إحدى الصور لجندي أميركي قرب جثة أفغاني

أثارت صور جنود أميركيين ضبطتهم الكاميرا مع رفات مسلحين أفغان تساؤلات في أوساط الجيش الأميركي عمّا إذا كان الانضباط العسكري أخذ ينهار تحت وطأة الحرب في أفغانستان بسبب طبيعتها واستمرارها منذ عشر سنوات دون أن تلوح نهاية قريبة في الأفق.


لندن: تظهر الصور التي نشرتها صحيفة لوس انجلوس تايمز يوم الأربعاء اكثر من 12 جنديًا أميركيًا ومعهم عدد من أفراد قوى الأمن الأفغانية إلى جانب اشلاء انتحاريين أفغان تناثرت اطرافهم إثر هجمات شهدها اقليم كابول عام 2010.

ورجح مراقبون أن تلحق الصور المزيد من الضرر بالعلاقة الأميركية الأفغانية التي كانت لا تخرج من أزمة حتى تدخل في أخرى طيلة العام الماضي، وكل هذا في وقت تتفاوض الحكومتان بشأن توقيع اتفاقية استراتيجية طويلة الأمد.

كما تأتي الصور لتضيف الى قائمة من الحوادث المقلقة بينها صور جنود أميركيين يتبلون على جثث مقاتلين من طالبان وحرق نسخ من القرآن والمجزرة التي نُسبت الى رقيب في الجيش الأميركي بحق قرويين أفغان.

وعملت هذه الحوادث على تقديم الجنود الأميركيين في أسوأ صورة يمكن تخيلها الى الرأي العام الأفغاني. لذا بدأ عسكريون مخضرمون ومحللون يدرسون مصطلح quot;الضغط على القواتquot; الفضفاض لمعرفة العوامل التي ربما أسهمت في هذه الخروقات.

ومن الأسباب المحتملة برأي هؤلاء المحللين الإنهاك بين المراتب وضباط الصف بوصفهم العمود الفقري للجيش الأميركي المؤلف كله من المتطوعين. وهؤلاء هم على وجه التحديد الرقباء المسؤولون عن تدريب جنود في الثامنة عشرة والتاسعة عشرة وإعدادهم وتعليمهم الانضباط على مستوى الوحدة الصغيرة، من ساعة الى ساعة، ومن دورية الى دورية.

وقال المحللون إن من الأسباب الأخرى متطلبات استراتيجية مكافحة الحركات المسلحة التي تقتضي توزيع وحدات صغيرة عبر مسافات طويلة للخدمة في مواقع معزولة ذات بيئة عدائية.

وقد يتطلب الاعتماد على القدرات الذاتية في العزلة اقامة علاقات تعاضد بين الجنود ولكن التضاريس الوعرة والتحديات اللوجستية والمواجهات الدموية مع المسلحين قد تطرح تحديات كبيرة على المراتب وضباط الصف المسؤولين عن هذه الوحدات الصغيرة حيث يعملون بعيدًا عن اشراف الضباط كما في الحروب السابقة.

واعرب ضباط ومحللون عن القلق من وقوع هذه الوحدات المعزولة ضحية لهبوط معايير السلوك وظهور غريزة العنف المكبوتة عادة لدى الانقطاع عن المجتمع.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن اندرو اكسوم المحلل المختص بالسياسة الدفاعية في مركز الأمن الأميركي الجديد واستاذ الحرب غير التقليدية في جامعة كولومبيا أن بعض هذه الحوادث تبدو ناجمة عن انهيار القيادة على مستوى الوحدات الصغيرة. وتساءل اكسوم أين كان الرقيب الذي يُفترض به أن يأمر جنوده باحترام حرمة الميت.

وتشير التقارير الأولية الى أن الجنود الذين ضبطتهم الكاميرا أُرسلوا لجمع بصمات أصابع أو تصوير قزحية العين من اجل التعرف على هوية الانتحاريين. ولاحظ اكسوم كيف يمكن لخبرة مريعة مثل التفاعل مع اشلاء العدو المضرجة بالدم واطرافه المتناثرة أن تطلق آليات للدفاع عن النفس وخاصة الاحتماء بالفكاهة السوداء حول الجثث. quot;ولكن الجندي يتجاوز الحدود عندما لا يحترم جثة الميتquot;، بحسب اكسوم مضيفًا أن الاستعانة بصمام تنفيس سايكولوجي شيء والتقاط صور تذكارية فوق الجثة شيء آخر تمامًا.

ولاحظ مسؤولون في وزارة الدفاع والجيش انتشار الهواتف المجهزة بكاميرات بين الجنود في الكثير من الحالات ذات العلاقة، محذرين من أن التكنولوجيا والثقافة المتغيّرة تطرحان مشاكل جديدة. فالجنود كانوا يسيئون التصرف منذ أنبدأت الحروب ولكن هذه الممارسات يمكن الآن تصويرها وتوثيقها في الزمن الحقيقي، ونشرها بسرعة خارج رقابة القادة العسكريين عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي.

وقال المتحدث باسم الجيش الكولونيل توماس كولنز إن التكنولوجيا تمثل تحديات أكيدة في ما يتعلق بالأمن وحسن السلوك. واعتبر أن الصور الجديدة تعبير عن ارتياح الجنود الى quot;أن هذا المسلح لم يعد يشكل تهديدًا لهم أو لرفاقهم الجنود الآخرين ولكن هذا لا يمكن ان يبرر ما فعلوهquot;. واضاف الكولونيل كولنز quot;أن من حق العالم أن يتوقع من الجنود الأميركيين أن يتصرفوا بشكل لائق quot;ومن الواضح أن ذلك لم يحدث في هذه الحالةquot;.

ولاحظت صحيفة نيويورك تايمز أن الحالات الأخيرة لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من الجنود إزاء انتشار أكثر من مليون عسكري في انحاء العالم منذ هجمات 11 ايلول/سبتمبر. وهذا ما شدد عليه مسؤولون أميركيون كبار يوم الأربعاء،وهم يدينون تصرف الجنود الذين نُشرت صورهم في صحيفة لوس انجلوس تايمز.

وقال الناشط الحقوقي في كابل نادر نادري إن ردة فعل الأفغان ستكون على الأرجح سلبية لأن صورًا مماثلة ظهرت من قبل ورغم التحقيقات العسكرية فإن الصور الجديدة تشير الى استمرار الجنود الأميركيين في ارتكاب هذه الأفعال. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن نادري أن الأميركيين quot;يقولون كل مرة إنهم سيجرون تحقيقًا شاملاً ولكن هذه التحقيقات لا تُعلن وبالتالي فإن نتائجها لا تكون معروفة للأفغانquot;.

وقال مسؤولون أفغان إن التصرف الذي يظهر في الصور عمل مسيء وجارح نظرًا لحرمة الميت عند المسلمين. وتحدث حجي باز محمد رئيس مجلس التنمية في قلعة عاصمة اقليم زابول وأحد وجهاء المنطقة التي كان يعمل فيها الجنود الأميركيون عن غضب السكان العام الماضي بعد حادث مماثل كانت قوات الأمن الأفغانية ضالعة فيه.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن حجي محمد أن قوى الأمن الأفغانية دنست جثتي اثنين من المسلحين قبل ثمانية أشهر وأن هذا العمل أثار استياء السكان في زابول فنزلوا الى الشوارع وقُتل ثلاثة آخرون في الاشتباكات بين الحشود الغاضبة وقوى الأمن. واضاف quot;أن الأفغان اهانوا الجثث في ذلك الحادث فقُتل ثلاثة اشخاص ويمكن ان نتصور ما سيحدث إذا علم السكان أن غير المسلمين يهينون جثث المسلمينquot;.

وقال العديد من المحللين العسكريين الذين تحدثوا يوم الأربعاء إن هذه الحوادث تضع موضع تساؤل قدرة الجنود الأميركيين على أداء واجباتهم نظرًا للأهمية البالغة التي يتسم بها كسب تعاطف الأفغان في التصدي لحركة طالبان.

واثار حجي محمد المسألة نفسها قائلاً إن هذه الأفعال تزيد سعة الفجوة الواسعة اصلاً بين الشعب والحكومة وستدفع بعض مؤيدي الحكومة الى احضان طالبان. واضاف أن هذه الافعال ستثير المزيد من الكراهية ضد الأميركيين وتدفع الناس الى الثأر.