بيروت: منذ اكثر من شهر، فقدت ام منير النطق بعد ان شاهدت اطفالها الخمسة وبينهم رضيع يقتلون امام عينيها بقذيفة سقطت على منزلها في مدينة حمص. منذ ذلك الحين، نقلها ناشطون الى بلدة في ريف دمشق حيث تمضي ايامها من دون اي تعبير على وجهها، ولا حتى اي دمعة.
وتروي سيدة ناشطة مع quot;الثوارquot; تستضيف ام منير في منزلها، ان المرأة التي لم تتجاوز الثلاثين quot;لم تقل شيئا منذ وصولها، بل اخبرني الاشخاص الذين اوصلوها الى هنا ما حصل. انها تحت الصدمة، وانا آخذها الى طبيب نفسي لمعالجتهاquot;.

في بلدات ريف دمشق وقراها، عدد كبير من العائلات المهجرة من المدن السورية التي تشهد اضطرابات، لا سيما من حمص التي تعرضت على مدى ثلاثة اشهر تقريبا لقصف مدفعي وصاروخي تسبب بمقتل مئات الاشخاص.
في جرمانا وركن الدين وقدسيا وغيرها، تستقبل بعض الاسر النازحين وتتقاسم معهم الطعام والشراب، بينما يتكفل ناشطون اجمالا بالمصاريف. وقد عمد هؤلاء ايضا الى استئجار منازل لعائلات ليس لها اقارب او معارف في المنطقة.

وتروي سيدة ترفض الافصاح عن اسمها في الخامسة والعشرين تقريبا من العمر لصحافي اثناء جولة مؤخرا له في المنطقة انها هربت مع اطفالها الاربعة من حي بابا عمرو في حمص بعد مقتل زوجها وتهدم منزلها.
وتقول quot;تعرض منزلنا لقصف عنيف ادى الى انهياره بالكامل، واستطعت النجاة مع أطفالي الأربعة بأعجوبةquot;.

وتضيف quot;انتقلنا من منزل الى آخر حتى قرر زوجي تهريبنا الى خارج الحي خوفا من وقوعنا أسرى بيد قوات النظام السوري التي كانت تقتل دون رحمة أو شفقة ولمجرد الانتماء الى بابا عمروquot;.
وتتابع بتأثر بالغ quot;قبل هروبي بيومين، تعرضت احدى جهات الحي لهجوم وكان زوجي يدافع الى جانب الجيش الحر، فاصيب في اطلاق النار اصابة خطيرةquot;.

وبعد نقله الى المكان الذي كانت فيه عائلته حاولت زوجته اسعافه بما توفر quot;لكنه توفي وهو يوصيني بالاطفال. دفناه في حقل مجاور للحي، وهربت مع الاطفال عبر البساتينquot;.
ودخلت القوات النظامية السورية حي بابا عمرو في حمص في الاول من آذار/مارس بعد ان قصفته لاكثر من شهر. وكشف بعد ايام عن quot;مجازرquot; عديدة داخل الحي وفي جواره اتهمت المعارضة قوات النظام بارتكابها، بينما نسبها النظام الى quot;مجموعات ارهابيةquot;.

وخلال حصار بابا عمرو، اضطر الاف الاشخاص الى الهرب عبر البساتين والطرق الوعرة سيرا احيانا بسبب القصف.
ولا تزال المرأة التي تغطي راسها وترتدي فستانا اسود طويلا تحمل على وجهها آثار جروح اصيبت بها خلال الهرب بسبب المعوقات على الطريق. وقد تركت حي بابا عمرو قبل يومين من سقوطه بايدي قوات النظام.

وتركت المعاناة آثارها كذلك على وجهها الذي يبدو اكبر بكثير من عمرها الحقيقي.
وتتابع quot;عندما وصلت الى هنا، لم أجد في البداية ثمن رغيف الخبز. بعت كل ما كنت احمل من ذهب، وحاولت ايجاد عمل، لكن الوضع لم يسعفني. الى ان وصلتنا المساعدات من عدد من الناشطين الذين تكفلوا بإيجار المنزل الذي اقطنه ومصاريف علاج طفلي الصغير الذي يعاني من مرض عصبيquot;.

اما أم هدى، فتعاني هي الاخرى من حالة نفسية صعبة. وتقول quot;قبل ان اترك حمص، سقطت قذيفة هاون على منزلي، فقتل احد اطفالي، واصبت انا في كتفي الايمن. خلال مسيرة الهرب الشاقة الى دمشق، فقدت ابنا ثانيا خلال نقلنا من حافلة الى اخرىquot;.
قيل لها انها ستجده لدى وصولها الى دمشق في حافلة اخرى، لكنه لا يزال تائها.

لا تتكلم ام هدى عن زوجها، فيما اربعة اطفال آخرون وصلوا معها يلعبون قرب المنزل الذي تقطن فيه. تغص وتتوقف عن الكلام.
يروي النازحون قصصا عن اعتقالات طالت كل الذكور في المناطق التي كانوا فيها، وعمليات قتل، وquot;اعتداءات جنسية على النساءquot; يقوم بها عناصر الامن وquot;الشبيحةquot;.

ولا يمكن لوكالة فرانس برس التحقق من هذه المعلومات بسبب القيود المفروضة على وسائل الاعلام في سوريا، الا ان منظمات غير حكومية نددت مرارا بانتهاكات لحقوق الانسان يقوم بها كل الاطراف في البلاد.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في الدول المجاورة لسوريا 61 الفا، بحسب مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، الى جانب مليون نازح على الاقل في الداخل بسبب اعمال العنف.

ويرفض منير (24 عاما) وماجد (30 عاما) اللذان توليا نقل عدد من العائلات من حمص الى العاصمة اعطاء اي تفاصيل شخصية عنهما، الا انهما يؤكدان انهما شهدا quot;اعدام شبان ميدانيا. كان الامن السوري طلب منهم بعد توقيفهم ان يقولوا +لا اله إلا بشار+، لكنهم رفضوا فتم قتلهم بطريقة بشعة للغايةquot;.

ويقول منير quot;استطعنا الهرب مع اكثر من عشر عائلات من النساء والاطفال. كانت رحلة شاقة الى دمشق، ولم يكن معنا سوى القليل من المال الذي جمعناه من بيع الذهب المتوفر بين النساء معنا، لكنه لم يكف لتأمين مكان لإقامة كل العائلات، الى ان ساعدنا ناشطون محليون هناquot;.

ويامل النازحون الا تذهب معاناتهم سدى.

ويقول سامر الذي اصيب بثلاث طلقات نارية في انحاء مختلفة من جسمه quot;لو اطلق بشار الاسد كل الرصاص الذي معه على اجسادنا، لن نستسلم وسنبقى نقاوم ومتأكدون من النصرquot;.