اندفع المحتجون الذين خرجوا من المسجد الكبير في ضاحية دوما على اطراف دمشق نحو المراقبين الدوليين حتى كادوا يحيطون بهم من كل جهة دافعين الى المقدمة طفلا في العاشرة من العمر وهم يرددون الهتافات.

وكافح الطفل الذي ارتدى عصبة بألوان علم المعارضة لإسماع صوته فوق اصوات آلاف المحتجين الذين احتشدوا يوم الاثنين في المسجد والشوارع ضد ما قالوا انها انتهاكات صارخة يرتكبها النظام لوقف اطلاق النار بموجب خطة المبعوث الدولي كوفي انان.

وصرخ الطفل قائلا quot;انهم يرموننا ، انهم يطلقون النار عليناquot; فيما كان رجل وراءه يحمل لافتة تقول لمجلس الأمن الدولي ان السوريين سأموا الاكاذيب والمراوغات والنفاق والسخافات التي سمعوها من المجتمع الدولي. وتابع الطفل قائلا للمراقبين quot;ان رجلين استشهدا يوم أمس وسنشيعهم اليومquot;.
وكان المشهد الاستثنائي في هذه المنطقة الساخنة التي لا تبعد إلا نصف ساعة بالسيارة عن قلب العاصمة ، ينبض بالمعارضة والاحساس بأن الثلاثمئة مراقب الذين اقترحتهم الأمم المتحدة أقل بكثير من المطلوب لوقف سفك الدماء في سوريا. وقال ناشطون ان قوات النظام قتلت اكثر من 20 شخصا يوم الاثنين وحده في مدينة حماة.

وإذ ابتلع الحشد المراقبين الأربعة ذوي الخوذ الزرقاء الذين كادوا يختنقون بقوة انفعال المحتجين وكراهيتهم للرئيس بشار الأسد بدا المشهد تجسيدا للانفصام الساحق بين عمق الأزمة السورية من جهة وضآلة المجهود الدولي لأنهائها من الجهة الأخرى.

وفيما كان المحتشدون يرددون هتافات quot;هذه هي دوماquot; وquot;الشعب يريد اعدام الرئيسquot; نادى رجل من المتظاهرين quot;لا تقلقوا بشأن مطالب الشعب السياسية الآن اهتموا بحواجز التفتيش والقناصة الموجودين هناكquot;.

جاءت زيارة المراقبين لضاحية دوما في اطار جولة على البؤر الساخنة قادتهم ايضا الى الزبداني التي استأثرت باهتمام وسائل الاعلام في وقت سابق من العام عندما سيطرت المعارضة على رقعة كبيرة من وسط البلدة. ويعمل فريق الأمم المتحدة على التمهيد لوصول بعثة تضم 300 مراقب وافق مجلس الأمن على ارسالهم بعد اشهر من الأخذ والرد بين الدول الغربية والعربية المناوئة لنظام الأسد وحماته في موسكو وبكين.

وتجمع المواطنون حول المراقبين حين توقفت سيارتهم البيضاء ذات الدفع الرباعي لفترة وجيزة في الزبداني التي كانت ذات يوم منتجعا صيفيا لسكان العاصمة التي لا تبعد عنه إلا 30 كلم. وبدأت القصص تتدفق قبل ان تتوقف فجأة. وصرخ رجل quot;الى أين انتم ذاهبون؟ استمعوا اليَّquot; عندما شرع المراقبين يعودون الى سيارتهم استعدادا للرحيل وهو لم يزل في منتصف شكواه عن اعتقالات قال ان قوات النظام تقوم بها. ونادى رجل آخر باستماتة عبر نافذة السيارة المغادرة quot;قتلوا ابنتي. كانت في السادسة عشرة من العمرquot;.

في ساحة البلدة التي كانت تزهو بما سمتها المعارضة شجرة الحرية ، اختفت الشجرة واختفى معها ذلك الاحساس الهش بإقامة الملاذ الآمن الذي تحدثت عنه المعارضة يوم سيطرت على الزبادني ، بحسب صحيفة فايننشيال تايمز في تقرير من المنطقة. والآن روى سوريون في شارع قريب من الساحة قصصا مرعبة فيما كان مدفع دبابة مصوبا نحوهم رغم اعلان النظام التزامه بسحب قواته من المناطق المدينية بموجب وقف اطلاق النار.

ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن رئيس بلدية الزبداني مجد التيناوي ان نسبة الالتزام بوقف اطلاق النار تبلغ 80 الى 90 في المئة مع بعض الخروقات التي لا يعرف من المسؤول عنها.

في دوما لوح متظاهرون بذخيرة من العيار الثقيل قالوا ان قوات النظام استخدمتها ضدهم بينها دبابات تطوق المنطقة وتتوغل فيها ثم تعود.

وعلى سلم بناية في البلدة قال طالب اسمه محمد لصحيفة فايننشيال تايمز ان تظاهرات مديدة تُنظم خارج المسجد الكبير كل مساء بحماية الجيش السوري الحر تليها ساعات من اطلاق النار الذي يبدأه النظام.

ويقول النظام انه ضحية مؤامرة مدعومة من الخارج مشيرا الى انتهاكات لوقف اطلاق النار واعمال قتل يتهم الجيش السوري الحر بارتكابها. وقالت منظمة حقوقية معروفة ان عبوة ناسفة قتلت يوم الأحد اربعة من عناصر الأمن في دوما.

ورسم الطالب محمد صورة قاتمة لما سيحدث ما ان يغادر المراقبون هذا المعقل من معاقل الثورة حيث الأمل يبدو ضئيلا في انهاء معاناة السكان وأقل منه الأمل باي شكل من اشكال المصالحة. وقال محمد quot;انه يوم واحد فقط من الحرية ، ونأمل أن ينتهي بسلام ولكن هذا النظام لن يتنحى ما لم يقاتله جيش آخرquot;.