تسعى إيران لإيجاد بديل عن حليفها السوري. ويرى مراقبون أن كرم إيران على لبنان في وقت تعاني ضائقة مالية، يعتبر أحدث مؤشر الى مدى ما تشعر به من قلق إزاء فرص الرئيس السوري في البقاء.
عرضت إيران مؤخرًا بناء سد في قرية تنورين ذات الطبيعة الخلابة في عمق المناطق المسيحية شمال لبنان. والى الجنوب في ضواحي بيروت المكتظة، كان سخاء إيران أسهم في إعادة بناء أحياء دمّرتها القنابل الاسرائيلية في حرب 2006. وجرى هذا الشهر إحياء هذا الانجاز باحتفال كبير.
ويرى مراقبون أن كرم إيران وإغداقها المال على لبنان في وقت تعاني ضائقة مالية بتأثير العقوبات، يعتبر أحدث مؤشر الى مدى ما تشعر به طهران من قلق إزاء فرص الرئيس السوري بشار الأسد في البقاء ولا سيما ان إيران تستخدم سوريا جسرًا الى العالم العربي وتعتمد عليها حليفا استراتيجيا في المنطقة. ولكن الثورات العربية قلبت حسابات إيران فيما يبدو الأسد عاجزا عن إخماد الانتفاضة المستمرة ضده منذ 15 شهرا.
ويشير غزل إيران مع اللبنانيين إلى أنّ طهران تحاول ايجاد بديل عن حليفها السوري، كما يرى سياسيون ودبلوماسيون ومحللون. ولا يقتصر الأمر على تمويل مشاريع إعمار عامة بل تريد إيران اقامة علاقات أمتن عن طريق اتفاقيات ثقافية وعسكرية واقتصادية.
ولكن التحدي الذي يواجه إيران أن كثيرًا من اللبنانيين، بمن فيهم اهالي تنورين موقع السد المقترح، لا يريدون الارتماء في احضان إيران المفتوحة وهم ينظرون الى مقترح إيران لا بوصفه بادرة حسن نية بل استعمار ثقافي وعسكري. وقال عضو مجلس القرية شربل قمير quot;ان تنورين ليست طهرانquot;.
ويقر اللبنانيون عموما بأن إيران هي راعية حزب الله في كل شيء من الصواريخ الى الحليب. ولكن تمددها خارج المناطق التي يسيطر عليها حزب الله مسألة اخرى.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن القائد الدرزي وعضو المجلس النيابي اللبناني مروان حمادة ان الإيرانيين quot;يحاولون تعزيز قاعدتهم في لبنان لمواجهة انهيار النظام السوري في نهاية المطافquot; مشيرا إلى أنّ هذا الانهيار سيقطع حبل السرة الذي يرفد حزب الله بالدعم الإيراني ومن خلاله حققت إيران نفوذها في لبنان.
وتابع حمادة ان حزب الله تطور الى رأس جسر للنفوذ الإيراني لا في لبنان فحسب بل على البحر المتوسط ايضا محاولا نشر الثقافة الإيرانية والهيمنة السياسية الإيرانية والآن اقامة وجود اقتصادي إيراني ايضا. ولكن حمادة أكد ان هناك رفضا لبنانيا للتمدد الإيراني في لبنان.
ولم يثن هذا الرفض إيران عن المحاولة. إذ قام نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي بزيارة بيروت مؤخرا حاملا معه 12 مقترحا على الأقل لتنفيذ مشاريع بتمويل إيراني، مشروع لكل وزارة عمليا، كما قال مسؤولون لبنانيون. وفوجئ المسؤولون اللبنانيون بحجم الوفد الإيراني الذي ضم اكثر من 100 عضو.
وعرضت إيران إنشاء البنى التحتية المطلوبة لنقل الكهرباء عن طريق العراق وسوريا الى لبنان. وأبدت استعدادها لتمويل دورات لتعليم اللغة الفارسية في الجامعات اللبنانية. وكانت المقترحات الأخرى تغطي قطاعات التجارة والتنمية والمستشفيات والطرق والمدارس وبالطبع السد المقترح في تنورين.
ولم تُوقَّع عمليا أي اتفاقيات كبيرة جديدة. وتصرف السفير الإيراني في بيروت غضنفر روكنبادي كما يتصرف الخاطب المرفوض شاكيا بالقول ان على لبنان ان يكون أكثر التزاما بتنفيذ الاتفاقيات. ونقلت قناة برس تي في التلفزيونية الإيرانية عن روكنبادي قوله ان إيران quot;تعرض منجزاتها وتقدمها الى الأمم المسلمة المظلومة في المنطقةquot;.
ويرى كثيرون في لبنان متعدد المذاهب ان أشارة إيران الى المسلمين تعني تحديدا quot;المسلمين الشيعةquot;. ولكن حزب الله يصر على ان هذا ليس صحيحا وان الدعم المالي يأتي بلا شروط وهو لمصلحة اللبنانيين كافة.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن حسن الجشي مدير مؤسسة quot;وعدquot; التي اعادت بناء الضاحية الجنوبية في بيروت quot;ان الإيرانيين يقولون quot;إذا اردتم معامل فنحن مستعدون، وإذا اردتم بعض الكهرباء فنحن مستعدونquot; وهم لا يطلبون أي ثمن بالمقابلquot;.
واضاف الجشي ان بناء شقق ومتاجر لنحو 20 الف شخص في الضاحية الجنوبية كلف 400 مليون دولار. واعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ان نصفها جاء من إيران مضيفا انه اتصل بالمرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي طالبا المساعدة في اعادة الاعمار حتى قبل وقف اطلاق النار مع اسرائيل في حرب 2006.
وتمتد في الضاحية الجنوبية الآن صفوف منتظمة من العمارات السكنية الأنيقة بمصاعد ومولدات وساحات لوقوف السيارات. ولكن خطوط توصيل التيار المتشابكة ما زالت تتقاطع فوق الشوارع بسبب أزمة الكهرباء المستمرة.
ويبدو ان مشروع السد الإيراني في تنورين يهدف الى معالجة مثل هذه المشاكل وكسب القلوب والعقول بتوفير خدمة أخفقت الحكومة في تقديمها لمواطنيها. واثبتت فكرة السد انها فكرة ذات شعبية بين سكان تنورين لأن السد سيولد الكهرباء للمنطقة ويوفر الماء للزراعة، كما قال العمدة منير طربية. واضاف العمدة ان السد أُدرج في ميزانية 2012 وان العقد وقع مع شركة لبنانية.
ثم وقع المشروع ضحية المناورات السياسية. إذ حاول سياسي مسيحي تسجيل نقطة على منافسيه فطلب من الجمهورية الاسلامية 40 مليون دولار لبناء السد. وابدت إيران موافقتها في كانون الأول/ديسمبر شريطة ان تتولى بناءه شركة إيرانية. وقال العمدة ان غالبية سكان المنطقة المسيحية راعهم مجيء الإيرانيين الى قريتهم ومعهم على الأرجح مساجدهم وزوجاتهم وربما حتى صواريخهم. ويخشى كثيرون ان ترسو مقاولة بناء السد على شركة تابعة للحرس الثوري الإيراني.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن العمدة quot;نحن بأمس الحاجة الى السد ولكننا لا نريد ان تبنيه شركة إيرانية. فهم من منطقة مختلفة ومن وضع اجتماعي مختلفquot;.
وما زالت هناك نحو 70 كنيسة في تنورين ويشعر غالبية المسيحيين ان ثقافتهم وتقاليدهم مهددة بما فيه الكفاية في عموم الشرق الأوسط، كما ذهب سكان من اهل القرية. وقال العمدة ان احد احلام إيران ان يكون لها موطئ قدم في الجبال يطلون منه على البحر المتوسط. واضاف quot;ان لبنان جزء كامل من استراتيجيتهمquot;.
وما زال الغموض يكتنف مستقبل المشروع. وتبدي الحكومة اللبنانية ميلا الى قبول الأربعين مليون دولار لأسباب ليس أقلها ان غالبية المساعدات الخارجية جفت منابعها منذ تشكيل الحكومة الحالية العام الماضي تحت سيطرة حزب الله.
اما مشاريع إيران لبسط هيمنتها على لبنان فان كثيرا من اللبنانيين يقولون ان المسيحيين والمسلمين السنة أفشلوها في السابق. وقال نائب رئيس حزب القوات اللبنانية سجعان قزي quot;ان المشروع الإيراني للسيطرة على لبنان مرشح للفشل ايضاquot;. واضاف quot;نحن لا نثق بمساعدات إيران الاقتصادية ونرى انها جزء من مشروع سياسي، امني، عسكريquot;.
التعليقات