أضحى ترشيح قيادات الأحزاب لأقاربهم، ظاهرة ملفتة للنظر في الجزائر، مع إقدام أكثر من قائد حزبي وأتباعه على ترشيح مقربين لهم من زوجات وأبناء ومن تربطهم بهم صلة الرحم. هذه الممارسة الرائجة يعزوها متابعون تحدثوا لـ إيلاف، إلى رغبة زعامات الأحزاب في تكريس عقلية التوريث والاحتكار، إلى جانب اهتزاز ثقة الساسة بفعل المؤامرات التي هزت أكثر من حزب إلى وقت قريب، ما يفسّر الإفراط في ترشيح قادة الأحزاب لأقربائهم.


ترشح أقارب الساسة زاد من لامبالاة الشارع الجزائري بالانتخابات

كامل الشيرازي من الجزائر: برز حزب الغالبية quot;جبهة التحرير الوطنيquot; في صدارة من انتصروا لسياسة quot;الأقربين أولى بالمعروفquot;، فعلى سبيل المثال وضع عبد الرحمن بلعياط، عضو المكتب السياسي للحزب، نجله في قائمة الجزائر العاصمة، بينما لم يتردد عبد القادر زحالي عضو المكتب السياسي المكلف بأمانة الشباب والطلبة في ولاية تيبازة ونائب رئيس مجلس الأمة، عن إقحام صهره ضمن قائمة الولاية المذكورة، ولم تسلم باقي ولايات البلاد من العدوى، بل الأدهى أنها انتقلت إلى القوائم الانتخابية في المهجر، عبر تواجد نجل عبد العزيز جوهري المكلف بالمالية في الحزب.

وضمن لائحة الشواهد، نجد أيضًا quot;أسماء بن قادةquot;، التي تربطها صلة قرابة بالعياشي دعدوعة، رئيس الكتلة البرلمانية لجبهة التحرير المنتهية ولايته، وجمال ماضي، رئيس المجلس الشعبي الولائي، الذي تربطه علاقة قرابة بــquot;لحسن فريخةquot; رئيس ديوان الأمين العام. أما عن ولاية الجلفة فرشح برادعي مداني عضو المكتب السياسي اثنين من عائلته، والقائمة طويلة.

على المنوال عينه، انضمّ الحزب الغريم quot;التجمع الوطني الديمقراطيquot; لقائده أحمد أويحيى إلى التقليعة الجديدة، لكن بطقوس مغايرة، إذ تؤكد مراجع مطّلعة أنّ ترشيح الأقارب في هذا الحزب أتى اضطراريًا، حيث تمّ ترشيح أبناء القيادات بسبب رفض المصالح المختصة قبول أسماء تورّطت في محذوري الفساد والرشوة، فكانت المحصلة أن تنازل أتباع الوزير الأول مرغمين لمصلحة أبنائهم وأقاربهم. أما في ولايتي تلمسان وبلعباس في غرب البلاد، فرشح وزيران حاليان أقارب زوجتيهما.

رغم الاختلاف في التوجه، إلاّ أنّ ما يسمّى quot;تكتل الجزائر الخضراءquot; (ائتلاف إسلامي) استنّ بسنة جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي، بل إنّ غالبية مرشحي ومتصدري قوائم هذا التكتل من أقارب رئيس النهضة، وكذا حركة الإصلاح، فيما ارتضى موسى تواتي رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية (حزب قومي معارض) ترشيح شقيقه وأحد أقاربه.

لم تقتصر الموجة على أحزاب السلطة، كما يحب مراقبون نعتها، بل انتقلت إلى الحزب الإسلامي الناشئ quot;جبهة العدالة والتنميةquot; لمتزعمها عبد الله جاب الله. هذا الأخير لم يشعر بالحرج من ترشيح زوجته ونجله.

ويقول المتابع محمد حميان إنّ جاب الله الذي سُحب البساط من تحت قدميه في حركتي quot;النهضةquot; (1998) والإصلاح (2004)، يبدو أنّه حفظ الدرس جيدًا على ضوء مرارة ما عاشه في المرحلة الماضية، ما أرغمه على مراجعة حساباته واختيار أقاربه، لأنّه بات لا يثق إلاّ بهم، بما أنّ من سبق له أن رشحهم تعاطوا معه بصنوف الخيانة، على حد تبرير جاب الله للانقلابين اللذين دُبرا له في حركتي النهضة والإصلاح.

الوضع نفسه تبنته quot;جبهة التغييرquot; التي تأسست حديثًا، فقد جرى ترشيح أقارب أعضاء مجلس شورى الحزب عن ولاية الجزائر، فيما استفادت ابنة كادر في الحزب إياه من الترشيح أيضًا، وطغت على قوائم جبهة المستقبل لقائدها عبد العزيز بلعيد أسماء أقارب أعضائها، وحتى حزب الحرية والعدالة لمتزعمه محمد السعيد كان له نصيبه أيضًا من هذه السياسة، لكن بشكل طفيف في بعض الولايات، حيث تم الاقتصار على ترشيح أقارب الأعضاء المؤسسين.

يُجمل المتابعان سمير بعيش وأنيس نواري والناشط الشاب محمد حميان، خلفيات ترشيح الساسة لأقاربهم، إلى الحرص على احتكار كل شيء، في تعزيز لنمط يسميه حميان quot;احتكار الثورة والثروة والسلطةquot;، وها هم اليوم يحتكرون الأحزاب، وساعدهم في ذلك ndash; يضيف ndash; فتح المجال السياسي على طبقة تريد الحفاظ على مكاسبها.

بالنسبة إلى حالة جبهة التحرير الحزب الأقدم في الجزائر، يسجل حميان أنّ قادتها أرادوا تجسيد وعودهم بالتشبيب ولو بالتمويه، حيث عمدوا إلى توريث أبنائهم، حتى لا يستلم المشعل إلا الأقرباء، والموضة تنطبق على غالبية الأحزاب الــ44، حتى وإن اختلفت الحجج والتبريرات.

الأمر مردود، بحسب حميان ونواري وبعيش، إلى انعدام وجود الثقة داخل الأحزاب، ومحاولة قادتها الانسياق وراء عارض التوريث وإبقاء هيمنتهم عبر بوابة النجل والزوجة والقريب، لكي تبقى أياديهم متحكمة ولو بطريقة غير مباشرة، في حين هناك من الأحزاب المجهرية من تلجأ ndash; بمنظور حميان ndash; إلى الأقارب، نظرًا إلى افتقارها إلى وعاء نضالي، فتعتمد الخطوة إياها تجنبًا للفضائح حتى لا تنكشف عيوبها للرأي العام المحلي.

موضوع الساعة هذا يختلف شرحه بحسب محللين من حزب إلى آخر، بيد أنّ أنيس نواري يحذر من كون المعطى سيزيد من عزوف مواطنيه لاسيما فئة الشباب التوّاق إلى التغيير والرافض لمن يسميهم quot;ديناصورات السياسةquot;. وينظر الناشط محمد حميان إلى المسألة على أنّها ستزيد من تنفير الناخبين، جازمًا أنّ اختيار الأقارب في القوائم سينتج بالضرورة تدني أعداد من سيراودون مكاتب التصويت في العاشر من أيار/مايو المقبل.

يؤيد سمير بعيش نظرة حميان ونواري من منطلق أن ظواهر كهذه تعكس مدى ضيق النظر والفكر الجامد ولا مسؤولية ولا نزاهة القيادات السياسية الحالية، وتتعارض مع ما يتشدق له هؤلاء عن quot;التشبيبquot;، وتثبت خياراتها مدى الأنانية والذاتوية المفرطة حتى على حساب مقياس الكفاءة، طالما أنّ كثيرًا من الأقارب الذين اختيروا، لا يتمتعون بالمؤهلات التي تسمح لهم بتقلّد مسؤوليات، ما يعكس مستوى الاستخفاف بالجماهير ووعيهم.

انتهاء، يركّز متابعون على حالة القلق المستفحل لدى الشارع، في ظلّ انتصار ساسة لأقاربهم بدلاً من كوادر شابة فتية حملة شهادات عليا ويتمتعون بشعبية كبيرة، ما يجعل الاقتراع المقترب quot;لا حدثquot; مثلما يشدد كثيرون.