بعد عام على الانتفاضة السورية، وصف مسؤولون كبار في الاستخبارات الاميركية وضع الرئيس بشار الأسد بأنه يسيطر على الموقف سيطرة حازمة، ومستعد لإطلاق جيشه، الذي يعتبر من أكبر جيوش المنطقة، ضد المعارضة التي لا تضاهيه عدّة وأعدادًا.
أميركا تقدر أن الأسد يسيطر على الأوضاع في سوريا |
إعداد عبد الإله مجيد: قال المسؤولون الاستخباراتيون الأميركيون إن حلقة الأسد الداخلية quot;ما زالت متماسكةquot; من دون مؤشر يُعتد به إلى ميل أقطاب كبار للانشقاق عنه، رغم جهود الولايات المتحدة وحلفائها لاستخدام العقوبات وغيرها من الإجراءات الأخرى، بهدف إحداث موجة انشقاقات تقوّض وضع الأسد.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤول كبير في الاستخبارات الأميركية، مهمته مراقبة الوضع في سوريا، أن الأسد يمسك زمام السيطرة بقبضة ثابتة، مضيفًا أن الرئيس السوري وأركان حلقته الداخلية يبدون على اقتناع بأن الانتفاضة مدفوعة بأعداء خارجيين، وأنهم قادرون على الصمود بوجه كل شيء غير التدخل العسكري الخارجي. وتابع المسؤول الأميركي quot;إن القيادة السورية ستقاتل بشدةquot;، وإن quot;الاحتمالات ليست لمصلحتهمquot; على المدى البعيد quot;لكنهم سيقاتلون بشراسةquot;.
وتعتبر تعليقات المسؤولين الاستخباراتيين، الذين تحدثوا لصحيفة واشنطن بوست من دون أن يذكروا أسماءهم، أوسع تقويم حتى الآن يجريه محللون أميركيون لوضع الانتفاضة التي اندلعت في آذار/مارس الماضي.
وقال المسؤولون إن تكتيكات النظام السوري اتخذت منحى أشد تدميرًا، وإن صور الأقمار التجسسية، التي نُشرت يوم الجمعة بعد رفع السرية عنها حديثًا، تبين ما وصفها المسؤولون بأنها أضرار quot;عشوائيةquot;، أُلحقت بمدارس ومساجد ومبان أخرى في مدينة حمص المحاصرة.
وإجمالاً خلص المسؤولون الاستخباراتيون الأميركيون إلى أن لدى النظام السوري جيشًا قويًا، قوامه 330 ألف جندي وطائرات استطلاع بلا طيار من إيران وشبكة واسعة من الدفاعات الجوية، تجعل من الصعب على الولايات المتحدة أو غيرها من القوى الأخرى أن تقيم منطقة حظر جوي.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن أحد هؤلاء المسؤولين أن الجيش السوري quot;بُني لحرب برية مع إسرائيلquot;، وبعد تردد النظام في استهداف المراكز السكانية المدنية في بداية النزاع، فإنه تخلى عن هذا الوازع الآن. وأفادت تقارير يوم الجمعة أن قوات الجيش السوري واصلت قصف معقل المعارضة في حمص، التي تدّكها مدافع النظام منذ شهر.
وتظاهر آلاف في مناطق مختلفة من سوريا عشية زيارة المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان يوم السبت واجتماعه بالأسد للدعوة إلى حل الأزمة بالطرق السياسية.
في واشنطن استعرض المسؤولون الاستخباراتيون العوامل التي تحمي النظام من الانهيار، بما في ذلك مستوى اندفاع الحلقة الداخلية المقتنعة بأن تسليم السلطة يعني الموت أو السجن مدى الحياة.
كما رصدت الاستخبارات الأميركية تصعيدًا في دعم إيران لدمشق بالمعدات الفتاكة. وقال مسؤولون إن إيران كانت في السابق تمد النظام السوري بالمعدات والتدريب أساسًا لقمع قوى المعارضة، ولكنها بدأت في الآونة الأخيرة ترسل أسلحة خفيفة وأجهزة متطورة لمراقبة مجموعات الثوار واختراقها.
كما نقل النظام الإيراني معدات وخبرات اكتسبها من إخماد الانتفاضة، التي اندلعت ضده عام 2009. ولدى سوريا أسطول صغير من الطائرات من دون طيار غير المسلحة، حصلت عليها من إيران قبل الانتفاضة، بحسب المسؤولين الأميركيين.
وصوّر المسؤولون الاستخباراتيون الأميركيون المعارضة السياسية ضد الأسد بأنها معارضة quot;ليست منظَّمة ومثقلة بغياب القيادة المتمرسةquot;، واصفين الجهود الرامية إلى توحيد فصائلها وكسب مؤيدين لها من بين الأقليات بأنها quot;نالت نصيبًا محدودًا من النجاحquot;.
وأشار مراقبون إلى أن المجلس الوطني السوري يسيطر عليه سنّة من معارضة الخارج، لكنه يحاول استقطاب مسيحيين ودروز وكرد بعيدًا عن الأسد. ودأب النظام، الذي تنتمي غالبية أركانه إلى الطائفة العلوية، على إذكاء المخاوف من تعرّض الأقليات إلى الاضطهاد أو حتى مما هو أسوأ إن جاءت معارضة كهذه إلى السلطة.
كما ردد المسؤولون الاستخباراتيون، الذين تحدثوا لصحيفة واشنطن بوست، مخاوف قادة عسكريين أميركيين تحدثوا في الكونغرس قبل أيام من تقديم السلاح إلى عناصر المعارضة، التي يقتصر تسليح مقاتليها على الأسلحة الخفيفة وقاذفات الصواريخ quot;آر بي جيquot; دون قوة نارية يمكن مقارنتها بما تملكه قوات الأسد.
ويُقدر أن ما بين 10 آلاف و20 ألف جندي انشقوا عن الجيش النظامي، وانضموا إلى الجيش السوري الحر، الذي تفيد تقارير استخباراتية أميركية بأنه ذو تنظيم فضفاض دون قيادة وسيطرة فاعلة، ولا تربطه أواصر متينة بالمعارضة السياسية. وستكون حماية هذه المجموعات مهمة شاقة.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين إن دفاعات سوريا الجوية تضم مئات المنصات لإطلاق صواريخ أرض ـ جو، وآلاف المدافع المضادة للطائرات. ولفت هذا المسؤول إلى أن مساحة سوريا تبلغ نحو عشر مساحة ليبيا، ولكن حجم جيشها يبلغ أربعة أضعاف جيش القذافي، ودفاعاتها الجوية خمسة أضعاف دفاعاته.
وبحسب هؤلاء المسؤولين، فإن أشد الهجمات دموية ضد النظام تبدو من تنفيذ عناصر في تنظيم القاعدة، يعملون على اختراق صفوف المجموعات المعارضة، التي لا تريد أن تكون لها علاقة بالتنظيم الإرهابي.
وقال المسؤولون الأميركيون إن تنظيم القاعدة في العراق قلب حركة المقاتلين والسلاح ليكون اتجاهها صوب سوريا، بعدما كانت مهمته محاربة القوات الأميركية في العراق وحكومة بغداد.
وقال أحد المسؤولين إن شبكة القاعدة موجودة داخل الأراضي السورية، معترفًا بأن حجم هذا الوجود في سوريا ليس معروفًا بدقة. وأوضح المسؤولون الآخرون أن تكهناتهم بأن تنظيم القاعدة في العراق كان وراء تفجيرات دمشق وحلب في كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير يستند إلى طبيعة هذه الهجمات، وليس إلى أدلة من مصادر مستقلة على ضلوع القاعدة.
وكان أكبر الأضرار، التي أُلحقت حتى الآن بالنظام السوري، هو الضرر الاقتصادي، بحسب المسؤولين الاستخباراتيين الأميركيين، مشيرين إلى ارتفاع نسبة البطالة وأسعار المحروقات وعجز الميزانية في دمشق، نتيجة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والجامعة العربية والحظر الأوروبي على استيراد النفط السوري.
ورأى المسؤولون الاستخباراتيون الأميركيون أن الضائقة الاقتصادية قد تكون على المدى البعيد السلاح الأمضى لخلع الأسد. ولكن أحد هؤلاء المسؤولين استدرك قائلاً quot;حتى الآن لم نر تأثير ذلك على قدرة النظام على إدارة الحربquot;.
التعليقات