في ظل الانقسام الدولي الحاصل بخصوص سبل إنهاء الأزمة السورية يتعمق الصراع ويحصد العنف المزيد من القتلى والجرحى كل يوم، في وقت يسعى الرئيس الأسد إلى إطالة أمد حكمه.


الدخان يتصاعد من أحد أحياء دمشق

أكد محللون ودبلوماسيون وسوريون مشاركون في الانتفاضة التي تعيشها سوريا منذ أكثر من عام الآن أن البلاد تمرّ بمأزق عنيف ومشؤوم، حيث تستمرّ آلة القتل في حصد الأرواح مع توافر النية لفعل ذلك، في الوقت الذي يمكن فيه للرئيس بشار الأسد أن يبقى في السلطة على مدار أشهر أو حتى سنوات، بالاتساق مع نجاحه في منع المعارضة من السيطرة على أي مقاطعة وعدم منحها أي فرصة لتكوين قيادة متماسكة وفعالة.

وأشار محللون سوريون وإقليميون إلى أن القوة المطلقة وحدها من غير المحتمل أن توقف أعمال التمرد التي أضحت منتشرة وغير متوقعة، والقادرة على الاندلاع حتى بعد استعانة الحكومة بالقوة الغاشمة في مواجهة مراكز المقاومة مثل حمص وإدلب ودرعا.

هذا وتوجد مقاومة شديدة في مناطق شاسعة في البلاد للقوات الحكومية، وقد نجح المهاجمون في إصابة مراكز القوى، حتى في العاصمة دمشق. لكن مع سفك مزيد من الدماء، وتوقف جهود الدبلوماسية، ورفض كلا الجانبين مواصلة المفاوضات، لم تظهر في الأفق أية بوادر للخروج من هذا المأزق.

وهو ما جعل سوريا مختلفة عن غيرها من الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي، حيث لا تزال تقف في وجه الانتفاضة الشعبية، ولا تزال بعيدة بشكل كبير عن احتمالية تعرضها لتدخل خارجي. وقد تحوّلت الحرب هناك إلى حرب استنزاف تتزايد في الخطر مع استمرارها يوما بعد الآخر.

وفي هذا الصدد، لفتت اليوم صحيفة quot;النيويورك تايمزquot; الأميركية إلى أن كثيرًا من السوريين يقولون إن الأسد لا يمكنه تحمل وقف إطلاق النار وأنه لن يتمكن مطلقاً من العودة لنظام الحكم الذي كان عليه من قبل. وإن عاد مرة أخرى للقمع، فإن المواطنين سيطالبون برحيله، وفقاً لما أكده في هذا الشأن سوريون من عدة أطياف سياسية.

وأوردت الصحيفة في الإطار ذاته عن مهندس مسيحي يعيش في مدينة دمشق القديمة، بعدما رفض الكشف عن هويته خشية أن يصاب بأذى، قوله: quot;سنرى ملايين من المتظاهرين في الشوارع وليس مئات. والنظام على دراية بأمر كهذاquot;.

وتابعت الصحيفة حديثها بالقول إن أصداء صراع طائفي طال أمده في سوريا بدأت تنتشر في جميع أنحاء المنطقة، حيث بدأت تتبدل بالفعل الحسابات الجيوسياسية. وبدأت تصل التوترات إلى الحدود مع لبنان والعراق وتركيا والأردن، وسط تصاعد في المخاوف من أن تجد الجماعات الإسلامية المتشددة سبباً جديداً لتضم من خلاله أعضاء جدداً.

وقال محللون إن أسرع طرق الخروج من تلك الأزمة تبدو أيضاً غير واردة إلى حد بعيد، في وقت يعتقد فيه الأسد أن الإستراتيجية التي يدير بها الأزمة ناجحة. ويرى الآن المسؤولون الأمنيون الذين بوسعهم ربما الإطاحة به أن مصيرهم متشابك مع مصيره.

وأضاف بيتر هارلينغ، من مجموعة الأزمات الدولية :quot; سوف نرى هذا المجتمع، الذي تم تخويفه إلى أن وصل إلى مرحلة اليأس، يلجأ إلى طرق يائسة. ونحن نتحدث هنا عن مئات الآلاف من الأشخاص الذين تم الدفع بهم إلى الحافةquot;.

وعاودت الصحيفة تشير إلى أن الاعتماد على القوة أدى إلى نتائج قصيرة المدى، وهو ما أسفر عن إنهاك القاعدة التي يرتكز عليها الأسد بينما ينفجر الوضع الاقتصادي داخلياً.

وقال الأسبوع الماضي بعض أفراد الدوائر الانتخابية التي يعول عليها الرئيس الأسد ndash; نخب رجال الأعمال المسلمين السنة والأقلية المسيحية والموظفين الحكوميين والشباب الطموح المتحضر ndash; إنهم فقدوا الثقة في الحكومة ولم يعودوا يؤمنون بالادعاءات التي تروج من خلالها لتحقيقها الانتصارات. ولفتت الصحيفة كذلك إلى إمكانية حدوث تراجع أيضاً في بعض العلاقات التجارية مثار التساؤلات مع الحكومة.

وفي ظل تدهور الأوضاع في البلاد، مضت النيويورك تايمز تنقل عن شخص يدعى يوسف ويبلغ من العمر 40 عاماً، وهو موظف حكومي، قوله: quot;أنا لست معارضاً للأسد، لكن لا يمكنني دعم حكومة الرئيس بشار الأسد، التي لا تقدم لي أي شيء. وقد فقدت أعصابي مؤخراً مع أحد الباعة بعد أن اختلفنا على سعر زيت الطهي، حيث قمت بعدها بالاتصال هاتفياً لمعرفة سعر صرف الدولار، وهو الإجراء الذي بات شائعاً هذه الأيامquot;.

وتابع يوسف حديثه بالقول: quot;تبيع لنا الحكومة دعاية سخيفة بشأن انتصاراتها في حمص وبابا عمرو وإدلب. لكننا بحاجة إلى طعام وكهرباء، وليس إلى وعود معسولةquot;. ووصف الأزمة الاقتصادية المستعصية بـ quot;نقطة التحولquot; بالنسبة إلى السكان الفقراء والمنتمين للطبقة الوسطى، الذين بدأوا في تغيير وجهات نظرهم السياسيةquot;.

ثم عادت الصحيفة لتشير إلى عدم وضوح مستوى الثقة التي يكنها الرئيس الأسد في جيش المجندين. لكن مع اشتداد أعمال التمرد، بدأ يشعر بعض ناشطي المعارضة بعدم ارتياح تجاه التكتيكات الدموية التي تنتهجها الجماعات المسلحة التي تحارب من جهتها ولا تخضع لسيطرتهم. وختمت الصحيفة بقولها إن الناشطين يعوضون ما يفتقرونه من سلاح ووحدة بالعزيمة والإصرار على الاستمرار.