يبدو أن لعنة التجربة التي خاضتها المخابرات المركزية الأميركية quot;سي آي إيهquot; في العراق لا تزال تلقي بظلالها على العاملين في الوكالة، بعد مرور كل هذه الأعوام، لا سيما في ما يتعلق بالجهود التي تبذلها في الوقت الراهن بشأن الملف النووي الإيراني.


قوات التحالف في العراق عام 2003

أشرف أبوجلالة من القاهرة: لفتت اليوم صحيفة quot;النيويورك تايمزquot; الأميركية إلى أن أحد محللي السي آي إيه الذي سبق له أن ساعد في تجميع بعض المعلومات الاستخباراتية بشأن أسلحة الدمار الشامل، التي كان يفترض أنها في حوزة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، قد تعرّض لانهيار عصبي بعد أشهر من بدء حرب العراق؛ خاصة بعد مشاركته في عملية التفتيش التي تلت الغزو، ولم تعثر على الأسلحة.

وحين تم تكليفه أخيرًا بإجراء تقييم جديد عن برنامج إيران النووي، عبَّر لبعض زملائه عن تخوفه من أن تخطئ الوكالة الاستخباراتية مرة أخرى. وقال مسؤول سابق عمل من قبل مع هذا المحلل، quot;إنه يشعر بذنب كبير بسبب إدراكه أننا أقحمنا في تلك الحرب، إذ تسيطر عليهالآن مشاعر الخوفمن تكرار ذلك السيناريو نفسه مرة أخرىquot;.

وتابعت الصحيفة بقولها إن المحللين وغيرهم من العاملين في السي آي إيه، الذين يكافحون اليوم من أجل فهم طموحات إيران النووية، يدركون تمام الإدراك أن مصداقية الوكالة تقف من جديد الآن على المحك، وسط تهديدات بتدخلات عسكرية جديدة.

وأكدت الصحيفة أن معضلة المعلومات الاستخباراتية بشأن العراق قد أثرت بشدة على الطريقة التي يؤدون من خلالها أعمالهم، في ظل وجود ضمانات جديدة، هدفها إجبار المحللين على أن يكونوا أكثر تشككاً في تقييم الأدلة وأكثر حذراً في استخلاص النتائج.

وقال مسؤولون استخباراتيون سابقون إن ذلك يبين اليقظة المناسبة في التعامل مع المعلومات التي تكون غامضة في كثير من الأحيان، في حين يقول بعض المنتقدين إن الوكالة ليست دقيقة فحسب، بل أنها أيضاً متقلبة بشكل مفرط بشأن الجمهورية الإيرانية.

وذكر غريغ ثيلمان، المحلل الاستخباراتي السابق في وزارة الخارجية الذي استقال من منصبه اعتراضاً على ما اعتبره تسييسًا من جانب إدارة بوش للاستخبارات في مرحلة ما قبل حرب العراق، والذي يعمل الآن كزميل بارز في جمعية مراقبة التسلح في واشنطن: quot;يشعر كثيرون من العاملين في الأجهزة الاستخباراتية بأنهم لا يريدون تكرار الأخطاء نفسها. هذا وتحظى أجهزة المخابرات ككل بممارسات أفضل الآن، وهو ما يرجع جزئياً إلى التجارب التي مروا بها في العراق ومازالوا يستفيدون منهاquot;.

وأضاف بول بيلار، محلل شؤون الشرق الأوسط البارز السابق بالسي آي إيه، أنه يعتقد أن المحللين يتم توجيههم من خلال الحقائق عند إعدادهم تقييمات بشأن إيران، وإن كانوا ما زالوا متأثرين بتجربتهم في العراق. وتابع بيلار الذي يعمل الآن كمدير للدراسات العليا في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، quot;لأن مسؤولي الاستخبارات بشر، فلا يمكن للفرد أن يستبعد احتمالية الميل إلى تعويض أخطاء الماضيquot;.

وسبق لمسؤولين استخباراتيين كبار أن قالوا إن المحللين يعتقدون أن إيران تتجه نحو تطوير وتوسيع نطاق بنيتها التحتية وقدراتها التكنولوجية لكي تصبح قوة نووية، غير أن القيادة الإيرانية لم تتخذ قراراً بعد بشأن تطويرها قنبلة نووية. ومع هذا، يؤكد مسؤولون أميركيون كبار سابقون وحاليون أن هناك فجوات كبرى في ما لديهم من معلومات، وأنهم قد لا يتمكنون من تحديد أي قرار متعلق بإعادة تشغيل برنامج إيران الخاص بالتسلح، والذي خلصوا إلى أنه توقف عن العمل في العام 2003.

ثم لفتت الصحيفة إلى الإجراءات الإضافية التي باتت تلجأ إليها السي آي إيه وغيرها من الوكالات الاستخباراتية بغية التأكد من صحة ودقة العمل التحليلي، وذلك في الوقت الذي بدأت تطلب فيه أيضاً تزويد المحللين بالمزيد من الأمور عن مصادر المعلومات التي يتلقونها من الجواسيس البشرية والتكنولوجية للولايات المتحدة.

وعلى عكس ما حدث في الفترة التي سبقت حرب العراق، حين اتهم كثير من المنتقدين مسؤولي البيت الأبيض إبان فترة حكم الرئيس بوش بانتقاء المعلومات الاستخباراتية لتتماشى مع سياساتهم، قال بعض المحللين الخارجيين إنهم لا يرون أي أدلة على أن إدارة أوباما تدفع بمسؤولين استخباراتيين لاستخلاص إجابات محددة سلفاً.

وقال جوزيف سيرينسيون، رئيس صندوق بلاوشيرز،المؤسسة المتخصصة في الأمن العالمي، إنه وفي الوقت الذي سبق أن اشتكى فيه القادة السياسيون المحافظون في الولايات المتحدة وإسرائيل من التقييمات الاستخباراتية بشأن إيران، فإن مثل هذا النقد الخارجي لم يحظَ بالتأثير نفسه الذي كان لينجم من البيت الأبيض.