صلاح سليمان من ميونيخ: نظمت الجالية المصرية في مقاطعة بافاريا الألمانية مهرجاناً ثقافياً سياسياً حافلاً، بمناسبة مرور عام علي إندلاع ثورة 25 يناير، التي كان مفروضاً لها أن تؤرّخ لعهد جديد، وأن تنقل المصريين إلى آفاق المسنقبل المشرق ـ غير أنها، وبعد عام من قيامها، لاتزال ترواح مكانها، ولم تحقق أهدافها التي قامت من أجلها.

في هذا السياق، أحيا المصريون في العاصمة البافارية ميونيخ ذكرى الثورة، وسجلوا في ندوة ثقافية وسياسية حافلة إنطباعاتهم تجاه ثورة بلدهم، وأكدوا مدى إرتباطهم الوثيق ببلدهم، وتباروا في تقديم الأفكار البناءة من أجل مساعدة الثورة في تحقيق أهدافها المجيدة.

إستهل المهرجان إفتتاحه بحكاية الثورة، وذلك من خلال معرض كبير نظمه أبناء الجالية، رويت فيه حكاية الثورة عبر تسلسل أيامها منذ اليوم الأول وحتي اليوم الأخير، عن طريق عرض الصور والكاريكاتير وصفحات الصحف الأولى العربية والألمانية، التي واكبت أيام الثورة، وفيه تعرف الحاضرين إلى مجموعة كبيرة ومنتقاة من أهم المقالات العربية والألمانية، التي وصفت الثورة المصرية والمصريين في ذلك الوقت، حيث أكدت على أنهم يتمتعون بمخزون حضاري كبير، ساهم إلى حد كبير في سلمية الثورة، وأبرز وجهها الحضاري للعالم كله.

من أبرز ما لفت النظر هو أن بعض الصحف الألمانية عنونت صفحاتها الأولى في ذلك الوقت بعناوين باللغة العربية مثل quot;الحريةquot; أوquot;الثورةquot; وكانت تهدف بذلك إلى المشاركة الوجدانية مع الثورة المصرية. ومن أهم ما تم عرضه أيضاً هو ذلك الكمّ الكبير من الكاريكاتير الضاحك الذي عكس خفة دم المصريين أثناء الثورة، وأثار إعجاب العالم كله.

أما في الندوة، التي أعقبت المعرض، فقد تحدث الدكتور أحمد خليفة المقيم في ألمانيا، في محاضرة له عن واقع الثورة المصرية الآن، ولماذا تأخرت نتائجها؟، ومستقبل مصر بعد الثورة، وفي السياق نفسه حذر من إنفراط عقد الثورة نتيجة الأخطاء التي ترتكب، والعودة إلى نقطة الصفر.

وقال إن أكثر شيء يدلل على ذلك هو عودة حسني مبارك ليوقع الأوراق التي تخرج من تحت يده بإمضاء حسني مبارك رئيس الجمهورية، وكان هذا وفقاً لنصيحة محاميه الذي نصحه بذلك.

من جهة أخرى، تحدث عن سيطرة الجيش على مقاليد الدولة وقوته في ذلك الأمر، وقال إن قوة الجيش لا تكمن فقط في تسلحه، إنما أيضاً في سيطرته على القطاع الإقتصادي في البلاد، فالجيش يسيطر علي 40% من إقتصاد البلاد، كما إن 60 % من الإدارة تقع في أيدي لواءات الجيش.

في المحاضرة التالية، تحدث مجدي الجوهري الناشط الحقوقي والسياسي المصري المعروف في أوساط المصريين في ألمانيا بمواقفه الداعمة لدمقراطية الحياة السياسية في مصر، وقال إن مصر بعد الثورة تغيرت، ولن تعود مرة أخرى إلى أسوأ عصر مرت به، وهو عصر حسني مبارك، حيث انتهكت فيه الثروة المصرية وروح المصريين وإبداعاتهم، وتخلف التعليم، وتم القضاء على الصناعة، وجرى تقسيم أرض مصر على المحاسيب وأفراد الأسرة الحاكمة.

وحول الشكوك في ضياع الثورة المصرية وسرقتها من قبل البعض، قال إن مصر فيها الآن شرعية جديدة، تتمثل في ميدان التحرير، الذي قضى علي الإحتكار السياسي، الذي لن يعود إلى مصر مرة أخرى ـ فالإحتكار السياسي إنتهى بقيام الثورة.

من جهة أخرى، تحدث الجوهري عن التاريخ المصري منذ عهد الفراعنة مروراً بالحملة الفرنسية وحتى ثورة 25 يناير. لكنه عاد ليفند تأخر إنجازات الثورة المصرية نتيجة لإفنقار الثورة إلى قيادة شابة، وقال إن مثل تلك القيادة كان يمكن لها أن تحافظ على الخط الشبابي للثورة.
ويضيف في ذلك الخصوص أنه قد تعرف إلى العديد من شباب التحرير، الذي يرى فيه أكبر آمال الأمّة في تحقيق نهضتها، وفي السياق نفسه أشاد بالشباب المصري في المانيا، وقال إن مصر فيها طاقة كبيرة وضخمة من الشباب، الذي ينتظر الفرصة والمناخ الملائم لينطلق بالبلاد نحو آفاق التقدم، من جهة أخرى، شكك في مقدرة حكم العسكر، لافتًا إلى أن مصر بالفعل تفتقد القيادة السياسية الحكيمة، التي حلّ محلها حكم العسكر الآن، لكنه أعرب عن شديد تفاؤله في أن مصر ستنطلق نحو المسنقبل، ولن تعود أبداً إلى الوراء.

بدوره، تحدث كذلك الدكتور هاني الكاتب أستاذ الغابات في جامعة ميونيخ، فقال إن مصر دولة غنية بطبيعتها، ففيها أخطر 3 عوامل طبيعية، يمكنها في أعوام قليلة أن تغير مصير مصر، وتضعها في مرتبة متقدمة، وقال إن هذه العوامل الثلاثة هي الشمس والأراضي الصحراوية ومياه البحار.

وأضاف كيف لدولة لديها شواطئ تمتد لأكثر من 2400 كم، لا تقوم بعمل مشاريع تحلية المياه من أجل استغلالها في زراعة أراضي الصحراء، وفي سياق متصل أكد حقيقة أن العلماء يعرفون أن المشكلة تكمن في أن تقنية تحلية متر الماء المكعب الواحد تحتاج 5 يورو، وهي قيمة مرتفعة، لكن عمل الشركات المصرية واستغلال طاقة الشمس والإعتماد على الخبرات المصرية في هذا المجال من شأنه أن يخفض نفقات التكلفة.

ونبه في حديثه إلى أن رفع يد الفساد عن الدولة في الفترة القليلة الماضية دفع بتحسن ملموس في إقتصاد البلاد، فالقمح زاد بنسبة 30%، وكذلك الأرز والقطن، أي إن المحاصيل الزراعية قد زادت بنسبة تتراوح من 30 إلى 35 % بصفة عامة.

كذلك أكد الدكتور مختار أبو الإسعاد المهاجر المصري، الذي يعمل في مجال المشاريع الهندسية وهندسة الكومبيوتر، أن مشكلة مصر هي مشكلة إدارية في المقام الأول، ففشل الإدارة هو السبب في جملة مشاكلها الإقتصادية، وفشل الإدارة من وجهة نظره يتمثل في حكم العسكر منذ عام 1952.

ويتساءل لماذا لا تستحدث ثلاثة فروع تربط الجهة الشرقية بالجهة الغربية تحت قناة السويس، إن سيناء يكمن فيها مستقبل مصر، الذي يمكن أن يحلّ مشكلة الإسكان في الوادي الضيق، وأكد على أهمية إقامة منطقة حرة في منطقة القناة لإنعاش إقتصاد البلاد، وكذلك طرح فكرة تسيير السفن في إتجاهين متقابلين في قناة السويس، وهي كلها أفكار تصب في مصلحة وضع مصر الإقتصادي.