التوتر في تونس بين الليبرالية والاسلامية يأخذ منحى شخصيًا

بدأ التوتر الحاصل بين التيارات الاسلامية والعلمانية في تونس، التي يرأس حزب النهضة الاسلامي المعتدل حكومة ائتلافية فيها مع اثنين من الأحزاب العلمانية، يأخذ منحى شخصيًا، حيث اصبحت الخلافات على الأفكار الاجتماعية والممارسات الدينية تحصل بين أفراد العائلة الواحدة.


بيروت: بدأ التوتر بين العلمانيين والإسلاميين في تونس يأخذ منحى شخصياً، ويفرّق بين الإخوة والأخوات والأمهات والبنات، في الوقت الذي تتجه فيه البلاد نحو صياغة دستور جديد.
شعرت أمل بناجه بالغضب عندما رأت ابنتها ترتدي الحجاب قبل ثلاث سنوات، واستاءت لدرجة انها طردت ابنتها المراهقة من المنزل، إلى أن عادت منذ أشهر قليلة بعد التوفيق في علاقتهما، إنما ليس في رأيهما.

quot;ما زلت غير موافقة على ملابسهاquot;، تقول السيدة بناجه، التي تضع نظارة شمسية على شعرها المصفف بعناية، فيما تبتسم ابنتها رانيا، بهدوء وصبر.
في هذا السياق، اشارت صحيفة الـ quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; إلى أن الخلاف بين الأم وابنتها حول اللباس الإسلامي يعكس أكبر مناقشة أطلقتها الثورة في تونس منذ العام الماضي، وذلكبعد التخلص من عقود طويلة من الدكتاتورية: هل تونس الجديدة ستكون دولة علمانية، أو إسلامية، أو شيئاً بين هذين الخيارين؟

كيفية التعامل مع التونسيين بشأن النقاش حول الدين - وخاصة في كتابة دستور جديد- يمكن أن تقدم دروساً للدول العربية الأخرى مثل مصر وليبيا، حيث الانتفاضات الشعبية مكّنت الإسلاميين من الوصول إلى السلطة بعد اضطهاد طويل من قبل الأنظمة الاستبدادية.
ونقلت الصحيفة عن حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير برنامج منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قولها: quot;في الوقت الذي نتطلع فيه إلى الحكومة التونسية لتكون مثالاً يحتذى به من خلال تكريس الاحترام الكامل لحقوق الإنسان في الدستور الجديد للبلاد، فإنه من المقلق أن نرى أن هذه الطريقة في المعاملة ما زالت مستمرةquot;.

وأضافت: quot;أن ملاحقة وإدانة الناس على أساس التعبير السلمي عن آرائهم، حتى لو كان البعض يعبر عن رأي هجومي،غير مقبولة على الاطلاق وليس ما كنا نتوقعه من تونس الجديدةquot;، مشيرة إلى أن هذه الممارسات تذكّر بانتهاكات حكومة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ويجب أن تتوقف.

نقاش الشريعة

اليوم في تونس، يرأس حزب النهضة الاسلامي المعتدل حكومة ائتلافية مع اثنين من الأحزاب العلمانية، ويهيمن على الجمعية الوطنية المكلفة كتابة الدستور الجديد.
ويتركز النقاش حول ما إذا كان هذا الدستور يجب أن يعتمد على أسس الشريعة الإسلامية، أو quot;في طريق مماثلquot;، اعتماداً على الوصايا والحس الأخلاقي المستمد من القرآن الكريم.

وشارك الآلاف من التونسيين الشهر الماضي في مسيرة ضمّت المسلمين السلفيين المحافظين للمطالبة بالشريعة والتنديد بـ quot;كلاب العلمانيةquot;، على حد ما وصفت إحدى اللافتات المرفوعة في المسيرة.
وفي اليوم التالي، تعهد حزب النهضة بالحفاظ على المادة الاولى من الدستور الحالي، التي تشير إلى الإسلام كدين في تونس من دون الرجوع الى الشريعة الاسلامية.

وتقول المادة الأولى من دستور تونس: quot;تونس دولة حرة مستقلة وذات سيادة. دينها الإسلام، لغتها العربية، ونوع الحكم فيها هو الجمهوريquot;، وفقاً للترجمة التي قدمتها جامعة ريتشموند في فرجينيا .وقد رحبت الأحزاب العلمانية بهذه الخطوة.
من جهته، يقول نور الدين عرباوي، عضو المكتب التنفيذي لحزب النهضة: quot;نحن في مرحلة انتقالية، وعلى التونسيين أن يتكاتفوا معاً ويقدموا التنازلات من أجل النجاح في تحقيق التحول الديمقراطيquot;.

وأضاف: quot;نحن في حزب النهضة لا نريد دولة دينية، لكننا لا نريد دولة علمانيةquot;، معتبراً أن المادة الاولى من الدستور كافية لتلبية رغبة الناس في أن يلعب الإسلام دوراً بارزاً في حياة التونسيين.quot;
لكن الـ quot;ساينس مونيتورquot; نقلت عن سليم أغماني، استاذ القانون في جامعة قرطاج، بالقرب من تونس العاصمة، قوله أن المادة الأولى من الدستور تحمل الكثير من التأويل. ويشير إلى أن الرئيسين السابقين، الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، استخدما هذا التأويل لتبرير نصف قرن من العلمانية العدوانية.

حظر بن علي، الذي حكم من العام 1987 حتى الاطاحة به في العام الماضي، حزب النهضة وسجن الآلاف من المسلمين المحافظين بعد أن سجل الحزب نتائج جيدة في انتخابات العام 1989.
أما سلفه بورقيبة، فاعتبر الإسلام عائقاً أمام بناء الدولة الحديثة. وخلال ثلاثة عقود له في السلطة منع الحجاب وتعدد الزوجات، وقام بتوسيع نطاق حقوق المرأة، وسجن الإسلاميين.

ما سبب قلق الوالدة من ارتداء ابنتها الحجاب؟

بالنسبة للسيدة بناجه، كان حكم بورقيبة الحديث، يشكّل نقيضاً مريحاً لها من quot;اللاءاتquot; والقوانين التي كانت تفرضها عليها والدتها المحافظة.
وتقول: quot;كانت والدتي تعتبر أنه من المعيب أن أتمكن من الخروج من المنزل وحدي، أو أذهب إلى السينماquot;، لكن بورقيبة عزز هذه الحرية، أما اليوم quot;فأواجه معركة معاكسة مع ابنتيquot;.

في العام 2009، أدى اهتمام المراهقة رانيا بالنزاع الاسرائيلي - الفلسطيني إلى تقربها من الشريعة الإسلامية، وارتدت الحجاب قبل أيام من أن تطردها والدتها، حيث اضطرت إلى المكوث في بيت عمها إلى أن تصالحتا فعادت إلى المنزل.
في وقت لاحق، أَجبر رجال الشرطة رانيا،بالقرب من كليتها حيث تدرس اللغة الإنجليزية وآدابها، بالتوقيع على تعهد لإزالة حجابها. وتقول: quot;لقد عزز ذلك مشاعري حول الدين والسياسة. فكنت على يقين من أننا في نظام شريرquot;.

لكن والدتها تعتبر أن quot;أولئك الذين يريدون الشريعة ينظرون إلى المرأة على أنها ليست قادرة، وهناك بعض الرجال في تونس يريدون حبس المرأة في المنزل.quot;
لكن سليم أغماني، استاذ القانون في جامعة قرطاج، يقول إن استخدام الشريعة كأساس للقانون المدني أمر معقد، مشيراً إلى أنه quot;لا بد للعلماء أن يستخلصوا أولاً قواعد من الشريعة، في عملية تسمى الفقهquot;.

صلّ أكثر واخفض صوت الموسيقى

في حين تعتقد الشابة رانيا أن دستور الدولة يجب أن يقترب أكثر إلى الدين، يرى أيمن بن عبد الرحمان أن الأمور يجب أن تذهب في الاتجاه الآخر. فيقول: quot;يمكن أن تكون الدولة علمانية من الناحية العملية من دون جعل الناس يخشون من أن دينهم يتعرض للهجومquot;.

في الشهر الماضي حكم القاضي على رجلين بالسجن سبع سنوات لنشرهما الكتابات والرسوم الكاريكاتورية التي تنتقد الإسلام. واعتمد القاضي في حكمه على القوانين التي تعتبر التعدي على الآداب العامة بمثابة جريمة، وذلك في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وشارك بن عبد الرحمان في مظاهرة كبيرة أمام وزارة الداخلية يوم 14 كانون الثاني (يناير) 2011، التي كانت حاسمة في دفع زين العابدين بن علي على الفرار من البلاد تلك الليلة.

وتقول أُنس، شقيقة الشاب عبد الرحمن، quot;عندما سمعت أن زين العابدين بن علي رحل عن البلاد، قلت في نفسي: quot;أخيراً أستطيع أن أعيش وأمارس ديني وأرتدي الحجاب من دون أن يزعجني أحدquot;.
وارتدت أنس الحجاب الإسلامي وهي تدعم فكرة إقامة دولة تقوم على الإسلام.

وقد ساعدها شقيقها بانتقاء الملابس عندما قررت ارتداء الزي الإسلامي.
وعلى الرغم من دعمه لها تطلب أنس من شقيقها في بعض الأحيان أن يصلي أكثر ويتوقف عن سماع موسيقى الميتاليكا في المنزل.
لكن أيمن يجيبها ضاحكاً: quot;سوف أذهب إلى جهنم وأحضر حفلاً حياً لفرقة ميتاليكا هناكquot;!