بطش بشار الأسد دفع بالأكراد إلى الفرار من سوريا

توجه عدد من الأكراد المقيمين في سوريا خلال الأسابيع الماضية إلى كردستان العراق، هربا من أعمال العنف التي تهددهم، وهم الذين فشلوا في التعبير عن شكواهم من القمع والتمييز، وفي توحيد صفوفهم والانضمام إلى المعارضة التي تهيمن عليها الطائفة السنية.


القاهرة: كما حدث قبل عدة سنوات، ها هو التاريخ يعيد نفسه مع إقدام العشرات من الأكراد المقيمين في سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية على التوجه إلى كردستان العراق، هرباً من قوات الأمن وأعمال العنف التي تهدد بوضع الأكراد في مهب الرياح بعدما كانوا على هامش الانتفاضة التي تشهدها سوريا منذ ما يقرب من عام الآن.

ورغم أن أعداد هؤلاء النازحين الأكراد لا تزال صغيرة حتى اللحظة، إلا أن الوافدين الجدد يعبرون عن تغير محتمل في التفكير بين أكبر أقلية عرقية في سوريا، والتي بمقدورها أن تحول الزخم ضد الرئيس بشار الأسد في الوقت الذي تحظى فيه قواته العسكرية باليد الطولى في ظل الأحداث المتصاعدة التي تشهدها البلاد.

وقد فشل الأكراد، الذين لطالما عبروا عن شكواهم من القمع والتمييز على يد نظام الأسد، في توحيد صفوفهم والانضمام إلى المعارضة التي تهيمن عليها الطائفة السنية، في الوقت الذي بدأ يعرب فيه البعض عن تخوفه من أن الحكومة التي سيتم تكوينها في مرحلة ما بعد الأسد والتي سيتزعمها قادة الانتفاضة قد لا تكون أفضل حالاً من حكومة الأسد، أو ربما تكون أسوأ، وفقاً لما ذكرته صحيفة النيويورك تايمز الأميركية.

وكأن يأمل الآلاف من الأكراد ndash; الذين يشكلون ما يقرب من 10 % من إجمالي سكان سوريا، والذين يقدر عددهم بـ 23 مليون نسمة ndash; الاحتجاج على ما تعرضوا له من تمييز على مدار عقود. حيث مُنِعوا من تحدث الكردية في المدارس وحُرمِوا من الحصول على صوت سياسي وكانوا عرضة للتخويف والاعتقالات إذا جرؤوا وتحدثوا عن حقوقهم. وبعد أن تم تدعيمهم من جانب ناشطين شبان، نجح الأكراد في سوريا في تشكيل جماعات معارضة خاصة بهم ودخلوا في مواجهات مع قوات الأمن في الشوارع.

لكن، وعلى الرغم من ذلك، استمر الانقسام بين صفوف الناشطين الأكراد، ولم يتحدوا بكامل طاقتهم في الحملة التي خاضوها للإطاحة بالأسد. وعلى غرار مسيحيي سوريا، تنتاب كثيرين شكوك عميقة ومخاوف من أن تهمشهم الحكومة السنية المحتمل تشكيلها مستقبلاً على نحو أكبر مما هو حاصل الآن. وتابعت الصحيفة حديثها في هذا السياق بنقلها عن محمود عثمان، برلماني عراقي كردي، قوله:quot;للأكراد في سوريا مشكلاتهم الخاصة، وهم ضد نظام الأسد، وهم على هذا الحال منذ سنوات ولا يمتلكون أية حقوق، لكنهم غير متأكدين من هوية المسؤولين الذين سيأتون بعد ذلكquot;.

ثم مضت الصحيفة الأميركية تنوه في هذا السياق بأن الأسد تمكن بصورة جزئية من الاحتفاظ بالدعم خلال تلك الانتفاضة التي تشهدها البلاد عبر مداعبته جماعات الأقلية السورية التي تبحث عن الدولة البوليسية من أجل توفير الحماية لهم. لكن عبد الباسط صيدا، أحد قادة المعارضة الأكراد، أوضح أن طريقة تعامل الحكومة الوحشية مع المنشقين عملت تدريجياً على توحيد صفوف الأكراد في مواجهة الأسد، وقاموا في الوقت ذاته أيضاً بتسوية الخلافات مع قادة المعارضة العرب. ومع هذا، تعهد قادة المعارضة من الأكراد بألا يدخلوا في مواجهة مع حكومة الأسد أو ينضموا إلى الثوار، خشية أن يتعرضوا لردة فعل مميتة من جانب قوات الأمن.

وقال هنا كاوا عزيري، كردي يعيش في العراق وهو أحد أعضاء تيار المعارضة:quot;نحن ندعم الجيش السوري الحر، وعلينا أن نتعامل معهم ونحن ننسق معهم لكننا لا نحارب معهمquot;. غير أن تواجدهم، وفقاً للصحيفة، قد سلط الضوء أيضاً على تشعب محتمل آخر للانتفاضة وأعمال العنف في سوريا، لأن اللاجئين وبمجرد وصولهم إلى شمال العراق، اكتشفوا أنهم لم يكونوا الأوائل. فمن الجدير ذكره أن أعمال شغب شهدتها مباراة في كرة القدم عام 2004 في مدينة قامشلي التي تقطنها أغلبية كردية ( بشمال شرق سوريا ) قد أسفرت عن وقوع صدامات مع ضباط الأمن مع استمرار التظاهرات على مدار أيام، في الوقت الذي واصل فيه الأكراد التعبير عن غضبهم جراء تلك الأحداث العنيفة. وقد لاذ الآلاف منهم بالفرار في أعقاب الحملة القمعية التي تعرضوا لها آنذاك، وانتهى بهم الأمر هنا، في معسكر للاجئين أطلقوا عليه اسم quot;قامشليquot;، بغية إحياء ذكرى أعمال العنف التي تعرضوا لها.

ثم أعقبت الصحيفة بقولها إنه وبعد مرور ما يقرب من ثماني سنوات الآن، فإن منفاهم الدائم على ما يبدو قد يقدم لمحة بخصوص المستقبل الذي ينتظر آلاف السوريين الذين عبروا إلى لبنان وتركيا والأردن، ما ينذر بأن حالة الطوارئ القائمة بطول الحدود السورية قد تستمر على مدار أشهر، إن لم تكن على مدار سنوات.

وقال في هذا الصدد برزان بهرام، قائد في معسكر قامشلي: quot;حين أتيت إلى كردستان للمرة الأولى، اعتقدت أني سأبقى هناك لأسابيع قليلة. ولم أتوقع أن أعيش في المنفىquot;.

وختمت الصحيفة بتأكيدها أن التدفق الأخير للاجئين الأكراد جاء ليشكل أول حركة حقيقية للسوريين إلى داخل العراق منذ بدء الانتفاضة ضد حكومة الأسد قبل ما يقرب من عام. ولفتت إلى أن المسؤولين الأكراد سمحوا لأكراد سوريا بالبقاء، ورحّبوا بهم على أسس إنسانية حتى في الوقت الذي رفض فيه المسؤولون أخذ موقف في حرب أهلية عاشتها سوريا وتحولت إلى صراع سلطة عالمي. وقال محمد جافو، 26 عاماً، وهو طالب كردي كان يدرس في جامعة دمشق إنه هرب من سوريا قبل أسبوعين بدلاً من أن يتم تجنيده في الجيش:quot;ليس هناك من فرصة للعودة الآن. فقد تجاوزنا الخط المسموح به. وأنا بحاجة الآن إلى الالتحاق بوظيفة، وإيجاد منزل، لكنني لا أعرف أحدا، وتلك هي المشكلة التي تواجهنيquot;.