رغم أن التصويت في أول إنتخابات رئاسية في مصر بعد الثورة سيجري خلال ثلاثة أيام، إلا أن غالبية المصريين لم تحسم أمرها حتى الآن، لمصلحة من ستصوّت، بينما حسمت غالبية الأقباط أمرها، وقررت عدم اختيار أي من المرشحين الإسلاميين، وتتأرجح اختياراتهم ما بين المرشحين المنتمين إلى النظام السابق: عمرو موسى أو أحمد شفيق أو الثوري حمدين صباحي.


غالبية الأقباط لن تصوّت لمصلحة مرشح إسلامي أو سلفي

صبري حسنين من القاهرة: يتراوح تعداد الأقباط في مصر ما بين 10 و12 مليون نسمة، ويعتبرون أكبر أقلية في المنطقة العربية، بينما يقدر نشطاء أقباط مصر بنحو 18 مليون نسمة. ويتخوف الأقباط من المرشحين الإسلاميين، لاسيما أنهم يتعاملون مع قضيتهم بغموض، ولذلك يفضلون ترشيح شخصية مدنية، من دون خلفيات إسلامية.

أحمد شفيق
وفقاً لعادل توماس، وهو محامٍ وصحافي، فإنه يفضّل إنتخاب المرشح أحمد شفيق على غيره من المرشحين الإسلاميين. وقال لـquot;إيلافquot; إنه يفضّل أن ينتخب quot;الفلولquot;، أي شخصية محسوبة على النظام السابق، عن إختيار مرشح الإخوان محمد مرسي أو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أو أي مرشح آخر، مبرراً ذلك بأن مستقبل الأقباط في حكم الإسلاميين سيكون غامضاً، بل سيكون قاتماً.

وأضاف أن اختياره لشفيق جاء بناء على إقتناعه بأنه الأقدر على قيادة البلاد في المرحلة الصعبة التي تعقب الثورة، معتبراً أنه يقدم برنامجاً إقتصادياً للنهضة في مصر يعتمد على الذات، وليس على الغرب، كما أنه وضع حقوق الأقباط أولوية أولى في هذا البرنامج، ولا يعيبه أنه عمل مع مبارك، وأنه من الفلول.

ودعا توماس من يطالبون بإقصاء شفيق من الساحة السياسية إلى مطالعة برنامجه أو مناقشته، وألا يكون الإقصاء لأنه من النظام السابق، لأن القياس بهذا المعيار يعني أن المصريين جميعاً فلول. ويشير توماس إلى أن زوجته قررت اختيار عمرو موسى مرشحاً للرئاسة، بينما أسرة من أقاربه ستختار المرشح الإسلامي عبد المنعم أبو الفتوح، لكنها تتكتم عن ذلك الإختيار، خشية غضب الأقباط منها.

عمرو موسى
رانيا جاد قبطية تعمل محاسبة في شركة إتصالات قررت عدم اختيار مرشح من الإسلاميين، وحسمت أمرها بأن تصوّت لمصلحة المرشح عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، ووزير خارجية مبارك.

وقالت رانيا لـquot;إيلافquot; إن عمرو موسى مرشح مدني، وليس عسكرياً أو إسلامياً، إنه مرشح قادر على بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي ينشدها المصريون، مشيرة إلى أن الأقباط يرفضون الدولة الدينية أو العسكرية، لأن كليهما ضد مصالحهم، وأضافت أن المرشحين الإسلاميين يتعاملون بغموض مع ملف الأقباط، ومن غير المستبعد أن يناصبهم الرئيس الإسلامي العداء إرضاء للمتشددين الذين إنتخبوه.

الغالبية الساحقة مع شفيق
أجرى نشطاء ومنظمات قبطية إستطلاعاً للرأي في أوساط الأقباط حول مرشحهم المفضل، وجاءت النتيجة لمصلحة أحمد شفيق بغالبية ساحقة، بنسبة 70.1%، وحلّ عمرو موسى في المركز الثاني بفارق كبير 16.6 %، وجاء المرشح الثوري حمدين صباحى في المركز الثالث بـ 13.3 % ممن شملهم الإستطلاع.

وقال المستشار الناشط القبطي نجيب جبرائيل، أحد منظمي الإستطلاع، إن الأقباط جزء أصيل من نسيج هذا المجتمع، ولهم كل الحقوق في اختيار من يرونه يحقق آمالهم وطموحاتهم في مواطنة كاملة وغير منقوصة، لاسيما أنهم عانوا عقودًا طويلة من التهميش والاضطهاد والإقصاء.

وأوضح جبرائيل لـquot;إيلافquot; أن مجموعة من النشطاء الأقباط عكفت على إجراء الإستطلاع طوال الأسابيع الماضية، بعدما اتفقت على معايير عدة لإختيار الرئيس المقبل، مشيراً إلى أن أهم هذه المعايير أن يكون الرئيس مدنياً، وليست لديه أية خلفيات إسلامية من غير الأزهر الشريف، وأن يكون ملف الأقباط واضحًا في برنامجه الإنتخابي، وأن يكون رجل دولة قادراً على إعادة بناء الدولة المصرية بناءً عصريًا حديثًا.

ونوه بأن الإستطلاع أجري بطريقتين: الأسلوب الميداني، وفايسبوك، وشمل الاستطلاع الميداني مناطق جغرافية مختلفة، ومناطق حضرية وريفية، ومن حيث النوع شمل نساءً ورجالاً، شبابًا وفتيات، فلاحين وعمالاً، مثقفين ومفكرين، ومن كل الطبقات الاجتماعية.

يرفض جبرائيل إطلاق وصف الفلول على المرشح أحمد شفيق، الذي فاز بغالبية ساحقة في إستطلاع رأي الأقباط، وقال إن هذا الوصف يأتي في سياق الحرب الإنتخابية، لاسيما أنه لم يصدر حكم قضائي واحد ضده هو أو المرشح عمرو موسى.

وأشار جبرائيل إلى أن الأقباط لهم كل الحرية في إختيار من يرونه الأصلح لقيادة مصر، وليس لأحد، سواء أكان شخصاً أو جماعة، الإعتراض على حقهم هذا، لافتاً إلى أن تلويح بعض الجماعات أو التيارات بالنزول إلى الشارع في حالة فوز شفيق بالرئاسة هو نوع من المزايدة وانقلاب على الشرعية الثورية والدستورية، داعياً إياهم إلى الإحتذاء بنتائح الإنتخابات البرلمانية التي أتت بالغالبية الإسلامية. ويؤكد جبرائيل أن إستطلاع الرأي أجري بمعزل عن الكنيسة، ولا يعبّر عن موقفها، لأنها تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين.

الثوار والكتلة الصامتة
ووفقاً لأكرم نبيل، عضو حركة أقباط ماسبيرو، فإن الأقباط في مصر لن يختاروا مرشحاً إسلامياً، مشيراً إلى أن هناك شبه اتفاق ضمني في ما بينهم على ذلك. وقال لـquot;إيلافquot; إن الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان فقط، وقد جرّب المصريون الاخوانفي الإنتخابات البرلمانية، ولم يعد أحد يثق فيهم. أما الدكتور سليم العوا فلديه رصيد كبير من العداء للأقباط، ولا يمكن أن يكون مرشحهم المفضل، بعدما اتهمهم بتخزين الأسلحة في الكنائس والأديرة من أجل الحرب الأهلية، ورغم أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح مرشح ثوري وإسلامي معتدل، إلا أن الأقباط لن ينتخبوه لأنه عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين، وفي حالة فوزه بالمنصب سوف يلتف حوله الإخوان، لأنهم يكونون حيث تكون المصلحة.

وأضاف نبيل أن الأقباط من الثوار سوف يختارون المرشح الثوري حمدين صباحي، ولكن الكتلة الصامتة منهم سوف تختار أحمد شفيق أو عمرو موسى.

مستقبل أفضل
حسب وجهة نظر الدكتور كمال زاخر المفكر القبطي فإن الأقباط ليسوا كتلة تصويتية واحدة، مشيراً إلى أنهم شأن جميع المصريين يعانون مشاكل مزمنة، مثل الإنفلات الأمني وتردي الأحوال الإجتماعية والإقتصادية والفقر، ويبحثون عن مستقبل أفضل. وقال زاخر إن شباب الأقباط سوف ينتخبون مرشحاً ثورياً، مثل حمدين صباحي أو خالد علي أو عبد المنعم أبو الفتوح، لافتاً إلى أن الأخير خسر الكثير من النقاط أخيراً، ونبه إلى أن الناخبين من غير فئة الشباب سوف يختارون أحد المرشحين أحمد شفيق أو عمرو موسى.

22 حادثًا طائفيًا
رغم أن الأقباط شاركوا بقوة في الثورة التي أطاحت بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، إلا أنهم دفعوا ضريبة غالية خلال الأشهر التي تلت إسقاط مبارك في 11 فبراير/ شباط 2011، فقد وقع22 حادثًا طائفياً، حسب إحصاءات الناشط نجيب جبرائيل، بدءًا من حادث هدم كنيسة أطفيح في شهر آذار/مارس 2011، مروراً بأحداث إمبابة، التي راح ضحيتها 14 شخصاً، وإنتهاء بأحداث ماسبيرو، التي قتل فيها نحو 24 شخصاً، غالبيتهم من الأقباط، وذلك في 9 أيلول/سبتمبر 2011. وتأتي متاعب الأقباط بعد الثورة، بسبب صعود التيارات الإسلامية المتشددة، ولاسيما التيارات السلفية، التي لا تتورع عن إظهار العداء لغير المسلمين في مصر، ويصل الأمر إلى حد تكفيرهم.