محمد بن رجب من تونس: أثار قرار حركة النهضة الإحتفاظ بالفصل الأول من دستور 1959 الذي وضع حدًا للجدل القائم بين مختلف الأطياف السياسية والإجتماعية حول اعتماد الشريعة الإسلامية كمرجع أساسي في سنّ الدستور ردود أفعال العديد من الأحزاب السياسية التي باركت هذا القرار، ورأت فيه خطوة جدية من الحركة من أجل الإبتعاد عن الإختلافات والتجاذبات التي حصلت بين فئات من المجتمع التونسي في الفترة الأخيرة، بينما رأى بعض الأحزاب الأخرى أن القرار جاء متأخرًا.
بيان حركة النهضة أكد التزامها بما جاء في برنامجها الإنتخابي، وخاصة من quot;أن تونس دولة حرة مستقلة، الإسلام دينها، والعربية لغتها والجمهورية نظامها، وتحقيق أهداف الثورة أولويتهاquot;.
وأضافت أنها quot;تنطلق في برامجها من إحترام الثوابت الوطنية، وفي مقدمتها تعاليم الإسلام ومقاصده وتراثه الحضاريquot; وquot;وتعتبر أن صيغة الفصل الأول من دستور 1959 التي تنصّ على أن quot;تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامهاquot; واضحة ومحل توافق بين كل مكوّنات المجتمع، وهي تحفظ الهوية العربية الإسلامية للدولة التونسية، وتؤكد مدنيّتها وديمقراطيتها في الوقت نفسه، حيث إنها تنصّ على أنّ الإسلام هو دين الدولة بما يقتضيه ذلك من دلالاتquot;.
الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة أكد أن حركته متمسكة بالفصل الأول من الدستور السابق، والشعب التونسي هو شعب عربي مسلم، ولا جدال في ذلك بين الجميع، وبالتالي لا يمكن تغيير هذا الفصل، وهو ما أقدمت عليه حركة النهضة بعد التشاور في إطار هيئتها التأسيسية.
الصحبي عتيق النائب في المجلس الوطني التأسيسي عن حركة النهضة أكد أن تونس لم تشهد هجرًا للإسلام، وبالتالي من الغريب أن نتحدث عن عجز الفصل الأول من الدستور عن حماية الإسلام وتطبيقاته. وأضاف لـquot;إيلافquot; إنّ: quot;حركة النهضة تحرص على حماية ديننا الإسلامي وتشريعاته، ولا ترى ضمانًا وحماية لهذا الدين إلا بالشعب التونسي نفسه، فالدساتير العربية التي ضمت فصولاً وأبوابًا عن التشريع الإسلامي في مادتها الدستورية لم تستطع حقًا تطبيقه، وظل الأمر حيز القول دون الفعلquot;.
وأضاف عتيق: quot;الإشكالية ليست في حضور النص، بل في ضمانات أخلاقية يجب أن تتحلى بها الحكومة لتضمن الإسلامquot;. وأشار إلى أنّ حركة النهضة أكدت اكتفاءها بالفصل الأول في دستور 1959، وذلك في إطار حفاظها على وحدة الشعب التونسي والإبتعاد به عن التمزيقات السياسية والدينية والتراشق بالألفاظ التي قد تصل إلى حد التكفيرquot;.
رئيس حركة التجديد أحمد إبراهيم أكد في إفادته لـ quot;إيلافquot; أنّه يبارك القرار الذي اتخذته حركة النهضة بخصوص اعتماد الفصل الأول من الدستور السابق، واضعة حدًا للجدل القائم منذ فترة بين مختلف مكونات المجتمع المدني والسياسي، والواقع أنه قرار حكيم ويساهم في الإبتعاد عن شبح تقسيم المجتمع، وفتح مجالات أخرى لا ندري إلى أين ستأخذناquot;.
أحمد إبراهيم أضاف أن هذا القرار سيبعث شيئًا من الأريحية داخل المجلس الوطني التأسيسي، وبالتالي سيكون عاملاً مهمًا في المساعدة على صياغة الدستور في وقت قصير من دون إضاعة للوقت في النقاشات بين مختلف المكونات، وسيكون الدستور ممثلاً فعليًا لكل التونسيين، وبالتالي يضمن وحدة الشعب التونسي.
مصباح شنيب عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي أكد أنّ قرار حركة النهضة الإحتفاظ بالفصل الأول من دستور 1959 يمثل خطوة إيجابية في اتجاه وضع حدّ لكل الخلافات والمزايدات حول اعتماد الشريعة مرجعًا أساسيًا في صياغة الدستور والإشارة إلى ذلك.
وأضاف شنيب: quot;لقد كنا نادينا بذلك اعتمادًا على أن الشريعة الإسلامية مضمنة في غالبية القوانين في بلادنا، وهي بارزة في الفصل الأول من الدستور من دون التنصيص على ذلك أو جعلها شكلاً من أشكال الخلاف بين المواطنين، فالشعب التونسي مسلم بطبيعته، وليس في حاجة إلى التأكيد على ذلك، وبالتالي لا للمزايدات ول للخلافات ذات الطابع الإيديولوجيquot;.
وأشار شنيب إلى أن هذا القرار بالإبقاء على الفصل الأول من الدستور السابق سيجعل أعضاء المجلس التأسيسي يسيرون قدمًا في اتجاه صياغة الدستور من دون عراقيل كبيرة، وهو ما سيربحنا كثيرًا من الوقتquot;.
أما الناطق الرسمي باسم حزب آفاق يس إبراهيم فقد أكد على أن حركة النهضة باتخاذها هذا القرار الجريء احترمت البرنامج الذي اعتمدته خلال الحملة الإنتخابية، والذي جاء فيه أنها تعمل على أن تكون تونس دولة مدنية، مع الإبقاء على الفصل الأول من دستور 1959.
وأضاف إبراهيم أنّه يبارك هذا القرار الذي يوقف الجدل القائم حول اعتماد الشريعة والتنصيص عليها في الدستور، وهو ما يدلل على مبدأ التوافق الذي ننادي به من أجل سنّ دستور لكل التونسيين.
في جانب آخر تبرز بعض الردود من هنا وهناك غير مباركة لقرار حركة النهضة الإحتفاظ بالفصل الأول من دستور 1959، فمحمد الكيلاني رئيس الحزب الإشتراكي اليساري اتهم حركة النهضة بالعمل على عدم استقرار البلاد، وهو ما يؤدي إلى بثّ الفوضى من حين إلى آخر من خلال تشنج المجتمع وظهور أعمال عنف وتكفير وذلك خدمة لمصالحها.
وأضاف الكيلاني أن حركة النهضة تعتمد سياسة المماطلة، وإلا بماذا نفسر قبولها الآن بالإبقاء على الفصل الأول من الدستور السابق، بينما كانت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة قد اقترحت الإبقاء على هذا الفصل دون تغيير، ولماذا بقيت كل هذا الوقت حتى تتخذ مثل هذا القرار الذي كان يمكن أن لا يدخل المجتمع التونسي في انقسام بين مطالب بتطبيق الشريعة وبين معارض لذلك، وما شاب ذاك الجدل من عنف وتشنج.
وقال الكيلاني: quot;إن قرار حركة النهضة جاء متأخرًا، وهو يؤكد عدم مسؤولية النهضة وعملها بمبدأ المناورات من حين إلى آخرquot;. حركة الديمقراطيين الإشتراكيين (شق أحمد الخصخوصي) أصدرت بيانًا اطلعت عليه quot;إيلافquot;، ودعت فيه إلى وضع حد للـquot;الإستقطابات المفتعلة والتجاذبات المختلفة التي يقصد بها التلاعب باهتمامات الشعب حتى لا يهتم الرأي العام بالقضايا الجوهرية والمشاكل الأساسية والحياتية. والمجلس يعبّر عن انشغاله البالغ جراء تردي الأوضاع التي لا تُرضي أي طرف لديه الحد الأدنى من المسؤوليةquot;.
وجاء في البيان التأكيد على: quot;ضرورة حصول توافق على أوسع نطاق بين الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني والمجتمع عامة للمحافظة في الدستور الجديد على الفصل الأول من دستور سنة 1959quot;.
التعليقات