يرى مراقبون ومحللون أن الحل في سوريا يكمن في التزام النظام والمعارضة بخطة المبعوث الدولي كوفي أنان وتطبيق نهج الديمقراطية والحرية في البلاد، في وقت من المؤكد فيه أن المجتمع الدولي لن يستطيع التعايش مع استمرار نزيف الدم.


ما زالت حدة وتيرة الأزمة السورية في تصاعد مستمر منذ بدايتها العام الماضي حتى دخولها سريان وقف إطلاق النار، وهي التوصية المقدمة من كوفي أنان المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا والتي أقرتها هيئة الأمم المتحدة. وبدأ تنفيذها منذ ما يقارب الأسبوع وتتضمن وقف اطلاق النار الكامل من كلا الجانبين وارسال بعثة مراقبين والإفراج عن السجناء والأسرى والسماح للمنظمات الحقوقية بزيارة المناطق المنكوبة جراء اطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية للمنكوبين.

حظى هذا الإقتراح بتأييد المجتمع الدولي في خطوة هي الأكبر، وذلك لتجنيب سوريا الإنزلاق نحو أخطار قد تكون محدقة بالمجتمع السوري وحتى الإقليمي والدولي. وأبدى النظام السوري والمعارضة على السواء استعدادهم وتعاونهم لتقبل ذلك. فتم السماح لبعثة المراقبين بدخول سوريا والوصول إلى المناطق والأحياء التي تدور في رحاها الحرب لتفقد الوضع هناك.

وصول بعثة المراقبين إلى الداخل السوري، لم يستطع أن يوقف آلة القتل والدمار التي راح ضحيتها الآلاف من الناس المدنيين الأبرياء العزل الذين وقعوا بين فكين. فمن جهة النظام الحاكم القوي على أرضه، المتشبثبسلطاته المستمدة من شرعيته، ومن جهة أخرى المعارضة المتمسكة بمطلبها الوحيد وهو إسقاط النظام وافقاده تلك الشرعية. وهو ما يطرح تساؤلات عدة حول ماهية المصير الذي ينتظر سوريا بعد تلك المهمة، التي قد تكون في نظر الكثيرين خطوة قد لا تحقق الكثير مما يأمله الجميع، ولكنها قد تسهم في الخروج من نفق شلال الدم المتدفق، ودعوة للفرقاء إلى الإلتقاء على طاولة الإتفاق لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف وإعادة الحسابات بالتنازل عن أشياء مقابل إيجاد حلول لحلحلة الوضع والخروج من الأزمة.

وقد وجهت الأمم المتحدة الإتهامات لكل من الحكومة والمعارضة في سوريا بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ويأمل المحققون في أن يساعد وقف اطلاق النار في تهدئة الأوضاع، ووضع حد للإنتهاكات.

فقد ذكر حقوقيون في مجال حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة أنهم تلقوا تقارير تفيد بوجود بعض الخروقات التي حدثت من قبل الجانبين منذ دخول وقف اطلاق النار حيز التنفيذ. فالقوات السورية قامت بعمليات قصف واعتقال تمت في حماة وحلبودوما، كما أن جماعات مسلحة معارضة شاركت في القتال وإعدام عدد من جنود الجيش السوري النظامي الذين تم الإمساك بهم.

من جهته أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عن أمله في إعطاء بعثة المراقبين المكونة من300 مراقب حرية الحركة والتنقل في الوصول إلى أي مكان لتقديم المساعدات لمنكوبي الحرب.

وكان العقيد المغربي أحمد حلميش ، رئيس طليعة المراقبين الدوليين، في تصريح خاص سابق للبي بي سي قد قال:quot; إن المراقبين سيباشرون عملهم بالتنسيق مع الأطراف المعنية، وأنهم سيقومون بجولة خارج دمشقquot;.

كما وانتقد الأمين العام للأمم المتحدة النظام السوري في ما يختص بمصير المدنيين، قائلا:quot; الهجوم الوحشي مروع بشكل أكبر لأن الحكومة تشنه بنفسها لمهاجمة شعبها بشكل منهجي.quot;

من جهته، يرى الدكتور كلوفيس مقصود المندوب السابق لجامعة الدول العربية في الأمم المتحدة، وأستاذ القانون الدولي في الجامعة الأميركية في واشنطن وعضو البرنامج الإنمائي في الأمم المتحدة، بأن وقف اطلاق النار لوقف إراقة الدماء أولى أولويات الخطة التي تبناها مجلس الأمن بالإجماع، والحل للخروج من الأزمة يأتي بعدها مباشرة.كما ويعتقد بأن الموضوع الثابت الآن هو تحول المسألة من الغرب في كيفية التعامل مع النظام السوري. فبعد أن كان الهدف إسقاط النظام السوري تحول إلى امتحان لقبول النظام السوري في الانفتاح على الغرب والمعارضة والمجتمع في ظل ديمقراطية حقيقية وشفافة، قائلاً:quot; الآن النظام السوري يوضع فيامتحان حقيقي أمام نفسه والمجتمع الدولي في ما يختص بالانفتاح على الديمقراطية وحقوق الإنسان والدستور السوري. فعليه القيام بحوار جدي مع المعارضة في ظل وجود ديمقراطية حقيقيةquot;، مضيفًا:quot; من الصعب التنازل عن الصلاحيات المطلقة المتحكمة في المجتمع والجلوس مع المعارضة بعد كل هذه الدماء، ولكن بالتأكيد هي خطوة مهمة وضرورية لا بد من اتخاذهاquot;.

مؤكدًا على أنه لا بدائل أمام الطرفين،سوى بالقبول بالتسوية المطروحة من قبل مجلس الأمن بإيقاف اطلاق النار والإلتقاء على طاولة المفاوضات والحوار في ظلانفتاح ديمقراطي لحقوق الإنسان والتكيّف مع المستجدات الجديدة من قبل جميع الأطراف. فالنزيف المتصاعد يوميًا والذي يذهب ضحيته الآلاف من المدنيين لن يستطيع المجتمع الدولي التعايش معه.

قائلا:quot; إن الأمر يتطلب من النظام تضحيات كبيرة قد تكلفه التخلي عن مناصب ومراكز قوة رئيسية كالدوائر الأمنية المحيطة به، وإعادة هيكلة البنية السياسية، ما يضمن دخول المعارضة مع الحكومة وعدم اختزال السلطة في حزب واحد، والإهتمام بالبنية الإقتصادية للبلاد بما يسهم في إعادة اعمار البلاد.quot;

وحول فشل الأمم المتحدة في تقديم المساعدة والضغط في الإتجاه نحو التدخل لحل الأزمة. يعتقد أستاذ القانون الدوليبأن ذلك يعود إلى سببين أولاً التدخل الصيني والروسي واستخدام حق النقض في منع أي قرارات تضر النظام السوري،وهو ما يضر بمصالحهما . وثانيًا يعود إلى وضع سوريا الإستراتيجي المتميز والمتشابك اقليميًا وعربيًا ودوليًامع الكثير من الملفات الشائكة في المنطقة، فهي تقع بين تركيا والعراق وايران وفلسطين والأردن وتفكيكها قد يؤدي إلى حرب أهلية، وتحدق بها أخطار تتجاوز الإنتفاضة للشعب السوري والدول المجاورة، ويقول:quot; لذلك هنالك بطء حذر في التعامل مع الأزمة السورية.quot; معتبرًا أن الإجماع الذي حدث هش وليس حاسمًا ولكنه بالتأكيد خطوة أفضل من اللاإجماع.

غير أن الدكتور محمد كمال الصاوي، كبير المحللين السياسيين في وزارة الدفاع الأميركية سابقًا، يرى بأن تباطؤ المجتمع الدولي مع الأزمة السورية يعود إلى عدم وجود رغبة حقيقية للإيقاع بالأسد من قبل الأميركيين والإسرائيليين. وذلك يعود إلى التقديرات الأميركية التي ترى في تغيير النظام خطرًا يحدق بالإستقرار في سوريا قد يمتد إلى دول المنطقة، وهو ما قد يحدث تغييرًا في المعطيات السياسية الراهنة في المنطقة وعلاقات القوى فيها في ظل عدم وجود بدائل قوية في المعارضة في الوقت الراهن، بالإضافة إلى الدور الإسرائيلي في ذلك، الذي يرى بأن تغيير النظام يهدد مصالح اسرائيلوأمنها.

وعلى الرغم من التعاون الذي أبداه النظام السوري مع بعثة المراقبين الدوليين ، إلا أن ذلك لم يقدم تطمينًا كاملاً للمجتمع الدولي حول نوايا دمشق ومدى مصداقيتها في التعاون مع اللجان القادمة لمتابعة مع يحدث على الأرض، والتزامها بالبنود المطروحة في عدم اطلاق النار والسماح للمراقبين بالتحرك بحرية ومن دون قيود، وزيارة الأماكن المنكوبة جراء القصف واطلاق سراح السجناء.

وكانت سوزان رايس، المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ورئيسة الدورة الحالية لمجلس الأمن، قد أكدت بأنه في حال استمرار العنف، أو بعبارة أخرى في حال عدم صمود وقف اطلاق النار، فإنه سيضع الحكمة والجدوى من وراء وجود مراقبين موضع تساؤل، وذلك على حسب ما جاء في البي بي سي.

جاء ذلك التصريح بعد اعلان دمشق من أن قواتها سترد بقوة على الهجمات المتصاعدة التي يشنها المسلحون على القوات الحكومية والموالين للنظام، وهو ما شكك في نوايا دمشق تجاه الهدنة.

غير أن الدكتور الصاوي يعتقد جازمًا بقبول دمشق لبنود الإتفاق التي تم طرحها من قبل الأمم المتحدة، والتي تصب في مصلحتها. معتقدًا بأن الخروقات التي تحدث هنا وهناك لا يمكن أن تكون من جانب النظام، بل أن المعارضة المسلحة لها دور كبير فيتلك الخروقات،التي تصب في مصلحتها، وذلك لإظهار النظام بمنظر المتجني.

و يقرّ كل من الصاوي ومقصود بأنه لا يمكن عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورة. ولا يمكن للنظام السوري إعادة احتراز أوضاعه السابقة وسيطرته على الأرض كما كان في السابق. فلا بد من اجراء تغييرات جذرية من شأنها أن تسهم في تهدئة الأوضاع وهذا لن يكون إلا بتخلي النظام عن الإستئثار بالحكم والتعامل بشكل ديمقراطي والسماح للمعارضة بالمشاركة في الحكم.