رجال الدين في مصر يطلقون فتاوى حول الانتخابات الرئاسية

لأنه سلاح فتاك وفعّال، فقد لجأ إليه الإخوان من جديد في معركة الإنتخابات الرئاسية في مصر، لاسيما أنها تعتبر معركة حياة أو موت بالنسبة لهم، إنه سلاح الفتاوى السياسية، التي يطلقها مشايخ الفضائيات أو رجال دين على صلة وثيقة بهم مثل الشيخ يوسف القرضاوي، ويتم تصويب هذا السلاح تارة إلى صدور المنافسين أو لترويض الناخبين لصالحهم تارة أخرى.


القاهرة: وانطلقت عديد الفتاوى خلال الأيام الماضية بمناسبة اقتراب الإنتخابات الرئاسية المصرية، جاء معظمها لصالح مرشح الإخوان محمد مرسي، بالإضافة إلى صدور مجموعة من الفتاوى بعضها يحذر من التصويت لمرشحي الفلول، والأخرى تحذر من التصويت للإسلاميين.

ويرى المحللون أن الفتاوى سوف تعتبر إحدى وسائل الدعاية للمرشحين، وخاصة الإسلاميين، كما أن البعض من المرشحين سوف يستغلون المساجد في الدعاية، وخاصة قبل الاقتراع مباشرة، وليلة الانتخابات.

وأطلق منير جمعة أحد علماء الجمعية الشرعية، وهي إحدى أذرع التيار السلفي في مصر، فتوى، حرم فيها التصويت لأي من مرشحي الفلول، ولاسيما عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية، والفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء المصري الأسبق، في الانتخابات الرئاسية المقبلة، واعتبر في فتواه أن التصويت لمثل هؤلاء هو quot;تعاون على الإثم والعدوان، وركون للظالمين وخذلان للصادقين وتضييع للأمانةquot;.

وأضاف: quot;لقد قامت ثورتنا الشريفة من أجل الإصلاح والتغيير، فلا يجوز شرعًا أن نهدر دماء الشهداء والجرحى، وأن نتنكر لآلام اليتامى والثكالى بإعادة الوجوه التي قامت الثورة للتخلص من أمثالها، وإعادة الحالة البائسة التي كانت لدى الشعب قبل الثورةquot;.

ضد الإخوان

الغريب في الإنتخابات الرئاسية إطلاق فتاوى تناهض الإخوان، وتحرم التصويت لهم، ومنها الفتوى التي أطلقها الشيخ سيد زايد رئيس لجنة الفتوى في الأزهر، الذي هاجم الإخوان، وقال: quot;إن هؤلاء كانوا سببًا في منع تطبيق الشرع في مصر، حيث أصدروا فتاوى من أجل مصالحهم فقطquot;. وأضاف: quot;لا توجد أي مرجعية للدين سوى الأزهر الشريف، ولن نسمح لتيارات الإسلام السياسي أن تفعل في الأزهر ما تفعله في مصرquot;، وتابع: quot;لا نريد رئيسًا يقبّل يد المرشد ويتلقى تعليماته منه، فيحول مصر إلى إيران جديدةquot;.

قوم لوط

وجاء الرد من قبل الإخوان قوياً، حيث أطلق الشيخ يوسف القرضاوي، فتوى حرم فيها مهاجمة الإخوان، ووصف من يهاجمهم أو يسيء إليهم بأنه يعمل عمل قوم لوط. كما أفتى الشيخ مصطفى إسماعيل، نائب الأمين العام للجمعية الشرعية، بضرورة التصويت لصالح محمد مرسي مرشح الإخوان؛ لكونه يحمل مشروعًا إسلاميًا، وهاجم الذين يرفضون الحكم الإسلامي.

التصويت حرام

ولأن مرشحهم في الإنتخابات الرئاسية الشيخ حازم أبو أسماعيل خرج سابقًا، لأن والدته تحمل الجنسية الأميركية، أفتى السلفيون بتحريم التصويت في الإنتخابات الرئاسية من الأساس، وكانت هذه الفتوى من خلال الشيخ محمد المنشد عضو اللجنة الدينية في مجلس الشعب، الذي قال فيها إن quot;ذهاب الناخبين للتصويت في الانتخابات الرئاسية محرم، لأنها سوف تتعرض للتزوير من قبل المجلس العسكري، ولن يكون التصويت ذا فائدة، ولا حرمانية على المواطن الذي لا يذهب للتصويتquot;.

توظيف الدين للسياسة محرم

وفقاً لعبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى في الأزهر الشريف سابقًا، فإن توظيف الدين لأغراض سياسية غير مباحٍ، ويطوي على إثم كبير، مشيراً إلى أن هناك اتجاهاً لدى التيارات الدينية التي تعمل في السياسة في إستخدام الفتاوى والمساجد من أجل الوصول إلى المناصب السياسية، وقال لـquot;إيلافquot; إن الفتاوى السياسية إحدى وسائل الدعاية المرفوضة في الانتخابات، والتي ظهرت مع خروج التيارات الدينية بعد الثورة، ولفت إلى أنه سبق لتلك التيارات استخدام الفتاوى في الانتخابات البرلمانية ومن قبلها الاستفتاء على التعديلات الدستورية بتاريخ 19 مارس 2011، وحرمت التصويت بـ quot;لاquot; للتعديلات، بل وصل الأمر الى إدعائهم بأن التصويت بـ quot;لاquot; سوف يدخل الناخب النار، معتبراً أن التيارات الإسلامية تستغل الدين في السياسة، وهذا أمر محرم فالدين ليس لعبة.
وأكد على حق الناخب في اختيار من يرى فيه الخير للبلاد بعد استفتاء قلبه، والتأكد من قدرة المرشح على الحكم بالعدل بين الناس، وإذا لم يجد المواطن أحدًا من المرشحين يستحق صوته فلا يذهب للتصويت بشرط التأكد من ذلك.

لعبة سياسية

وحسب وجهة نظر عبد السلام النويري، أستاذ العلوم السياسية، فإن الفتاوى الانتخابية إحدى الركائز الأساسية أو لعبة سياسية لجأ إليها الإخوان في الإنتخابات البرلمانية، وأتت ثمارها لصالحهم، من خلال تخويف الناس من التصويت لغير الإسلاميين، وخاصة أمام اللجان الانتخابية. وقال إن الفتاوي سوف تستمر لاسيما أن معركة الرئاسة تعتبر معركة حياة أو موت بالنسبة للإخوان، متوقعًا إصدار المزيد من هذه الفتاوى سواء التي تطلب التصويت للإسلاميين أو الصادرة ضد المرشحين الفلول عمرو موسى أو أحمد شفيق، وأشار إلى أن كتيبة من رجال الدين وأساتذة في جامعة الأزهر ضمن التيارات الإسلامية جاهزة لإصدار مثل هذه الفتاوى.

ودعا النويري الأزهر إلى ضرورة لعب دور حيوي في هذا التوقيت؛ لوقف تلك الفتاوى، وذلك بعقد اجتماع عاجل لمجمع البحوث الإسلامية يصدر بيانًا يرفض فيه مثل هذه الفتاوى، ويرفض إدخال الدين في السياسة، مطالبًا لجنة الانتخابات الرئاسية بالتدخل أيضاً، ومراقبة مثل هذه الفتاوى التي تدخل في الدعاية غير المباشرة، وتجريم من يصدر فتوى ضد المرشحين الآخرين.

ترزية الفتاوى

وقال أحمد علي عثمان، أستاذ سيكولوجيا الأديان في الجامعة الأميركية في القاهرة، لـquot;إيلافquot;، إن تلك الفتاوى الانتخابية يتم تفصيلها من قبل quot;ترزية الفتاوىquot;، من مشايخ الفضائيات ومشايخ السلطان، مشيراً إلى أن هؤلاء يستخدمون الأحاديث والآيات القرآنية وفقًا للأهواء الشخصية ولمصلحة مرشح بعينه، ويعتبر عثمان أن هذا السلوك يحمل الكثير من التجاوز بحق الإسلام وحق مصر، مشدداً على أهمية صدور قانون يحاسب من يصدر مثل هذه الفتاوى السياسية بعيدًا عن الأزهر الشريف، لاسيما أن الناخب قد يتأثر بمثل هذه الفتاوى، خاصة إذا صدرت من عالم كبير مثل الدكتور القرضاوي الذي حرم انتقاد الإخوان، متهماً التيارات الإسلامية باستغلال تدين الشعب المصري لتحقيق مصالح سياسية ضيقة.