يلجأ العراقيون في ظل ضآلة فرص العمل وغياب مشاريع التشغيل إلى البحث عن الذهب في الصحراء والسهول والأنهار، حيث لا يتعب شباب وفتيان من قضاء ساعات طوال في البحث عن ذرات ذهب وفضة ومعادن ثمينة تنقلها المياه ويغمرها الطين، في سعي حثيث إلى الحصول على مصدر رزق يوفرون من خلاله لقمة العيش.


شبان عراقيون يبحثون عن الذهب في نهر دجلة

وسيم باسم من بغداد: يقضي سمير حسن (24 سنة) ساعات عند نهر دجلة في قضاء الصويرة (55 كم جنوب بغداد)، وهو يبحث بين الرمال والأطيان عن المعادن الثمينة، بينها الذهب. ومما يشجّع حسن على ذلك عثوره بين الحين والآخر على ذرات ذهب وفضة، نجح في بيعها إلى الصاغة.

يقول سمير إنه حين يبدأ العمل لا يضمن نجاحه أبدًا في الحصول على الرزق، لهذا فهو يعتبره هواية بالدرجة الأولى. وكان سمير يقضي في السابق أوقاتًا طويلة في البحث عن المعادن الثمينة، لكن ندرة الحصول على الذرات المعدنية جعلته يغضّ النظر عن قضاء ساعات طويلة، وهو يمارس اليوم البحث في أوقات الفراغ فقط.

يؤكد سمير أن الكثير من الشباب يلجأ إلى التخلص من البطالة عبر ممارسة أعمال غير مضمونة الربح المادي. وبحسب هيئة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في العراق، فإن نسبة البطالة في البلاد تجاوزت الـ 28% في العام 2011.

وعند منطقة شارع النهر في بغداد يتواجد نحو سبعة من شباب يحملون بيدهم حاويات بلاستيكية ملونة للبحث عن الذرات المعدنية الثمينة. ويقول فخري كرم إن هذه المنطقة هي مصب لمياه الصرف الآتية من محال بيع الذهب. وجمع كرم في شهر واحد كميات عدة من المعدن الأصفر باعها بنحو 400 دولار.

لكن فخري يشير إلى عثور أصدقاء له على عدد جيد من العملات النقدية التي تعود إلى العصر العباسي. ويصفي فخري في مصفاة بلاستيكية خليط الطين والماء، مشيرًا إلى صعوبة العملية في ظل تقنيات بدائية، لاسيما وأنه ضعيف النظر.

ويقول أحمد جاسم (19) إن برادة الحديد التي يعثر عليها تحتوي على الذهب والفضة. ويشير جاسم إلى عثور مجموعة من الشباب على تحف فنية صغيرة وقطع نقدية تاريخية، حيث بيعت بأثمانٍ باهظة جدًا. ويقول باحث الآثار أمين سيد حاكم إن احتمال العثور على قطع أثرية تاريخية حجرية ومعدنية أمر محتمل جدًا، لأن هذا النهر عاشر الكثير من العصور والحضارات التي سادت ثم بادت.

لكن الشباب الباحث عن الذهب، كما يقول أبو أحمد (70 سنة)، الذي يقضي بعضًا من الوقت وهو يراقب عمل هؤلاء، إنهم لا يقصدون البحث عن القطع الأثرية بقدر البحث عن ذرات الذهب والفضة في المناطق القريبة من سوق الذهب الرئيسية. ويصف أبو أحمد هذه المهنة بأنها مهنة العاطلين عن العمل واليائسين من الحصول على فرصة عمل.

غير أن الشاب سعد الدراجي يعتبر هذه المهنةعملاً موقتًا حتى حصوله على عمل بدخل ثابت. ومنذ نحو الخمس سنوات يتجول بعض الشباب العراقيين في صحراء السماوة والنجف بحثًا عن القطع الأثرية الثمينة.

ويقول سعد العبيدي، وهو يجلس خلف مقود سيارة البيكأب، التي يستخدمها لقطع مسافات طويلة في الصحراء، إنهم لا يقتربون من المواقع الأثرية خوفًا من اتهامهم بسرقة الآثار. ويضيف: quot;عثرنا على الكثير من القطع التي يعود تاريخها إلى نحو خمسمائة أو ستمائة سنةquot;.

ويشير العبيدي إلى أن الكثير من البدو الذين نزورهم نشتري منهم الكثير من القطع الأثرية المعدنية والحجرية، حيث عثر عليها هؤلاء أثناء جولاتهم في الصحراء. ويطمح إلى أكثر من ذلك. ففي نيته اقتناء جهاز يكشف عن القطع الأثرية والذهب والفضة في الدفائن في باطن الأرض. ويقول إن الجهاز ثمنه باهظ جدًا، ولا بد من توفر دعم لغرض اقتنائه.

ويعتبر العبيدي أن تطوير شباب (الاستكشاف) مهم جدًا للبحث عن الآثار المدفونة، والتي توضح خبايا وتفاصيل من تاريخ العراق. ويشير الى عثور بعض الفلاحين في منطقة المشخاب (230 كم جنوب غرب العاصمة العراقية) في النهر على آثار وسيوف تعود إلى مرحلة الفتح الاسلامي بينها سيوف هي من بقايا معركة القادسية.

ويتحدث باحث الآثار احمد سعيد عن تشكيل لجان كشف عن الآثار تطوعية تسهم الى حد كبير في العثور على آثار مطمورة تحت الارض. ويضيف: quot;من دون هذا لن تكون الجهود الحكومية وحدها كافية للكشف عن الكنوز الكبيرة من آثار العراق المخبأة تحت الارضquot;.

لكن سعيد يفصل بين البحث عن الذهاب والتنقيب عن الآثار المفقودة. ويرى أن الباحثين عن الذهب هم تجار يسعون وراء رزقهم، ولا يمكن أن يكون البحث عن الآثار تحت رحمتهم لأن ذلك سيؤدي إلى تهريبها أو بيعها سرًا.

ويشير الكثير من الروايات التاريخية إلى احتواء العراق على الكثير من كنوز المعادن الثمينة بينها الذهب. ويلفت رجل الدين احمد الياسري الى حديث للرسول الكريم عن جبل من الذهب ينحسر عنه الفرات ويتقاتل عليه الناس في مقتلة عظيمة آخر الزمان.

ومنذ خمس سنوات عكف هشام رحيم على البحثعن الذهب في نهر دجلة، لكن ليس عند المنطقة القريبة من سوق الذهب، بل في منطقة المدائن. ويقول هشام إنه عثر على كميات من الفضة، حيث باع خلال سنة ما يعادل الألف دولار. كما اشار هشام الى عثوره على لقى اثرية وقطع معدنية تعود الى فترة الحكم الفارسي في العراق.

والمدائن مدينة عراقية تقع على بعد بضعة كيلومترات جنوب شرق بغداد، بنيت قرب مدينة المدائن التاريخية عاصمة الساسانيين. لكن اكتشاف الذهب بحسب هشام لن يكون تجارة بمعنى الكلمة بقدر ما هو هواية وترتبط بالحظ في غالب الاحيان. وهو يسخر من المعدات التي يستخدمها في البحث عن ذرات الذهب، لكونها بدائية، ولا تساعد في الكشف السريع عن الذرات المتناهية الصغر من المعادن الثمينة.

ويشير هشام الى أنه يحتاج إلى تنقية الطين واحيانًا طحن الأحجار للبحث عما بداخلها. ويستعين هشام بالماء والأحماض والصابون للكشف عن المعدن الأصفر في عملية يصفها بـ (سر المهنة).