قادة سياسيون عراقيون مجتمعون في منزل الرئيس طالباني في بغداد

وسط تصاعد خلافات القوى السياسية حول مشروع الرئيس العراقي جلال طالباني لاعادة ترسيم حدود محافظات البلاد، شنت الكتلة العراقية بزعامة أياد علاوي أعنف هجوم ضد المشروع معتبرة أنه مريب ومثير للشكوك، وفي غير أوانه مؤكدة أنه يثير أزمة ستفجر أوضاع البلاد الهشة أصلاً، لكن الأكراد يعتبرونه واقعياً ويصحح إجراءات تعسفية اتخذها النظام السابق في حين أبدت قوى أخرى تحفظات على المشروع.

وقال مستشار الكتلة العراقية هاني عاشور إن مشروع إعادة ترسيم حدود المحافظات الذي طرحه طالباني يمكن أن يشعل ازمة في غير آوانها وسط ازمات يشكو منها العراق إضافة إلى التدهور الامني والاقتصادي الذي يعانيه العراقيون.

وأوضح أن توقيت طرح هذا الموضوع مع الانسحاب الاميركي يبعث الريبة ويثير الشكوك من ان هناك اجندات يمكن أن تتحرك لتثير الواقع العراقي المتأزم اصلا . وشدد في تصريح مكتوب تلقته quot;إيلافquot; اليوم الأربعاء على أن المشروع يمكن ان يهدد الوحدة الوطنية والاجتماعية العراقية في هذا الوقت فيما يتطلب الوضع الان طرح افكار تساعد على تجاوز الاحتقانات والازمات وتشيع الوحدة الوطنية وتجاوز كل ما يمكن ان يثير ازمة داخلية عراقية وتأجيل المشاريع الاخرى لوقت يكون فيه الوضع العراقي مؤهلا لخوض حوارات هذه المشاريع.

وقال عاشور ان حملات الاعتقالات ودعوات الأقاليم والانهيار الامني والاقتصادي تثير الوضع العراقي، وان اضافة مشروع حدود المحافظات لكل ذلك يمكن أن يفجر الاوضاع بما لا ينسجم مع متطلبات المرحلة.

وأكد ضرورة تأجيل كل مشروع من شأنه أن يضعف الوعي الوحدويّ الوطني وان لايتحول وقت انسحاب القوات الاميركية الى وقت تصفية حسابات أو إثارة نزاعات، بل يجب التفرغ لرسم استراتيجية عراقية لتجاوز آثار الاحتلال الأميركي خلال السنوات التي مرت واستعادة البنى التحتية التي شهدت الخراب خلال السنوات الثماني السابقة من عمر الوجود الأميركي.

وطالب الحكومة بالعمل على إعادة ترتيب أوراقها وتبتعد عن الانفعالات في تصرفاتها لكي لا تفسح المجال لبروز مشاريع تضعف هيبتها وتشتت الجهد العراقي الموحد وان لا تلجأ الى اثارة قضايا مثيرة للجدل تبرر طرح مشاريع أكثر إثارة للجدل والخلاف.

وعلى خلاف ذلك، اعتبر المستشار الكردي لرئيس الوزراء نوري المالكي عادل برواري ان مشروع طالباني لا يعد خرقاً للدستور الذي نصّ على ضرورة تنفيذ المادة 140 منه وحل المشاكل العالقة وترسيم حدود المحافظات والمناطق المتنازع عليها . وأوضح أن إعادة الترسيم ستتم بناء على الوضع السكاني والجغرافي الذي كان سائدا قبل حقبة النظام السابق الذي غيّر كثيراً في تركيبة سكان تلك المناطق.

وتنص المادة الدستورية 140 على تطبيع الأوضاع في محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها في المحافظات الأخرى مثل نينوى وديالى قبل اخضاعها لاستفتاء حول انضمامها الى اقليم كردستان او البقاء تحت اشراف الحكومة المركزية. واعلنت الحكومة قبل اشهر تعيين وزير النقل الحالي هادي العامري القيادي في المجلس الاسلامي الاعلى رئيسا للجنة تطبيق المادة 140 .

ومن جانبه، استبعد النائب عن محافظة كركوك عمر الجبوري أن يحمل مشروع طالباني حلولا لمشكلة المناطق المتنازع عليها وقال quot;لانتوقع ان يتضمن المشروع معالجات للمشكلة ولاسيما ان ما اعلن يؤكد تغيير الحدود الادارية وهذه المسألة لاتتحقق بطرح مشروع وانما عبر متطلبات ادارية تأخذ في الاعتبار طبيعة السكان ورغبتهم.

اما كتلة الاحرار الممثلة للتيار الصدري والمنضوية ضمن التحالف الوطني quot;الشيعيquot; فقد ابدت تحفظها على اية خطوة تستغل الانسحاب الأميركي للحصول على مكاسب قومية وخصوصا quot;في ترتيب خريطة جديدة للمناطق المتنازع عليها وحسمها لصالح جهة معينة على حساب اخرىquot; كما قالت.

ومن جهته، اشار ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي الى انه كان من المفترض التمهيد لمقترح رئيس الجمهورية الخاص بترسيم الحدود بين المحافظات من خلال إجراء التعداد العام للسكان متوقعاً أن يواجه المقترح نقاشات كثيرة في البرلمان . وقال النائب عن ائتلاف دولة القانون أحمد العباسي إن quot;من حق رئيس الجمهورية دستورياً تقديم أي مقترح لمجلس النواب العراقيquot;.

مشيراً إلى أن quot;مقترح طالباني بشأن ترسيم الحدود بين المحافظات سيواجه نقاشاً كثيراً في البرلمان من أبرزها تلك الخاصة بالمادة 140 التي أصبحت عديمة الجدوى بحكم الدستور لأنها حددت بتوقيتات زمنية انتهت مدتها ما يؤكد عدم إمكانية العمل بموجبهاquot; كما نقلت عنه quot;وكالة السومرية نيوزquot;.

وأضاف أن quot;العمل يجري الآن بأجزاء من المادة 140 لا من أجل تطبيقها إنما ضماناً لديمومة العلاقة مع إقليم كردستان العراق وبين المركز والمحافظاتquot;. وأوضح أن quot;التعداد العام للسكان يضمن تحديد أعداد ونسب المكونات في المحافظات المشمولة التي تضم مناطق متنازع عليها لاسيما كركوك ..مشدداً على quot;ضرورة إجراء التعداد فلا يمكن تطبيق المقترح الرئاسي من دون استكمال تلك الإجراءاتquot;.

مخاوف

وتتخوف مصادر عراقية من أن يؤدي مشروع طالباني الى تفجر نزاعات بين المحافظات العراقية المتجاورة حيث يطالب اقليم كردستان بضم مدينة كركوك الشمالية الغنية بالنفط الى محافظاته الثلاث التي يحكمها منذ عام 1991 اضافة الى مناطق اخرى في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى كما تطالب محافظة كربلاء quot;الشيعيةquot; بمناطق تقول إنها انتزعت منها وضمّت الى محافظة الانبار quot;السنيةquot; في زمن النظام السابق إضافة الى مطالبة محافظة بغداد في مدن بلد والدجيل وسامراء التي سلخت منها وألحقت بمحافظة صلاح الدين في زمن ذلك النظام ايضا.

وهذا الأمر من شأنه ان يثير نزاعات خطيرة داخل كركوك نفسها بين مكوناتها التركمانية والكردية والعربية والمسيحية حيث يؤيد الاكراد بقوة تنفيذ المادة 140 فيما يعارض التركمان والعرب فيها ذلك، لخوفهم من احتمال ضم المحافظة الغنية بالنفط إلى إقليم كردستان العراق بعد اتهامهم للأحزاب الكردية بجلب مئات آلاف السكان الاكراد الى المدينة لتغيير هويتها السكانية.

وإزاء كل هذه التداعيات، يتوقع العراقيون ان يلاقي مشروع القانون صعوبة وسجالا بين الكتل السياسية بسبب حساسية الموضوع خاصة في الوقت الحالي وسط دعوة العديد من المحافظات لإنشاء الأقاليم.

ويخشى العراقيون أن يثير مشروع إعادة ترسيم الحدود الإدارية للمحافظات مشاكل جديدة تهدد وحدة البلاد واستقرارها خاصة مع التفاعلات الحالية حول اعلان بعض المحافظات التحول الى اقاليم مستقلة اداريا واقتصاديا وما تفرزه من تصعيد يومي في الخلافات بين القوى السياسية والحكومات المحلية وحكومة بغداد المركزية.

واضافة الى هذه التحديات الخطيرة، هناك ايضا العامل الخارجي الذي يؤثر في تطورات الاوضاع العراقية ومثال ذلك الموقف التركي الرافض بشدة لإلحاق مدينة كركوك التي تسكنها اغلبية تركمانية بالاقليم الشمالي الكردي. ويدعم تركمان وعرب المدينة جعل محافظتهم إقليمآ فيدراليآ محايدآ يجمع القوميات التركمانية والكردية والعربية اضافة الى المسيحيين ولايخضع لسلطة الأكراد.