تحت ظل شجرة من أشجار الشوك على سهل من الأرض المشققة والعشب الأصفر، شرح العميد نميري مراد كيف يخطط متمردو جنوب السودان لتوحيد قواهم وإسقاط الرئيس عمر حسن البشير ونظامه الإسلامي في الخرطوم.


متمردو جنوب السودان يخططون لتوحيد قواهم

إعداد عبد الإله مجيد: قال العميد نميري مراد لمجلة تايم في ولاية جنوب كردوفان quot;إن عملنا الآن هو تنظيف بيتناquot;. وأضاف quot;إن الدارفوريين سينظفون بيتهم وثوار النيل الأزرق سينظفون بيتهم ثم نزحف معًا على الخرطوم، وسنجهز عليهمquot;. واعترف نميري بأنه لا يستطيع أن يحدد متى سيحدث ذلك، ولكنه أكد quot;أن العملية ستكون أسهل هذه المرة ـ فالخرطوم منهزمة، وهم يعرفون أنهم يقاتلون من أجل الباطل، وليس لديهم قلب. أما نحن فنقاتل بقلوبنا، وسيكون من السهل أن نقضي عليهمquot;.

ثمة أسباب لتفاؤل العميد نميري. ومن يدخل الأراضي التي يسيطر عليها مسلحون نوبيون في إقليم جنوب كردفان المتاخم لدولة جنوب السودان المستقلة حديثًا، يرى أن عملية كبيرة قيد الإعداد. وكان المقاتلون النوبيون في الجيش الشعبي لتحرير السودان حققوا سلسلة انتصارات استراتيجية في الآونة الأخيرة بسيطرتهم على بلدة جاو الحدودية وبلدة تروغي وطرد القوات الحكومية في معارك عنيفة بمشاركة آلاف في كورونغو والتيس والدار.

وتحدث قادة عسكريون من قوات المتمردين عن مقتل المئات، بل آلاف الجنود السودانيين، وتكتسب أقوالهم مصداقية من عدد قبور الجنود الحكوميين في ساحات المعارك الأخيرة، بحسب مجلة تايم.

وما له أهمية بالغة أن قوات الخرطوم تركت وراءها ترسانة من السلاح بما في ذلك أطنان من القذائف والهاونات والألغام وآلاف الكلاشنكوفات وملايين الطلقات، وقطع من المدافع والمضادات الجوية و127 سيارة بك آب في بلدة جاو وحدها زائد أربع دبابات. ونقلت مجلة تايم عن اللواء عزت كوكو قائد قوات النوبة أن رجاله يسيطرون على 80 في المئة من جبال النوبة.

ولم تبق بيد الحكومة عمليًا إلا أكبر مدينتين في المنطقة هما تالودي وكالوغي وكانت تالودي مهددة بهجوم وشيك. ويقول العميد نميري إن نحو 1800 جندي من جيش الخرطوم يطوقهم 3000 من مقاتليه تساندهم قوات أخرى ما بين 2000 و3000 من الجيش الشعبي لتحرير السودان.

ولتقدم متمردي النوبة دلالات عميقة. ففي تموز/يوليو انفصل جنوب السودان عن نظام الخرطوم بعد حرب دامت أكثر من نصف قرن، وكلفت أكثر من مليوني قتيل. ولكن الحدود الجديدة تركت تحت سيطرة الخرطوم ثلاثة أقاليم متمردة هي دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، التي تقع فيها جبال النوبة.

ومع اقتراب موعد استقلال الجنوب شن نظام الشمال حملة عسكرية ضد المتمردين في جبال النوبة الذين كانوا ملتزمين بوقف لإطلاق النار ويتعاونون مع الحكومة في وحدات عسكرية مشتركة. وحاولت قوات الخرطوم في البداية نزع سلاح المقاتلين النوبيين، ثم قامت بحملة تفتيش من بيت إلى بيت، اتُّهمت خلالها باعتقال وقتل قادة وناشطين نوبيين سياسيين، قبل ان تأمر بشن هجوم شامل على منطقة المتمردين.

وتسلل مراسل مجلة تايم إلى جنوب كردفان في حزيران/يونيو الماضي، وجمع شهادات أكثر من 30 شخصًا عن قصف قوات الشمال للقرى النوبية واللاجئين الهاربين بقاذفات انتونوف روسية الصنع ومروحيات عسكرية فضلاً عن المدفعية.

وعادت مجلة تايم هذا الشهر إلى المنطقة، حيث حصلت على شريط فيديو يظهر فيه حاكم جنوب كردفان أحمد هارون وهو يشجّع جنوده بتحية قاذفات انتونوف والمروحيات العسكرية ومقاتلات الميغ والمدفعية quot;التي تساندكم بقصف القرىquot;. وقال هارون لجنوده إنه لا يريد أن يأتوه بأسرى بل quot;اقتلوهم، اكتسحوهم، كلوهمquot;.

وحين عرضت مجلة تايم ملخصًا لما جمعته من مواد على مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو، أشار إلى أن المحكمة أصدرت مذكرات إلقاء قبض على البشير وهارون بتهمة ارتكاب أعمال مماثلة في دارفور. وأضافت جيهان هنري من منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان بالقول quot;يبدو من المؤكد أن جرائم حرب ارتُكبتquot;، معتبرة أن quot;الحكومة لا تميز بين العسكري والمدني، ويبدو أنها قررت استهداف الجميعquot;.

وإذا نجح المتمردون النوبيون في طرد قوات الخرطوم من جنوب كردفان، فإن هذا قد يتيح وصول المساعدات الإنسانية التي ستكون هناك حاجة ماسة إليها في الأشهر المقبلة، لأن عمليات القصف التي نفذتها قوات الخرطوم منعت الكثير من القرويين من زراعة أي محاصيل. ولكان أدى تقدم المتمردين في جنوب كردفان إلى حملة موحدة ضد الخرطوم ومحاولة إسقاط نظام البشير، وستكون للأزمة أبعاد دولية.

وسيحاول متمردو السودان أن يحققوا ما فشلت في تحقيقه المحكمة الجنائية الدولية وعقود من العقوبات والمبادرات التي شارك فيها مشاهير وتحقيقات لا تنتهي في انتهاكات حقوق الإنسان، بل وحتى القصف الأميركي للخرطوم نفسها في عام 1998، وهو إصلاح واحدة من دول العالم المنبوذة أو تحجيمها أو إسقاطها، على حد تعبير مجلة تايم، مستعرضة سجل نظام البشير من استضافة أسامة بن لادن لمدة خمس سنوات في التسعينات، إلى محاولات فرض نسخة النظام من الشريعة الإسلامية على بلد متعدد الأعراق والقوميات واللغات.

ويقول العميد نميري واللواء عزت إن هذه هي خطة المتمردين. وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أقام فرع النوبة في الجيش الشعبي لتحرير السودان تحالفًا مع ثوار النيل الأزرق في الشرق ومقاتلي حركة العدل والمساواة في دارفور غربًا، وأطلقوا على قواتهم الموحدة اسم الجبهة الثورية السودانية.

وأعلن القيادي في الجبهة ياسر عرمان أن السودان كله ساحة لعملياتها بما في ذلك الخرطوم. وقال اللواء عزت لمجلة تايم quot;إن للجبهة الثورية السودانية اتصالات مع جماعات معارضة في الخرطوم يمكن أن تنظم الشعب في انتفاضة، رغم أن هذا لن يحدث إلا إذا وصلنا إلى هناك، ويكون لديها من يحميهاquot;.

وأكد عزت ونميري والعديد من القادة الآخرين الذين تحدثوا لمجلة تايم أن دعم رفاقهم السابقين في جنوب السودان يقتصر على الاستشارة والمواد الغذائية وإمدادات الوقود والعلاج والدعم الدبلوماسي، وأن حركتهم ليست حربًا بالنيابة عن جنوب السودان ضد عدوه السابق، لافتين إلى أن قوات الجنوب ما زالت تقاتل قوات الخرطوم في مناطق متعددة على الحدود. كما إن كمية الأسلحة التي سيطر عليها متمردو النوبة من قوات الخرطوم تشير إلى أنهم الآن على الأقل لا يحتاجون إلى مساعدات عسكرية من الخارج.

وتبعد الخرطوم مسافة طويلة عن جبال النوبة ومن عادة المتمردين أن يبالغوا في فرص انتصارهم. وفي حين أن مئات من مقاتلي حركة العدل والمساواة ساعدوا متمردي النوبة في السيطرة على جاو فان من غير المعروف ما إذا كان التحالف الجديد سيصمد أمام اختبار الحرب.

ولعل الأهم أن منازلة الجيش السوداني على أرضه تختلف اختلافًا كبيرًا عن مواجهته في مناطق لم يسيطر عليها في الواقع ذات يوم، ولا تتمتع الخرطوم بشعبية بين سكانها. ولكن بعد عقود من القتال، يشعر المتمردون بالثقة وبأن الزخم لمصلحتهم.

وقال اللواء عزت إن قوات الخرطوم quot;أخطأت في الحساب عندما هاجمتنا. فإن الجندي الشمالي الذي تدرب لمدة أسبوعين أو شهر لا يستطيع أن يهزم قوة من رجال العصابات تقاتل منذ 27 عامًاquot;. وأضاف quot;إن جنديًا من جنودنا يستطيع أن يهزم طابورًا من جنودهم. وسنذهب كلنا إلى الخرطوم، إن لم يكن هذا العام ففي العام المقبل أو العام الذي بعدهquot;.