;قريبةquot; وأخرى quot;بعيدةquot;. وشملت الأولى كل الأنظمة في الشرق الأوسط، التي كان لا بد من عزلها لإفساح الطريق أمام الخلافة الإسلامية، التي تحكمها الشريعة الإسلامية، ومن شأنها أن تحتضن كل العالم الإسلامي.
مشكلة تنظيم القاعدة هي أن أعداءها قد بدأوا بالسقوط مثل أحجار الدومينو - لكن زوال هذه الأنظمة ليس له أي علاقة بالظواهري أو أتباعه. وكان الرئيس المصري حسني مبارك عدواً لدوداً للتنظيم، وخاصة بالنسبة إلى الظواهري، الذي أمضى أربع سنوات في سجون الدكتاتور في القاهرة، وتعرّض للتعذيب من قبل جهاز الأمن التابع له.
اعتبرت الصحيفة أن سقوط مبارك من دون أن يكون للقاعدة دور في الأمر، شكل إهانة إلى الجهادي القديم، كما إن عدم قدرته على اللحاق بركب أربع ثورات في العالم العربي، قد تعكس لا مبالاة من قبل التنظيم أو حتى فقدان الدعم الشعبي للتنظيم، الذي بات على وشك الاضمحلال، بعدما تخلف الظواهري عن ثلاث ثورات ناجحة في مصر وتونس وليبيا، يستعد الآن للقفز على متن العربة السورية.
في هذا السياق، تنقل الصحيفة عن السير ديفيد اومند، أستاذ زائر في دراسات الحرب في كينغز كوليدج في لندن، ورئيس سابق للاستخبارات والأمن في مكتب رئيس الوزراء، قوله: quot;القاعدة بالتأكيد في وضع لا تحسد عليه، وتقوم بمناورة واضحة وخطرةquot;، مضيفاً أن الظواهري يدرك جيداً أن ليبيا أظهرت أن الثورة يمكن أن تأتي بدعم من الغرب، وليس من خلاله.
يبدو أن زعيم القاعدة أدرك أن التدخل العسكري الغربي في سوريا أمر مستبعد جداً. فحتى لو قتل المزيد من السوريين على أيدي قوات الأسد، فإن القوى الكبرى، ربما ستمتنع عن شنّ عملية عسكرية على غرار ما حدث في ليبيا.
الصعوبات العملية، جنباً إلى جنب، مع عدم القدرة على التوصل إلى قرار حاسم من قبل مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي والصيني، تشير إلى أنه من الصعب التوصل إلى تدخل أجنبي في سوريا. كما إنه ليس هناك أي ضمان بأن التدخل العسكري من شأنه أن يقلل من سفك الدماء.
تهديدات الظواهري لا يمكن تجاهلها تماماً، فتنظيم القاعدة لا يزال يتمتع بموقع قوي في العراق المجاور. في ذروة أعمال العنف، قد يتمكن المقاتلون الأجانب من السفر إلى العراق عبر الأراضي السورية. quot;أما اليوم في ظل الأعمال العنيفة التي تشهدها سوريا، فمن المحتمل أن تكون هذه الحركة عكسية، أي من العراق باتجاه سورياquot;، وفقاً لما يقوله نايجل أنكستر، رئيس قسم التهديدات الخارجية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
وأشارت الصحيفة إلى الأقاويل التي تتهم quot;تنظيم القاعدة في العراقquot; بالضلوع في تفجيرات في الأسبوع الماضي في مدينة حلب، التي أودت بحياة 28 شخصاً. واستهدفت الهجمات العاصمة السورية التجارية ومركزاً للشرطة المحلية، ومقر الاستخبارات العسكرية، وهذه الأعمال تحمل بعض بصمات تنظيم القاعدة: واحد من هذه التفجيرات على الأقل كان هجوماَ انتحارياً، ونفذت الاعتداءات في وقت واحد تقريباً.
يقول أنكستر quot;هذه التفجيرات تعدّ خروجاً واضحاً عن طريقة العمل المعتادة للمعارضة السورية المسلحةquot;، مضيفاً: quot;ليس لديّ أي فكرة عمن كان مسؤولاً، لكن من غير المستغرب أن يكون تنظيم القاعدة قد فعل شيئاً من هذا القبيلquot;.
لكن حتى لو كان تنظيم القاعدة غير مسؤول عن تنفيذ الضربات في سوريا، فهذه التفجيرات قد تؤدي إلى تأثير معاكس تماماً للنتائج المرجوة. فالأسد لطالما اتهم خصومه بأنهم quot;عصابات إرهابية مسلحةquot; وquot;مجموعات من المتطرفين الإسلاميينquot;. وبما أن الظواهري الآن يعلن عن دعمه للمعارضة السورية، فإنه في نهاية المطاف يقوم بتعزيز الزعيم السوري وإثبات صحة أقواله.
ويشير انكستر إلى أن ما يقوله الظواهري لن يكون له أي تأثير يذكر، quot;إلا أنه يصبّ في مصلحة الأسد، الذي يعتمد استراتيجية، مفادها أنه يقوم بأعمال عنف منظمة ضد الجماعات الإرهابيةquot;.
مع ذلك، ليس هناك على أرض الواقع في سوريا ما يشير إلى وجود الجهاديين. وقال أعضاء من الجيش السوري الحر لصحيفة الـ quot;تليغرافquot; إن جميع الثوار في مدينة حمص هم من السكان المحليين. كما إن أولئك الذين انشقوا عن قوات النظام يقولون إنهم فعلوا ذلك بسبب قسوة الأعمال العنيفة التي أجبروا على تنفيذها أو مشاهدتها.
وقال جلال (20 عاماً)، الذي كان يؤدي خدمته الوطنية في الجيش، إنه لم يعد يستطيع تحمّل قتل النساء والأطفال، ويضيف: quot;لقد رأيت ما حدث في حمص، ورأيت ما حدث في دمشق، لم أستطع البقاء والمشاهدةquot;. يعتقد جلال أن التفجير المزدوج في دمشق، والذي يلقي النظام باللوم على تنظيم القاعدة بتنفيذه كان quot;عملية داخليةquot;، مشيراً إلى أن الجنود كانوا يعرفون سلفاً أن هذا الأمر سيحدث. وتابع quot;أبلغنا عدم الذهاب إلى تلك المنطقة لأن هجوماً تفجيرياً كان على وشك أن يحدثquot;.
لكن الصحيفة اعتبرت أن الثغرة الوحيدة التي يمكن أن يستفيد منها تنظيم القاعدة، هي أن جميع المقاتلين، خاصة الذين التقتهم في حلب، كانوا من الطائفة السنية، مثل الظواهري وبن لادن. وأشارت إلى أن هذا يسلّط الضوء على الطابع الطائفي للنضال ضد نظام الرئيس الأسد، الذي يهيمن على قيادته أعضاء من الطائفة العلوية.
وختمت الصحيفة بالقول إن مشاعر العداء هذه قد تؤدي إلى انزلاق الثورة السورية إلى حرب طائفية، تتسرّب بعض من علاماتها على السطح في كثير من الأحيان، لا سيما في ظل حوادث الاقتصاص من طائفة ما أو شخص معين، بناء على انتماءاته الدينية.
التعليقات