الثورة السورية تقترب من عامها الأول |
على الرغم من اقتراب الثورة السورية من عامها الأول، إلا أن التساؤلاتما زالت تحيط بالوضع هناك مع إخفاق المساعي الدبلوماسية في وقف مسلسل العنف. وينظر كثيرون إلى الصراع على أنه ثورة أخرى لا يمكن تجنبها، وسوف تؤدي إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
القاهرة: رغم مرور ما يزيد عن عام على موجة الربيع العربي، التي شهدت عدة ثورات تسببت بالإطاحة بأربعة أنظمة بدأت في تونس ثم مصر وليبيا وأخيراً اليمن، ونجاح بعض الحكومات في نزع فتيل ثورات مماثلة كما حدث في البحرين، ولجوء بعضها الآخر إلى إصلاحات متواضعة كما كان الحال في المغرب، إلا أن الأوضاع في سوريا لا تزال محل كثير من التساؤلات بعد اقتراب الانتفاضة هناك من عامها الأول.
ومع تزايد أعداد القتلى وإخفاق المساعي الدبلوماسية في وقف مسلسل العنف، بدا من الواضح أن هذا الصراع فريد من نوعه في عدة نواحٍ، وصعب التنبؤ بنهايته، وأكثر خطورة بكثير على العالم. فعلى عكس ليبيا، تحظى سوريا بأهمية استراتيجية، في ظل وقوفها وسط خصومات عرقية ودينية وإقليمية، تمنحها القدرة لتصبح دوامة تجذب القوى، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، في المنطقة وخارجها كذلك.
وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية عن أوليفر روي، وهو مؤرخ فرنسي متخصص في شؤون الشرق الأوسط، قوله:quot; تكاد تكون سوريا هي الدولة الوحيدة التي يمكن أن يغيّر بها الربيع العربي المفهوم الجغرافي والاستراتيجي للمنطقةquot;.
ووصف سوريا بالنموذج المضاد لمصر وتونس، حيث بدا أن القادة الجدد هناك حريصون على الإبقاء على التحالفات والمواقف الجيوسياسية نفسها. وأضاف:quot; أما في سوريا، فإنه إذا تمت الإطاحة بالنظام، فإننا سنكون أمام مشهد جديد علينا كلياquot;.
وينظر كثيرون إلى الصراع على أنه ثورة أخرى لا يمكن تجنبها، وسوف تؤدي في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد. لكن طوال الأشهر التي بدأ يعرب فيها السوريون عن امتعاضهم من نظام الأسد الذي أطلق بدوره قوات جيشه عليهم، تحولت البلاد بالفعل إلى ساحة للحرب بالوكالة للقوى الكبرى في المنطقة وخارجها.
ولفتت الصحيفة إلى أن سوريا ظلت على مدار عقود محور النظام الأمني القديم في الشرق الأوسط، بسماحها للروس والإيرانيين أن يبسطوا نفوذهم حتى في الوقت الذي كانت توفر فيه حكومات عائلة الأسد المتعاقبة القدرة على التنبؤ لواشنطن والحدود المستقرة لإسرائيل، رغم دعمها حزب الله في لبنان وحماس في الأراضي الفلسطينية.
بيد أن الحرب الأهلية المشتعلة في سوريا قد قلبت هذا النموذج، حيث وضعت الروس والأميركيين وحلفاءهم على طرفي نقيض. وقد تسبب هذا الصراع بتصعيد التوترات الطائفية بين الشيعة والسنة وبين إيران والسعودية ودول منطقة الخليج. كما أنه أنعش الآمال لدى إسرائيل بأن ينهار أحد أعدائها، وإن كانت تترقب ما قد يحدث مستقبلاً، خاصة وأنها تشعر بقلق عميق إزاء من يمكن أن يسيطر على ترسانة أسلحتها.
وقالت آن ماري سلوتر، الأستاذة في جامعة برينستون والتي كانت تعمل حتى وقت قريب كمدير لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية:quot; ما يزيد من تعقيد الأوضاع في سوريا عما كانت عليه في ليبيا هو بروز القضايا الإستراتيجية هناك ببروز القضايا الأخلاقية نفسها . لا يمكن لسوريا أن تكون محددة أكثر من الناحية الإستراتيجية، واحتمالية السماح باندلاع حرب أهلية شاملة تعتبر احتمالية خطيرة للغايةquot;.
وتابعت النيويورك تايمز بلفتها الانتباه إلى أن واشنطن على دراية تامة بالقوى الكبرى التي تحظى بنشاط في المنطقة وعلى دراية بأخطار القيام بتدخل عسكري آخر في بلد عربي. فيما تعتبر روسيا سقوط الأسد، الذي يعد من حلفائها وأحد عملائها في مجال السلاح، أنه سيزيد من تقليص نفوذها في المنطقة. بينما تتعامل الولايات المتحدة مع الصراع على أنه حزمة من المخاطر والتناقضات التي جعلت موقف واشنطن ndash; المُحبِط لمؤيدي التدخل بشكل أقوى ndash; أكثر حذراً عما كان عليه في ليبيا.
وسبق لوزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، أن قالت إن أي مقارنة بين ما يحدث في سوريا وما سبق أن حدث في ليبيا يعتبر quot;قياساً كاذباًquot;. وعاودت الصحيفة لتقول إن واشنطن وأوروبا والسعودية والخليجترى أن تأثير ما يجري من أحداث على إيران يحظى بالأهمية نفسها المتعلقة باحتمالات سقوط الرئيس بشار الأسد.
وقال مسؤولون استخباراتيون من دولتين غربيتين إن سقوط الأسد سيكون بمثابة الهزيمة الكبرى بالنسبة إلى ايران، ولهذا فإنها تمد حكومته الآن بالمال والسلاح والنصيحة.
وتحدث مسؤولون أميركيون في غضون ذلك عن الطبيعة الغامضة وعدم تماسك المعارضة المسلحة لنظام الأسد، ونوهوا بأن جيش سوريا الحر، المكون من ميليشيات ومنشقين وضباط جيش منفيين، لا يسيطر على مناطق كبيرة داخل سوريا حيث يمكن أن يتم تزويدهم بالسلاح. وأشارت الصحيفة في السياق نفسه إلى أن الإدارة الأميركية غير عازمة حتى الآن على تسليح جماعات المعارضة السورية.
وأعقبت الصحيفة بقولها إن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن المتطرفين السنة بدأوا يحولون اهتمامهم إلى سوريا، حيث تنتقل الأسلحة والمقاتلون عبر الحدود من العراق، في الوقت الذي يدعو فيه قادة تنظيم القاعدة إلى الجهاد في سوريا.
وقال فولكر بيرثيز، خبير ألماني متخصص في شؤون المنطقة ويدير المعهد الألماني للشؤون الأمنية والدولية، إن الأمر المهم الآن هو ذلك المتعلق بكيفية تسريع ما ينظر إليه كثيرون باعتباره الانهيار الحتمي لحكومة الأسد دون الاندفاع إلى حرب أهلية.
وختمت الصحيفة بقولها إنه ومع انزلاق سوريا إلى حالة من الاضطراب، ما زال البديل الذي يمكن أن يحل محل الرئيس الأسد غير مستعد. فالمجلس الوطني السوري ما زال يحاول توسيع كيانه، وإرساء مصداقيته في البلاد، وتحسين روابطه بجيش سوريا الحر. وأضاف مسؤول بارز في الإدارة الأميركية :quot; يبدو أن آمال الانتقال السلمي للسلطة تتضاءل. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ذلك المتعلق بما يمكن أن يحدث بعد سقوطه. فهل يمكن أن يرحل بسرعة قبل أن تتفاقم حدة المظالم؟quot;.
التعليقات