لا تزال التفاصيل المتعلقة بالمصير الذي آل إليه جثمان زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن محل تساؤلات، خاصة في ظل حالة الغموض التي شهدتها عملية دفنه، من جانب القوات الأميركية، بعد أن نجحت في تصفيته منتصف العام الماضي.

صورة للمجمع السكني الذي لقي فيه بن لادن حتفه

إسلام آباد: في محاولة من جانبه للوقوف على حقيقة الأمر وكشف مزيد من الحقائق بخصوص الساعات الأخيرة في حياة أسامة بن لادن الذي كان سبباً في إرهاق أميركا على مدار سنوات، بدأ العميد السابق في الجيش الباكستاني، شوكت قادر، بزيارة الحجرة التي قتل فيها بن لادن، بعدما قام بالخطوات نفسها التي فعلها أفراد الكوماندوز الذين اقتحموا المخبأ الذي كان يتواجد فيه الرجل في الثاني من أيار/ مايو الماضي.

ولفتت في هذا الصدد صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إلى أن قادر وأثناء صعوده إلى الطابق الثاني، مرّ بالمكان الذي قتل فيه نجل بن لادن الذي يدعى خالد ويبلغ من العمر 22 عاماً، ثم دخل غرفة صغيرة سقفها منخفض، ووجد داخلها خزانة ملابس خالية ومجموعة من الثقوب في أحد الحوائط نتيجة ضرب وابل من الطلقات النارية.

بالإضافة إلى بقع من الدم لونها باهت على السقف، حيث اتضح، وفقاً لرواية مرافقه الذي يعمل في المخابرات الباكستانية، أنها تخص بن لادن.

وفي مقابلة أجريت معه في هذا الخصوص، قال قادر :quot; باعتباري جنديا سابقا، فقد صعقت بالطريقة السيئة التي تم الدفاع من خلالها عن المنزل.

فلم يتم اتخاذ تدابير أمنية مناسبة، ولم يتم اتخاذ تدابير ذات طبيعة تقنية عالية، ولم يتم اتخاذ تدابير يمكنك أن تتوقعها في حقيقة الأمرquot;.

وأعقبت الصحيفة بقولها إن هذا التحقيق الذي أجراه قادر في هذا الصدد بدأ كمحاولة شخصية من جانبه للوقوف على حقيقة التقارير المتضاربة بخصوص السنوات الأخيرة لبن لادن في باكستان. لكن جهوده في هذا الصدد تعرضت بالفعل إلى سيل من الانتقادات، بسبب ارتكازه بشكل كبير على مصادر استخباراتية وعسكرية باكستانية، وهو ما جعل عمله عرضة للتلاعب الرسمي، على حد قول الصحيفة الأميركية.

وتابعت النيويورك بقولها إن التقرير المطول الذي أعده قادر، وما زال لم ينشر بصورة رسمية بعد، جاء ليقدم احتمالات محيرة بشأن ظروف بن لادن والشكوك التي قادت العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة إلى حافة الهاوية.

فعلى سبيل المثال، زعم قادر أن زوجة بن لادن الخامسة، وهي أصغرهن، قد أخبرت المحققين الباكستانيين أن زوجها خضع لعملية زرع كلي في العام 2002 ndash; وهو الادعاء، الذي إن ثبتت صحته، قد يساعد على شرح الطريقة التي تمكن بها الرجل من البقاء على قيد الحياة بمرض معروف في الكلي، وإن أثار تساؤلات بشأن الأشخاص الذين كانوا يساعدونه.

كما سمع قادر عن وجود حالة خطيرة من عدم الثقة بين زوجات بن لادن.

ولفت كذلك إلى أن زوجة بن لادن الصغرى أخبرت المحققين أيضاً بأن زوجها قام بحلاقة لحيته وكان يتنكر باعتباره أحد أفراد قبائل بشتون كبار السن خلال تنقله بين البيوت الآمنة في جميع أنحاء شمال غرب باكستان، ثم قرر في الأخير إعادة إطلاق لحيته، بعد أن استقر في نهاية المطاف داخل منزل آمن في بلدة أبوت آباد في العام 2005.

وأكدت الصحيفة أن المجهود الذي بذله قادر على هذا الصعيد يعتبر مجهوداً مثيراً للاهتمام، لاشتماله على تفاصيل متعددة تم التحصل عليها من جواسيس وجنود وصحافيين، خمن جميعهم المكان التي كان يتواجد فيه بن لادن وكذلك حالته الصحية.

ورغم وفاة بن لادن، إلا أن هناك العديد من التساؤلات التي لا تزال عالقة إلى الآن مثل: من ساعده لكي يتمكن من مواصلة الهرب ؟ كيف تمكنت المخابرات الأميركية من تعقبه ؟ وربما السؤال الأكثر أهمية : هل كان يعلم قادة الجيش الباكستاني أنه يعيش على مقربة من أكاديميتهم العسكرية الرائدة ؟

وقالت الحكومة الباكستانية من جانبها إن الأجوبة سيتم الخلوص إليها من خلال لجنة تحقيق رسمية، يترأسها قاضي المحكمة العليا، التي تزاول مهام عملها من أيار/ مايو الماضي.

وقد تم تأجيل إعلان نتائج عمل اللجنة، التي كان يفترض أن تخرج إلى النور في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عدة مرات، وهو ما جعل منتقدي الحكومة يشعرون أن ثمة ضغوطا سياسية قد تمت ممارستها من أجل التخفيف من حدة النتائج.

وبغض النظر عن أي شيء، فإن النيويورك تايمز قد أشارت إلى أن قادر عازم على الوصول إلى الحقيقة كما يراها هو من منظوره الشخصي، خاصة وأنه ارتكز على عمليات ذات طبيعة تجسسية استمرت على مدار ثمانية أشهر وكلفته 10 آلاف دولار.

ولفتت الصحيفة أيضاً إلى أن خلفيته العسكرية ساعدته بشكل كبير على ما يقوم به.

وقد اتفق أحد مسؤولي إدارة أوباما السابقين، بعد اطلاعه على تقرير قادر، على بعض ما ورد به من نتائج، مثل الادعاء الذي تحدث عن وقوع خلافات حادة بين بن لادن ونائبه، أيمن الظواهري، وأنها كانت سبباً في الدفع ببن لادن إلى الهامش.

وأضاف هذا المسؤول بعد رفضه الكشف عن هويته :quot; لقد نما هذا الخلاف مع مرور الوقت، وظل مصدراً للتوتر حتى وفاة بن لادن. ويمكن القول إن دوره قد تضاءلquot;.

فيما قال بيتر بيرغين، المحلل المتخصص في شؤون الإرهاب ومؤلف كتاب بصدد النشر عن السنوات الأخيرة في حياة بن لادن :quot; لقد امتلأ تقرير قادر بمؤامرات غريبة. وما تضمنه التقرير مؤشر على اتساق نطاق ثقافة نظريات المؤامرة في باكستانquot;.

وختمت الصحيفة بقولها إنه وفي ظل استمرار تصاعد المخاطر العسكرية والسياسية في البلاد، بدأ يعتقد كثير من الباكستانيين أن الحقيقة ستظل مراوغة على غرار الأسلوب المراوغ الذي كان يعمل من خلاله بن لادن وهو على قيد الحياة.