كل المؤشرات اليوم تفيد أن الجالية المنحدرة من أصول عربية اختارت التصويت لفائدة مرشح اليسار الفرنسي فرانسوا هولاند نظرا للخطاب الضارب في اليمينية الذي وظفه الرئيس المرشح نيكولا ساركوزي تجاه الهجرة والإسلام والذي تنظر اليه الشريحة المذكورة على أنه حرب ضدّها.
الاشتراكي فرانسوا هولاند بات المرشح المفضل للجاليات العربية في فرنسا |
باريس: سجل خلال الرئاسيات الفرنسية الجارية لدى أفراد الجالية المغاربية والعربية، خصوصا تلك التي تحمل جنسية بلد الإقامة وتتمتع بحق التصويت في الانتخابات، ميول نحو ممثلي اليسار بتمظهراته لا سيما مرشح جبهة اليسار لوك ميلانشو الذي حصل على نسبة مهمة من الأصوات في الدور الأول، وقائد الحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند.
العديد من جمعيات الهجرة دعت علانية للتصويت لفائدة ميلانشو خلال الدور الاول لأنه، برأيها، هو الذي quot;قدم برنامجا يساير تطلعات الجالية المغاربية والعربية في فرنسا، فقد كان يتوق لأن يمكن جميع المهاجرين من بطاقة الإقامة الدائمة التي يمتد عمرها لعشر سنوات، ومنح هذه الشريحة حق التصويت في البلدياتquot;، كما أنه يحمل تصورا لإعادة الاعتبار للأحياء الشعبية التي يقطنها بكثافة الفرنسيون من أصول مغاربية وإفريقية.
تعهد ممثل جبهة اليسار كذلك quot;بتسوية وضعية المهاجرين بدون أوراق، غلق مراكز اعتقال المهاجرين غير الشرعيين، إعادة الحق في الإقامة لأسباب صحية، الالتزام الصارم بقانون اللجوء السياسي، حق الحصول على الجنسية الفرنسية بعد خمس سنوات من الإقامةquot;.
أما على الجانب الدولي، فقد طرح تعهدات ذات أهمية كبيرة تعيد لباريس استقلالية قرارتها بشأن التدخلات العسكرية في العالم بانسحابه من الناتو، وسحب القوات الفرنسية من أفغانستان وكذا الاعتراف بدولة فلسطينية فرنسيا وأوروبيا.
بعد ميلانشو... فرانسوا هولاند
أكد الاقتصادي الجزائري أحمد دحماني أن quot;أغلبية جمعيات الهجرة دعت في البدء إلى التصويت لصالح ميلانشو لأن هذه الجمعيات في عمومها محسوبة على اليسار، ولا يمكن لها اليوم إلا أن تدعو للتصويت لفائدة هولاند لأنه ممثل اليسار الوحيد في جولة النهاية للانتخابات الرئاسية زيادة على أنه مع منح حق التصويت لفائدة المهاجرينquot;.
يضيف دحماني في حديث لإيلاف أن quot;اليمين عرف عنه تقليديا أنه هو الصف السياسي الذي كان باستمرار إلى جانب الأنظمة العربية بما فيها المغاربية، كما أن اليسار متواجد بقوة في جمعيات حقوق الإنسان الفرنسية، وهي جمعيات عادة ما تنتقد بشدة دول عربية، ومنها ما يمكن أن يكون له تأثير مباشر على السياسة الخارجية لحكومة فرنسية يسارية، كما أن مفهوم فرنسا إفريقيا تشكل أساسا نتيجة سياسة اليمين الفرنسي بهذا الاتجاهquot;.
يؤكد الإعلامي والمحلل السياسي يوسف لهلالي أهمية نجاح هولاند بالنسبة للجالية المغاربية والعربية قائلا: quot;مستقبل الجالية العربية مع فرنسوا هولند، خاصة أنه متمسك بحقهم في التصويت في الانتخابات البلدية لمن ليست لهم بعد الجنسية، وهو أمر يرفضه اليمين وزعيمه نيكولا ساركوزي، الذي يجري وراء اصوات اليمين المتطرف المعادي للمسلمين بفرنساquot;.
ويواصل لهلالي في ذات السياق مصرحا لإيلاف quot;أن هولاند ينتمي إلى تقليد إنساني وكوني، له نظرة ايجابية تجاه الهجرة والأجانب وباقي الحضارات، في حين أن أغلب مكونات اليمين الفرنسي تنظر بشكل جد سلبي للهجرة والمهاجرين ولها وجهة نظر متعالية نحو باقي الحضارات، وهذا ما أكده وزير الداخلية الفرنسي كلود كيون عندما قال إن الحضارات ليست متساوية وكان يقصد الحضارة العربية الإسلاميةquot;.
كما يرى ضيفنا، وهو من أصل مغربي، أن quot;الحكومات العربية كانت تفضل في السابق اليمين الذي لا يعاكس هذه الانظمة السلطوية التي كانت سائدة في المنطقة. لكن بعد الربيع العربي الديمقراطي تغيرت الوضعية، والعديد من الانظمة السلطوية سقطتquot;.
أما فيما يخص المغرب، فيقول لهلالي: quot;في السابق كانت له علاقات معقدة مع اليسار في عهد الرئيس السابق فرنسوا ميتران، لكن حاليا العلاقات جيدة مع اليمين واليسار والمصالح بين البلدين فوق التغييرات السياسية. وملك المغرب لم يتردد مؤخرا في استقبال زعيمة المعارضة الفرنسية مارتين أوبري خلال زيارتها للمغرب في اطار الحملة لصالح المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاندquot;.
ويتابع بشأن الجزائر قائلا quot;هي الاخرى لاعتبارات تاريخية تفضل اليسار الفرنسي لأنه اكثر تفهما للحقبة الاستعمارية الصعبة بين البلدين. ولا يبحث على المواجهة في العلاقة مع الجزائر التي تعتبر جد معقدة وأحيانا متوترة بسبب 130 سنة من الاستعمار الاستيطاني بكل مخلفاتها الانسانية والاجتماعية والنفسيةquot;.
quot;التصويت الحلالquot;
كان التجمع العالمي الأمازيغي من خلال رئيسه المنتدب المكلف بالشؤون الخارجية دعا في رسالة له الفرنسيين من أصل أمازيغي إلى استخدام quot;التصويت العقابيquot; ضد ساركوزي حاثا إياهم على ما اعتبره quot;دفاعا عن القيم والمصالح الأمازيغيّة عبر المشاركة المكثّفة ضمن الانتخابات الرئاسية الفرنسيةquot;.
أبرزت الرسالة حيثيات هذا الموقف إذ ربطه التجمع بقضية محمد مراح والطريقة التي تعاطت معها باريس حيث رأى فيها quot;مغازلة لليمين المتطرفquot;، كما انتقدت quot;تهميش ساركوزي لأمازيغ ليبيا على حساب الإسلاميينquot; موضحة أن quot;هؤلاء أدوا تضحيات جسام من أجل إنهاء ديكتاتورية القدافيquot;.
كما لم يخف التجمع، وهو الكونغريس العالمي الأمازيغي سابقا، اعتراضه على الموقف الفرنسي بشأن إعلان الطوارق في شمال مالي إقامة ما أسمته الرسالة quot;دولة لائكيّة ديمقراطيّة إفريقيّة أعلن عنها طوارق الأزوادquot;، معتبرا بذلك أنه quot;لا يستحقّ بتاتا ثقة الفرنسيّين من ذوي الأصول الأمازيغيّةquot;.
من جهتها، ارتفعت أصوات إسلامية تدعو المسلمين إلى التصويت بكثافة دون أي توجيه معين منها، حيث اعتبر عميد مسجد باريس دليل أبوبكر أن هذا يضر بالمسلمين، فيما حث أحد الأئمة في المقاطعة 16 في باريس خلال الدور الأول إلى عدم التصويت لمارين لوبن.
وحتى و إن لم تدع الجمعيات الإسلامية علانية إلى ما أسماه أحد الأئمة quot;بالتصويت الحلالquot; في إيحاء إلى وضع ورقة فرانسوا هولاند في صندوق الاقتراع، فهي لمحت إلى ذلك بعد انتهاء سنوات العسل التي جمعتها مع ساركوزي التي امتدت لسنوات.
إلا أنه ابتداء من 2010 دخلت هذه العلاقة في مرحلة أخرى نتيجة مسايرة الرئيس المرشح لتيار داخل الأغلبية اليمينية قريب في أفكاره من إيديولوجية اليمين المتطرف بخصوص ما يرتبط بالإسلام والهجرة، زيادة على اعتماده اليوم على خطاب مماثل تماما لذلك الذي عرفت به الجبهة الوطنية.
قراءات أفادت أن قسوة خطاب ساركوزي خلال حملته الجارية بين الدورين ضد الأجانب والمهاجرين عموما هو تحول واضح في استراتيجيته الانتخابية بتوجهه إلى ناخبي اليمين المتطرف، ملاذه الأخير في جمع الأصوات، وإدارة ظهره للفرنسيين المسلمين والمنحدرين من الهجرة المغاربية والعربية عموما، لأنه يدرك جيدا أن شعبيته تدهورت بقوة في أوساطهم.
وتتحدث أرقام لمعهد quot;انسيquot; المتخصص في الإحصاء عن وجود أكثر من مليوني مسلم في فرنسا، تترواح أعمارهم بين 18 و 50 سنة، فيما تقدر أرقام أخرى حكومية عددهم بما يربو عن أربعة ملايين مسلم، إلا أنه عرف عن هذه الشريحة أنها لا تنخرط في اللعبة السياسية بكثافة.
التعليقات