رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي

يدور في العراق جدل محتدم بين حزب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وخصومه وحتى حلفائه حول ترشيح المالكي لولاية ثالثة، حيث يطالب المعترضون بسن قانون يحدد ولاية رئيس الوزراء بولايتين مثل رئاسة الجمهورية، فيما يصر حزب المالكي على أن التأييد الشعبي هو الحكم في التجديد من عدمه.


أمستردام: بعد أن تجاوز رئيس الوزراء العراقي عقبة سحب الثقة من قبل خصومه السياسيين خاصة زعيم القائمة العراقية إياد علاوي ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني، تطارده اليوم معضلة تزداد حصاراً له وهي تحديد مدة رئاسة الوزراء بدورتين انتخابيتين فقط، فيما هو يخطط من الان للبقاء بمنصبة لدورة ثالثة مستفيداً من عدم وجود نص تشريعي في الدستور العراقي حيال عدد ولايات رئيس الوزراء.، إذ تقول المادة الثانية والسبعين- أولا- من الدستور العراقي تنص على تحديد ولاية من يتولى منصب رئيس الجمهورية بدورتين انتخابيتين كحد أعلى.

ولم تحدد هذه المادة أو أية مادة أخرى في الدستور العراقي مدة ولاية من يتولى منصب رئيس مجلس الوزراء. حيث يدعو عدد من النواب سن قانون جديد يحددها بسنتين، لكن جميع تلك المحاولات باءت بعقبة اعتراض كتلة رئيس الوزراء نوري المالكي الذي كان أشار في مناسبات سابقة الى عدم رغبته في الترشح من جديد، غير أن تبدل التحالفات والمناكفات بين الساسة العراقيين تشير الى نية المالكي وحزبه بترشيحه مرة أخرى اذا حقق فوزاً في الانتخابات مشابها لانتخابات عام 2010، معتبراً ذلك مطلبا شعبياً، وفق ماصرح به النائب عباس البياتي أحد قادة ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي لصحيفة عراقية quot;الذين يخشون التجديد للمالكي قد استطلعوا الرأي الشعبي ويعرفون أنه سيجدد لهquot;، مشيراً إلى ان quot;شعبية المالكي بتصاعد ولا أحد يستطيع أن يقيـّد ارادة المواطن في أن يحدد من يريد التصويت لهquot;.

لكن رغبة حزب المالكي تصطدم باعتراضات الحلفاء قبل الخصوم السياسيين، في مقدمتهم مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري الذي كان لتحالفه بعدد نوابه الاربعين في مجلس النواب دعماً واضحا للتجديد للمالكي في ولاية ثانية عام 2010، بعد عملية ولادة عسيرة تمخضت عنها حكومة الشراكة الوطنية في quot;مستشفى أربيلquot; تخللتها وعود وتنازلات شتى من جميع الاطراف المتخاصمة، فوزعت المناصب وفق مبدأ الترضية مبتعدة كثيرا عن الكفاءات، ليشهد العراق أكبر عدد من الوزراء في حكومة واحدة حيث وصل عددهم الاربعين وزيراً، ليتم ترشيق الوزارة بعد أشهر وتكر مسبحة المناكفات من جديد.

هذه المرة يبدو خصوم وحلفاء المالكي أكثر إصراراً من ذي قبل على مطلبهم بعدم التجديد له في ولاية ثالثة فمقتدى الصدر الذي حل ضيفاً فوق العادة في أربيل الاسبوع الماضي بحث مع برزاني quot;عدم التجديد لولاية ثالثة لرئيس الوزراء نوري المالكيquot;، وفق ماصرح به الامين العام لكتلة الآحرار (الصدر) ضياء الأسدي. وهو مطلب يتوافق مع من التقى في لقاء أربيل التشاوري وغاب عنه المالكي أو من يمثله فيما حضره إضافة للصدر كل من أياد علاوي والرئيس العراقي جلال الطالباني ورئيس البرلمان أسامة النجيفي.

من جانبه يبدو عمار الحكيم صامتا مترقبا ما ينجلي عنه غبار الصخب السياسي، لكن صمته لم يبتعد عن رغبات بقية القادة السياسيين من خشية التفرد بالسلطة من قبل المالكي المأخوذ بعدم الثقة بالاخرين ويخشى الانقلاب عليه من أقرب الحلفاء كما يردد اللحفاء والخصوم.

ويستند المصرحون بعدم رغبة الحكيم بالتجديد للمالكي لوقوفه ضد التجديد بواية ثانية للمالكي عام 2010 فكيف بولاية ثالثة عام 2014 حيث كان ومازال القيادي في تيار الحكيم عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية (أستقال العام الماضي) مرشحه بديلا عن المالكي.

وياتي ضمنعدم الرغبة هذهتأكيد المجلس الاعلى الإسلامي العراقيالذي يترزعمه الحكيم اليومعلى انه دفع ثمنا لرفضه تمركز السلطة بيد طرف واحد ومن أجل الفصل بين مفهوم الشراكة الوطنية وكيفية بناء الدولة في اطارها وبين تمركزالسلطة بيد طرف او جهة.

وقال المتحدث الرسمي باسم المجلس الشيخ حميد معله الساعدي في تصريح صحفي اليوم quot;إنه من الضروري التفريق بين بناء مفهوم واضح للشراكة الوطنية وهو ما ندعمه بقوة ونعمل عليه وبين تمركز السلطة بيد طرف واحد او جهة واحدة وهو ما نرفضه بالطبع
quot;. وشدد المتحدث بأسم المجلس الاعلى على quot;أن التحالف الوطني يؤكد على حكومة الشراكة الوطنية التي تمثل الجميع وليس تعزيز السلطة وبالتالي فأنه يقف ضد الممارسات الخاصة بتعزيز السلطة , وانه يقف موقف التاييد لكل خطوة تهدف الى تعزيز الشراكة , وتقليص عملية تمركز السلطة.

لكن المالكي يعتمد في سعيه لتحقيق أي مطلب يلقى خلافا، بتحييدهم أولا من خلال ترسيخه كأقوى سياسي شيعي عراقي تمكن من جمع رضا كل من إيران وأميركا بما يملكانه في العراق من نفوذ وتقاطعات. غير أن إصرار هؤلاء الحلفاء على عدم التجديد له واتفاقهم في ذلك مع خصومه جعله يصمت عن محاولة كسبهم او الاستعانة بطهران حتى في ذلك خاصة بعد تزامن مطلب عدم التجديد بولاية ثالثة مع مطلب سحب الثقة منه برلمانيا التي تخطاها بدعم حلفائه في الائتلاف الوطني العراقي ( الشيعي) الذي أتى به للسلطة. لكن مايخشاه المالكي أن يكون هؤلاء قد بادلوه بايقاف سحب الثقة بمطلب عدم التجديد بولاية ثالثة.

في هذه الاثناء تشير أنباء بغداد الى مهلة مئة يوم أو اربعة أشهر سيمنحها قادة الكتل للمالكي لحل الازمة السياسية في العراق وفي مقدمتها تقديم الوزراء الامنيين الذين حتى الان تدار وزاراتهم تحت إشراف المالكي، وحل بقية الخلافات خاصة مع إقليم كردستان بشأن المناطق المتنازع عليها والعقود النفطية ورواتب حرس الاقليم (البيشمرغة)، مع تهديد بزراني بانفصال الاقليم في دولة مستقلة، وخلافاته المتجذرة مع القائمة العراقية بما يراه قادتها من سياسة التهميش مستدلين على استبعاد نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات صالح المطلك وملاحقة نائب رئيس الجمهورية بتهم الارهاب طارق الهاشمي المقيم حاليا في اسطنبول وتجري محاكمته غيابيا الخميس المقبل.
لكن مراقبين عراقيين يرون أن المالكي أتقن الخروج من الأزمات منتصراً من خلال تأزميم الخلافات بينهم تخويفاً وترغيباُ.

ويدرج هؤلاء المراقبون، كتأكيد على سعي المالكي لشق صف مناوئيه، ماحصل للقائمة العراقية بزعامة علاويالتي كانت تمتلك 91 مقعدا نيايبا وترى أن منصب رئاسة الوزراء استحقاقا لها بفوزها على ائتلاف المالكي في الانتخابات بفارق مقعدين، وتمكن من شق هذه القائمة التي لم تكن متينة الأساس لاجتماعها على مصالح شخصية كما يردد منتقدوها.

ويربط المراقبون تصريح كتلة العراقية الحرة، مؤخراً، بسعي المالكي لقهر خصومه وحلفائه المعترضين على ولايته الثالثة، فترى كتلة العراقية الحرة أن المعارضين لرئيس الحكومة نوري المالكي يحاولون ابتزازه عن طريق طرح موضوع عدم التجديد له لولاية ثالثة، مؤكدة أن الدستور لم ينص على عدد الولايات إنما حُدد ذلك بصناديق الاقتراع. وتؤكد النائبة في هذه الكتلة عالية نصيف أن quot;هناك تحالفات جديدة تظهر على الأفق سواء مع المالكي أو ضده، والجبهة التي تقف ضده تحاول ابتزازه عن طريق طرح موضوع عدم التجديد له لولاية ثالثةquot;، لافتة الى أن quot;الدستور ينص على أن يتم تداول السلطة سلميا وعبر صناديق الاقتراع، ولم يشر الى عدد الولايات التي من الممكن أن يترأسها الشخص الواحد كرئيس وزراءquot;.

وبرغم بقاء علاوي مصرا على احقيته بتشكيل الحكومة التي وافق على الدخول فيها مضطرا، لكن يظل دائم السعي للعمل بكل وسيلة على الاطاحة بالمالكي.

ولا يسبعد مراقب عراقي من تصعيد المالكي للخلاف مع إقليم كردستان مع اقتراب نهاية العام حيث ستبدا انتخابات مجالس المحافظات التي تعتبر اختبارا حقيقيا لمن سيفوز في الانتخابات التشريعية عام 2014.

ويرى أن صدامات عسكرية وتحشيد قوات على حدود اقليم كردستان قد تشهده الاشهر المقبلة، ويربط المراقب العراقي مخاوف رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني التي أفصح عنها مؤخراً من نية المالكي ضرب إقليم كردستان بطائرات أف 16 التي تعاقد عليها مع الولايات المتحدة الأميركية.

ويتوقع أن يحشد المالكي التأييد له طائفياً أو قومياُ في أي تصعيد للخلاف مع خصومه مستفيداً من حمى الشارع العراقي الطائفية والقومية حيث يرى نفسه مؤهلا لقيادة السنة والشيعة في أي خلاف متصاعد مع الإقليم الكردي مستفيداً من صمت الرئيس طالباني وعدم رضاه على مطالب برزاني في استقلال كردستان في الوقت الحالي، وحرج خصمه اللدود علاوي وحلفائه المنزعجين الحكيم والصدر.