القاهرة: رغم أن محللي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية quot;سي آي إيهquot; الذين يدرسون الألاعيب الجيوسياسية التي تتم الآن بشأن برنامج إيران النووي، يمتلكون أدوات مكلفة وسرية للغاية تحت تصرفهم، إلا أن هناك وفرةً في واحد من بين أفضل مصادرهم، ألا وهو الكلام الذي يصرح به المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي.

وكما هو الحال مع كثير من المعلومات المتعلقة بحكومة إيران السرية والغامضة، فإن تعليقات وتصريحات خامنئي تتسم بتناقضها في بعض الأحيان، ودائماً ما تكون عرضة لتفسيرات مختلفة على نطاق واسع. لكن مع بدء المفاوضات بشأن برنامج البلاد النووي اليوم السبت في اسطنبول، بدأت تحظى الجهود المبذولة للتكهن بالموقف الفعلي الذي يلتزمه آية الله خامنئي إزاء القضية النووية بقدر كبير من الأهمية.

وللتأكيد على اشتراك خامنئي المباشر في الموضوع، وصل كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، سعيد جليلي، إلى تركيا، في وقت بدأت تتحدث فيها تقارير إعلامية عن جليلي بقولها إنه quot; الممثل الشخصي للمرشد الأعلىquot;. بينما قال غريغ ثيلمان، محلل سابق لدى وزارة الخارجية الأميركية:quot;عدم الاكتراث بما يقوله أمر غير مفيد بالنسبة لنا. فانا باعتقادي أن بمقدور الولايات المتحدة استغلال ما يقولهquot;.

وفي هذا الصدد، لفتت اليوم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إلى أن آية الله خامنئي، الذي لا يعتبر قائد الحكومة الإيرانية فحسب وإنما المرجعية الأخيرة أيضاً بشأن الشريعة الإسلامية، غالباً ما يستعين بلغة دينية حين يتحدث عن القضية النووية، وهو ما قد يؤرق المحللين الغربيين في محاولتهم تحديد معنى هكذا تصريحات قوية.

وسبق له أن استخدم تلك اللغة، بينما كانت أجواء التوتر محتدمة بشأن برنامج إيران النووي في شباط (فبراير) الماضي، وذلك لتسجيل اعتراضه على الأسلحة النووية.

وقال حينها quot;لا تسعى إيران للحصول على القنبلة الذرية، فامتلاكها أمر لا طائل منه وخطير وإثم كبير من وجهة نظر دينية وفكريةquot;. كما سبق له أن قال الشهر الماضي: quot; ليس بحوزتنا سلاح نووي، ولن نقوم بتطوير سلاحquot;. كما أصدر فتوى إسلامية ضد امتلاك إيران لقنبلة نووية. ومع هذا، نوهت الصحيفة إلى أن تلك التعليقات لا تتعارض فحسب مع بعض الأمور التي تقوم بها إيران وإنما تتعارض كذلك مع ما سبق وأن قاله آية الله خامنئي نفسه في الماضي. وخير دليل على ذلك، وفقاً لما أكده محللون، التصريحات التي أدلى بها العام الماضي وقال فيها إن العقيد الليبي معمر القذافي أخطأ بتخليه عن برنامج بلاده الخاص بالسلاح النووي.

وتابع بعض المحللين بقولهم إن ما زاد الأمور تعقيداً هو أنه لا بد من النظر إلى إنكار آية الله خامنئي لطموحات إيران النووية باعتباره جزءا من مفهوم تاريخي شيعي يعرف بـ quot;التقية أو الإخفاء الدينيquot;. وأشارت الصحيفة في تلك الجزئية إلى نجاح الشيعة على مدار عقود في تعلم إخفاء هويتهم الطائفية ليتمكنوا من البقاء على قيد الحياة، ولهذا فإن هناك سابقة خاصة بالكذب من أجل حماية الطائفة الشيعية.

وأعقبت النيويورك تايمز بقولها إن كل تعليق يدلي به خامنئي يتم فحصه للوقوف على التغييرات الدقيقة باللهجة والتأكيد. وقال هنا واحد من أبرز مسؤولي الاستخبارات السابقين إنه يتعين على المحللين أن يدرسوا التعليقات بشكل أكثر اعتناءً، للبقاء منفتحين على التقديرات البديلة المحتملة لسلوكيات وتصرفات إيران.

وأضاف دينيس روس، الذي استقال من منصبه الخريف الماضي بعد أن شارك في تنسيق الملف الخاص بالسياسة الإيرانية للبيت الأبيض، أن تعليقات خامنئي كشفت في النهاية عن قائد عنيد ووطني، وربما لم يقرر بعد بشأن ما إن كان لبلاده أن تمتلك قنبلة نووية أم لا. وتابع روس في هذا السياق: quot;القيمة من وراء متابعة وتحليل تصريحات خامنئي هو أنه كتب الكثير وقال الكثير. وهناك اتساقاً معيناً بشأن ما قاله. وتظهر لغته أنه ينظر دائماً إلى البرنامج النووي باعتباره إشارة دالة على تقدم إيران التكنولوجي، وأن تلك هي الطريقة التي ستحقق بها إيران استقلاليتهاquot;.

وواصل روس حديثه بالقول: quot;كما أنه ينظر إلى اعتراضنا على البرنامج النووي على أنها هدف جهودنا التي نبذلها لكي ننكر عليهم استقلاليتهم. وفي نفس الوقت، قال في تصريحاته الأخيرة إن الأسلحة النووية تعتبر إثماً، وسبق له أن أصدر فتوى بهذا الخصوص. لكنه، وبالرغم من ذلك، ما زال يشرف على البرنامج النوويquot;.

ومضت الصحيفة تقول إن تاريخ برنامج إيران النووي يقدم أدلة من الممكن أن يتم استخدامها في العديد من التفسيرات لتصريحات وأفعال آية الله خامنئي. وبخصوص مفاوضات اليوم في اسطنبول، قالت الصحيفة إنه يبدو أن المسؤولين الأميركيين عازمين على استخدام أحدث تعليقات خامنئي العلنية باعتبارها وسيلة ضغط، حيث يؤكدون علانيةً، على الأقل، أنهم يتعاملون معه من منطلق ما يتلفظ به من تصريحات.