ملهم الحمصي: في وقت تنقسم فيه البلاد على نفسها، بين مؤيد ومعارض لنظام جثم على صدور الشعب لأكثر من أربعة عقود، وفيما تتساقط الشرعية السياسية والدولية عن النظام الحاكم في سوريا، كما تتساقط الأوراق تباعاً عن الشجر في فصل الخريف، يأتي تسليم مسودة الدستور، التي استغرق إعدادها أربعة أشهر، من النقاش الجاد والمتسم بالمسؤولية، حسب معديها، فالرئيس الأسد أصدر في 16 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، قراراً جمهورياً بتشكيل اللجنة الوطنية لإعداد مشروع دستور لسوريا، على أن تنهي اللجنة عملها خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر اعتباراً من تاريخ صدور القرار، وهي المدة التي استغرقتها بالفعل اللجنة المذكورة!.

البيان الرئاسي نقل عن الأسد أنه أجرى laquo;نقاشاً معمقاً حول بعض موادraquo; مشروع الدستور الجديد، وذلك خلال استقباله اللجنة المكلفة إعداد المشروع، وتسلم من رئيسها المحامي مظهر العنبري نسخة laquo;للإطلاع عليه وطرحه للاستفتاء العامraquo;.

واعتبر الأسد، بحسب البيان الرئاسي، أنه quot;حالما يتم إقرار الدستور، تكون سوريا قد قطعت الشوط الأهم، ألا وهو وضع البنية القانونية والدستورية، عبر ما تم إقراره من إصلاحات وقوانين، إضافة إلى الدستور الجديد، للانتقال بالبلاد إلى حقبة جديدة، بالتعاون بين كل مكونات الشعب، تحقق ما نطمح إليه جميعاً من تطوير لبلدنا يرسم مستقبلاً مشرقاً للأجيال المقبلةquot;.

تسريبات إعلامية نقلت عن اللجنة التي قابلت الأسد أن نقاشها معه استمر نحو ثلاث ساعات، وتناول المادة الثالثة من مشروع الدستور، والتعددية السياسية التي أقرّها، ومدة ولاية رئيس الجمهورية وعدد مرات تجديدها، وغيرها من المواد.

وتنص المادة الثالثة على أن laquo;دين رئيس الجمهورية الإسلامraquo;، كما هو الحال في الدستور الحالي، في محاولة على ما يبدو لاسترضاء الاحتجاجات القائمة ضد النظام، بعد التلويح مراراً من قبل quot;شبيحتهquot; الإعلاميين بإمكانية حذفها، أو على الأقل، المساومة عليها مقابل المادة الثامنة.

كما نصّ مشروع الدستور في إحدى مواده على أنه: laquo;يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر الاقتراع، وتسهم الأحزاب السياسية المرخصة والتجمعات السياسية الانتخابية في الحياة السياسية الوطنيةraquo;، فيما يعد إلغاء للمادة الثامنة من الدستور القديم، الذي كان ينص على قيادة حزب البعث لكل من الدولة والمجتمع معاً، وقيادته لما يسمّى الجبهة الوطنية التقدمية، لكنه يغفل نقطة مهمة عن مصير حزب البعث في مستقبل البلاد، بعد تنحيته عن رئاسة الدولة والمجتمع، وعن مصير التماهي والتمازج الحاصل بين مؤسسات الحزب والدولة خلال السنوات الماضية، والتي كان يعد فيها الوجود في أحدهما وجوداً آلياً وحكمياً في الآخر.

مشروع الدستور حدد مدة الولاية الرئاسية بـlaquo;سبع سنوات ولولايتينraquo;، ما يعني أن تجديد الولاية سيكون لمرة واحدة فقط، في حين حدد الدستور الحالي مدة الولاية بسبع سنوات، تاركاً عدد مرات تجديدها مفتوحاً. لكن النص الجديد، وإن كان لا يزال مسودة، لا يشير إلى مصير الرئيس الحالي المتوج أصلاً بولايتين رئاسيتين، فهل يعني ذلك انتهاء حكم الرئيس الحالي في العام 2014 بحكم انتهاء ولايتيه الرئاسيتين، أم إنه سيستأنف ولايتين أخريين ابتداء من إقرار الدستور الجديد؟!.

أعضاء اللجنة أكدوا أنه كان هناك عدد كبير من الآراء حيال مختلف مواد مشروع الدستور (157 مادة)، لكنهم شددوا على أن هذا المشروع في النهاية هو نتاج عمل توافقي وجماعي لجميع الأعضاء. وتشير التسريبات إلى طرح الدستور الجديد للاستفتاء على الشعب في مطلع الشهر المقبل، من دون أن يستبعد أعضاء اللجنة أن يقوم الرئيس بتعديل ما يراه قبل ذلك؟.

الطريف في الأمر أن طرح مسودة الدستور الجديد للاستفتاء من قبل الشعب السوري في هذه الظروف لن يكون مرفقاً بأي إشراف قضائي على عملية الاستفتاء، وستقوم وزارة الداخلية بإنجاز الخطوات الخاصة بعملية الاستفتاء، وهو ما يثير الأسئلة عن مدى صدقية إجراء مثل هذا الحدث تحت وصاية وزارة الداخلية، التي فشلت حتى الآن في تأمين الأمن والاستقرار الداخلي في معظم أنحاء البلاد؟.