أكراد سوريا يخشون التهميش

تبرز الأقلية الكردية التي عانت القمع في سوريا، اليوم باعتبارها بطاقة القوة الرئيسة التي يمكن أن تعزز زخم حركة المعارضة المبعثرة والمحاصرة، والتي من المتوقع أن تصبح أكثر عنفاً، ولا يؤيد الأكراد الثورة بحماسة خشية أن تؤدي نتائجها إلى تعميق تهميشهم.


بيروت: حتى الآن، لا يبدي الأكراد في سوريا حماساً كبيراً للثورة على نطاق واسع، وذلك لأن الأغلبية السنية في سوريا تشكل الجزء الأكبر من المعارضة. وينظر الأكراد إلى أحداث الثورة السورية بحذر، لأنهم يخشون أن تؤدي حكومة جديدة تسيطر عليها الطائفة السنية إلى تعميق تهميشهم في سوريا.
ينظّم الاكراد في شمال شرق البلاد احتجاجات سلمية يومية ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وقد ركزت الحكومة معظم جهودها لقمع التمرد في المدن السنية مثل حمص وحماة، لكنها امتنعت عن استخدام القوة ضد الأكراد.

ويشكل السنة الأغلبية في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة، والتي خضعت لعقود إلى حكم أفراد من الطائفة العلوية الشيعية. وتشير التقديرات إلى أن الأكراد يشكلون ما بين 8 و 15 في المئة.
في هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot; ان الانقسامات العرقية والدينية العميقة في سوريا تجعل الثورة أكثر تعقيداً بكثير، ويمكن أن تكون حاسمة أكثر من ثورات ليبيا ومصر وتونس.
وأضافت أن الأكراد في سوريا يبدون منقسمين حيال نوع الدور الذي يريدون رسمه لأنفسهم في حال نجحت حركة المعارضة في إسقاط حكومة الأسد. لكن الولايات المتحدة وحلفاءها من الدول الغربية تحاول على نحو متزايد ايجاد سبل لجلب الأكراد إلى جبهة المعارضة الرئيسة، وهو جهد لا يزال بعيد المنال.

ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي، قوله ان quot;الولايات المتحدة وحلفاءها الاوروبيين عملوا وراء الكواليس لتشجيع المعارضة الرئيسة لتقديم التزامات بشأن حقوق الاكراد في مرحلة ما بعد الاسدquot;.
واضاف quot;عندما يقرر الأكراد المشاركة بطريقة كبيرة، فهذا يمكن أن يكلف النظام سلطته المادية على منطقة بأكملها، ويمكن أن يكون أيضاً المفتاح الذي سيدفع حلب ودمشق إلى الانتفاض والإنضمام للثورةquot;.
وتعتبر المنطقة التي تقطنها أغلبية كردية، مهمة جداً من الناحية الاستراتيجية لأنها تشترك في الحدود مع العراق وتركيا ولديها احتياطيات نفطية كبيرة، لكنها لا تزال بمثابة لقمة سائغة.
المسؤولون في تركيا، التي تقطنها أقلية كردية مضطهدة، إضافة إلى العراق، حيث حاز الاكراد درجة كبيرة من السيادة، يراقبون الصراع في سوريا عن كثب، قلقين من تأثير الموجة العابرة للحدود.

ولطالما تاق الأكراد، وهم جماعة عرقية انتشرت في العراق وتركيا وايران وسوريا، إلى أن تكون لهم دولتهم الخاصة، وهذا الطموح كثيراً ما أدى إلى اضطهادهم.
قصة انتفاضة الأكراد السوريين، استناداً إلى مقابلات مع خبراء وقيادات كردية في سوريا والعراق، هي المفتاح لفهم سبب بطء الثورة في سوريا لجمع زخم حاسم، وتعطي لمحة عن حجم الفوضى التي ستعم البلاد في مرحلة ما بعد الاسد.
quot;لطالما حاول نظام البعث القول إن الاكراد يحاولون تقسيم سورياquot;، يقول عبد الباقي يوسف، وهو سياسي كردي سوري، في مقابلة أجريت معه في أربيل، في إشارة الى حزب البعث التابع للأسد. ويضيف: quot;لو انضممنا إلى الثورة، لكان النظام ليتهمنا بأننا بدأنا بمخطط التقسيمquot;.
عندما بات التمرد يحظى بتأييد في مدينة درعا السورية الجنوبية، بدأ الاكراد تنظيم احتجاجات واسعة في بلدة القامشلي شمال شرق سوريا وغيرها من المناطق ذات الأغلبية الكردية، حيث نزل عشرات آلاف الأكراد إلى الشوارع، وفقاً لزعماء الاكراد.

وقال يوسف ان المتظاهرين مزقوا ملصقات وصور الأسد التي كانت تنتشر في الأحياء والشوارع، وأطاحوا بتمثال والده الراحل والرئيس السابق الذي حكم سوريا لوقت طويل، حافظ الأسد.
ارتفعت الكراهية الكردية تجاه النظام في تشرين الأول، بعد اغتيال مشعل التمو، وهو ناشط كردي بارز. وما ان انتهت مراسم دفنه، تدفق عشرات الآلاف من الناس الى الشوارع في شمال شرق البلاد. هذه المسيرات تسببت بردّ فعل، يمكن اعتباره نادراً تجاه الأكراد في خضم الثورة، إذ اتهمت قوات الأمن بإطلاق النار بالذخيرة الحية على الحشود في المنطقة.

إضافة إلى الهتافات ضد الأسد، تحولت التظاهرات في المناطق الكردية إلى دعوات ومطالبات بالسيادة وحق تقرير المصير. ولوح المتظاهرون بالعلم الكردي الاحمر والابيض والاخضر، فيما راقبت قوات الأمن الناشطين عن كثب، وسعت إلى تفريق البعض بالغاز المسيل للدموع، كما أظهرت درجة ملحوظة من ضبط النفس في المدن الكردية، وهو تناقض صارخ مع القصف الذي طاول حمص في الآونة الأخيرة.

quot;النظام لا يريد أن يبدأ اشتباكات مع الاكرادquot;، يقول صالح كادو، وهو زعيم في حزب اليسار الكردي من القامشلي في مقابلة عبر الهاتف. واضاف quot;حتى الآن، إننا نؤكد أن الثورة يجب أن تكون سلمية. اعتقادنا هو أن يأتي التغيير من خلال الوسائل السلمية وليس بالعنفquot;.
على الرغم من أن القادة الأكراد يقولون إن معظم السوريين الأكراد يعارضون بشدة نظام الأسد، إلا أنهم يشعرون بانزعاج شديد من تركيا، على خلفية الدور القيادي الذي لعبته في تنظيم المعارضة.
يشار إلى أن تركيا أصبحت ملاذاً للاجئين السوريين وأعضاء من حركة المعارضة المسلحة المعروفة باسم جيش السوري الحر.

في الوقت الذي تعمل فيه القيادة التركية على مراقبة الوضع السياسي السوري عن كثب، فإنها على الأرجح تضع في اعتبارها المسألة الكردية التي تظهر عند كل منعطف. وتقلق أنقرة من أن يستخدم أعضاء حزب العمال الكردستاني، الذين يحاربون الحكومة التركية في محاولة من أجل الاستقلال منذ سنوات، المناطق السورية النائية لشن هجمات سهلة على تركيا.
وقاطعت الجماعات الكردية قمة الاحزاب المعارضة السورية التي عقدت في ايار (مايو) اعتراضاً على تنظيمها في تركيا. وحضر عدد قليل منهم مؤتمر اسطنبول في شهر آب (أغسطس) حين تم تشكيل المجلس الوطني السوري.
سعياً منه لرأب الانقسامات بين الجماعات الكردية السورية، استضاف مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان شبه المستقل في شمال العراق، مجموعة من الساسة الاكراد من الدول المجاورة في الشهر الماضي. وتعهد دعم المنطقة المزدهرة طالما يجد الأكراد السوريون طريقة للتكاتف معاً. وشدد الزعيم الكردي أيضاً على ضرورة ألا تنضم المجموعات الكردية إلى المقاومة المسلحة.
وأضاف: quot;إن حقبة الكفاح المسلح انتهتquot;.