البرلمان المصري

تدور في فلك السياسة في مصر أحداث لم تتحدد نهايتها حتى الآن ولا أهدافها، كإلغاء تصدير الغاز الى إسرائيل والجدل بشأن قانون العزل السياسي وغيرها من الأمور التي قد تضع مصر في حالة من عدم الاستقرار لمدة طويلة ما أثار غضب المصريين.


القاهرة: تموج الساحة السياسية في مصر بالكثير من الأحداث المتلاحقة التي لا أحد يعرف على وجه الدقة أسبابها، أو إلى أين ستنتهي، منها إلغاء تصدير الغاز لإسرائيل، وإلغاء اللجنة التأسيسية للدستور، والخلافات حول اللجنة الجديدة، والجدل بشأن قانون العزل السياسي، بالإضافة إلى ما أثير خلال الساعات القليلة الماضية، حول احتمالية صدور حكم قضائي بحل البرلمان بغرفتيه الشعب والشورى، ما أثار الكثير من الغضب في أوساط المصريين، الذين باتوا يشعرون أنهم يعودون للخلف، ولا يتقدمون خطوة للأمام منذ الإطاحة بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، لاسيما أنه إذا ما تم حل البرلمان، ستكون الثورة عادت إلى نقطة الصفر في بداية شهر مارس 2011، أي بعد سقوط نظام الحكم السابق بنحو 18 يوماً فقط. فيما حذر مراقبون من أن هذا السيناريو قد يفجّر أحداث عنف واسعة في مصر.

حل البرلمان في مايو

ووفقاً للنائب في مجلس الشعب مصطفى بكري المقرب من المجلس العسكري الحاكم في مصر، فإن quot;تاريخ 6 أيار (مايو) المقبل قد يوافق صدور حكم من الدستورية العليا بحل البرلمان، وإذا حدث ذلك سنعود لنقطة الصفرquot;، وأضاف في تصريحات تلفزيونية أن quot;نغمة التهديد التي تصدرها بعض القوى السياسية ـ في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين ـ لو تم حل مجلس الشعب عن طريق المحكمة الدستورية العليا، لن تفيد، وعلى الجميع الالتزام بالدستور والقانون مهما كان قرار المحكمة الدستورية، مشيراً إلى أن المحكمة الدستورية مستقلة ولا يوجد من يتحكم بقرارها الذي سيكون خلال الأسبوع القادم.

الحل مستبعد

أثارت تصريحات بكري الكثير من الجدل والقلق في الوقت ذاته بين المصريين، سواء السياسيين أو العامة، لاسيما أنه يعني العودة لنقطة الصفر، في ما فسره مراقبون على أنها تصريحات تأتي في سياق الحرب بين العسكر والإخوان، بينما استبعد نواب وخبراء قانونيون حل البرلمان، وقال الدكتور ثروت بدوي أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة لـquot;إيلافquot; إنه من المستبعد صدور حكم بحل البرلمان، مشيراً إلى أنه قد يصدر حكم بقبول الطعون المقدمة ضد بعض النواب، وأضاف بدوي أن الطعون المقدمة إلى المحكمة الإدارية العليا التي أحالتها بدورها على المحكمة الدستورية العليا تتمثل في عدم تحقيق المساواة بين المواطنين بسبب مادة إجراء الإنتخابات البرلمانية بنظام الثلثين للقائمة الحزبية، والثلث للفردي، ما حرم نحو 90% من المصريين من الترشح لانتخابات مجلسي الشعب والشورى، لصالح الأحزاب السياسية التي لا يمثل المنضمون إليها سوى نحو 5 أو 6% من تعداد الشعب المصري. ولفت بدوي إلى أن الإعلان الدستوري ينص على أن الإنتخابات البرلمانية تجري بالطريقة التي يراها القانون مناسبة، وهي عبارة جامعة مانعة، ولا تشكل خللاً دستورياً.

أزمة سياسية

ويذهب الدكتور وحيد عبد المجيد، النائب في مجلس الشعب إلى أن الحديث عن حل البرلمان بسبب مشاكل في قانون الإنتخابات، صدر
للمرة الأولى بعد إصرار جماعة الإخوان المسلمين على تشكيل الحكومة وسحب الثقة منها، وجاء في إطار الضغط على الأغلبية الإسلامية، لاسيما الإخوان من أجل التغاضي عن هذا المطلب إلى حين تسليم السلطة إلى رئيس منتخب
وأضاف عبد المجيد لـquot;إيلافquot; أنه في حالة صدور حكم بحل البرلمان فإن هذا يعني أزمة سياسية قد تفضي إلي عواقب كارثية، وقد يؤدي إلى اندلاع ثورة جديدة ضد العسكر. لكن عبد المجيد يستبعد صدور مثل هذا الحكم، وبرر لذلك بالقول إن الإعلان الدستوري أطلق يد المشرع في اختيار النظام الإنتخابي الأمثل، وبالتالي فليست هناك أية شبهة بعدم الدستورية حسبما يروج البعض.

محاولات لهدم الدولة

فيما استنكرت الدكتورة مارغريت عازر النائبة في مجلس الشعب الحديث عن حل البرلمان، وقالت لـquot;إيلافquot; إن ما يحدث هي محاولات متعمدة لهدم جميع مؤسسات الدولة، وأضافت أن بعد انتخاب البرلمان بغرفيته الشعب والشورى بثلاثة أشهر، يأتي من يطالب بحلّه بدعوى عدم دستورية القانون الذي أجريت الإنتخابات بناءً عليه، وتساءلت عازر: أين كان من أقاموا الدعوى طوال سبعة أشهر، حيث صدر القانون في أول نوفمبر الماضي، ثم أجريت الإنتخابات على مدار ثلاثة أشهر، وها هو البرلمان يعقد اجتماعاته منذ ثلاثة أشهر أخرى؟ ولفتت عازر إلى أن الإنتخابات البرلمانية في مصر كلفت مليار جنيه، وفي حالة حل البرلمان فإن الدولة سوف تتكبد مليار جنيه أخرى، من أجل إعادة إجرائها، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد أزمة إقتصادية طاحنة، وتتفاوض من أجل الحصول على قروض من الخارج.

وتابعت عازر بنبرة غاضبة: إنه بعد تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، تم الطعن فيها، وصدور حكم بإلغائها، عدنا إلى نقطة الصفر في مسألة وضع الدستور، وها هي الإنتخابات الرئاسية تواجه طعوناً مماثلة، ويمكن أن تصدر أحكام تشكك في صحتها أيضاً، وهذا يعني عدم الإستقرار لمصر، وأن هناك محاولات لهدم جميع مؤسسات الدولة، إذا ما أضفنا إليها محاولات سحب الثقة من الحكومة، و محاولات هدم المؤسسة العسكرية والتشكيك فيها أيضاً. وأضافت عازر أن كل هذا أدى إلى كفر المصريين بالثورة، ويهدد بوضع مصر لمدة طويلة في حالة من عدم الاستقرار.

غير أن عازر توقعت ألا تكون تلك الأنباء صحيحة، لاسيما أنه لم يصدر حكم قضائي بحل البرلمان بشكل فعلي حتى الآن، مشيرة إلى أن ما أثير مجرد تصريحات صحافية من بعض النواب، أو تلميحات من مسؤول هنا وآخر هناك، ودعت إلى التريث وعدم الإنسياق وراء الشائعات.

حرب بين العسكر والإخوان

ووفقاً للدكتور رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات، فإن هناك إحتمالا كبيرا، أن يكون الحديث عن حل البرلمان في إطار محاولات المجلس العسكري ممارسة ضغوط على جماعة الإخوان المسلمين من أجل الإسراع في تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، وعدم وضع العراقيل أمام عملها، للإنتهاء من صياغة الدستور في 30 حزيران (يونيو) المقبل، قبل تسليم السلطة إلى رئيس منتخب، وأضاف سيد أحمد لـquot;إيلافquot; أنه لا يمكن فصل هذا الأمر عمّا يجري على الساحة السياسية بين العسكر والإخوان، لاسيما أن إثارة هذا السيناريو للمرة الأولى جاء في أعقاب مطالبة الإخوان بإقالة حكومة الجنزوري المدعومة من العسكر، وتشكيل حكومة برئاسة حزب الحرية والعدالة صاحب الأغلبية البرلمانية.

ولكن لم يستبعد سيد أحمد في الوقت نفسه حل البرلمان، إلا أنه يحذر من خطورة هذا السيناريو على مصر، وأوضح أن هذا السيناريو قد يخلق صدامات شديدة بين العسكر والإسلاميين، مشيراً إلى أن هذه الصدامات ظهرت بوادرها في شكل التظاهرات المليونية التي خرجت الجمعتين الماضيين، وشارك فيها الإسلاميون بقوة. ولم يستبعد كذلك اندلاع أعمال عنف، وتكرار سيناريو 1954 من حيث انقلاب العسكر على الإخوان والثورة في هذه الحالة.

جسّ نبض

ومن جهتها، استبعدت جماعة الإخوان المسلمين حل البرلمان أو وقوع صدام مع العسكر إذا ما حدث ذلك، وقال الدكتور حملي الجزار النائب في مجلس الشعب إن سيناريو حل البرلمان مستبعد جداً، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن كل ما أثير عن هذا الأمر لا يعدو كونه مجرد تسريبات لجس النبض، ليس أكثر، مشيراً إلى أن قانون إنتخابات البرلمان صدر متسقاً مع الإعلان الدستوري، بناء على توصية من المحكمة الدستورية العليا التي عرض القانون عليها قبل إقراره.