بعدما خطفت اسكتلندا الأضواء بإعلانها استفتاء في 2014 على استقلالها عن المملكة المتحدة، فاجأت جزيرة جيرسي التابعة للتاج الجميع بنيتها فعل الشيء نفسه. ولئن كانت أسباب اسكتلندا معقدة وواسعة النطاق، فإن دافع جيرسي بسيط وصريح يتعلق بسعي لندن الى حرمانها من أموال الأثرياء.


جيرسي، أكبر جزر القنال الإنكليزي وإحدى أجملها، تتبع التاج البريطاني لكنها ليست جزءًا عضويًا من المملكة المتحدة. وعدا أن مهمة الدفاع عن أراضيها ملقاة على عاتق البريطانية، فهي تتمتع بالحكم الذاتي والاستقلال المالي والقانوني والقضائي عن لندن.

وتعتبر الجزيرة من أغنى مناطق العالم إذ يبلغ دخل الفرد السنوي فيها 40 ألف دولار (إحصاءات 2003)، وبذلك فهي تحتل المركز السادس عالميًا من حيث الثراء. وأضف الى هذا أن استقلالها المالي والقضائي عن بريطانيا جعلها ملاذاً مثاليًا للأثرياء - خاصة البريطانيين - الهاربين من ضرائب بلادهم العالية.

جيرسي قد تبدأ تفتيت المملكة المتحدة

وهذا أمر لا يفوت على لندن في هذه الأوقات الاقتصادية العصيبة. ولذا فقد راحت الدعوات تتعالى بوجوب laquo;إعادة جيرسي الى الحظيرة الضريبية البريطانيةraquo;. على أن هذا أثار حفيظة أهل الجزيرة التي سارعت الى القول إنها ليست عاجزة عن الدفاع عن خزائنها وإن سلاحها الماضي في هذا الشأن يتلخص في كلمتين هما laquo;الاستقلال الكاملraquo; بمعنى قطع الرابط التاجي الدستوري وإعلان السيادة.

ويبدو أن هذا ليس مجرد تهديد أجوف. فقد نقلت الصحافة البريطانية عن السير فيليب بايلاش، مساعد كبير (رئيس) وزراء الجزيرة أنه أصدر توجيهاته الى سائر العاملين فيها بـlaquo;التحضير لقطع سائر الأواصر في المملكة المتحدةraquo;. وقال إن السبب المباشر لهذا هو أن laquo;جزر القنال الانكليزي لا تتلقى معاملة منصفة من بريطانياraquo;.

يذكر أن العلاقات بين جيرسي ولندن بدأت السير على منعطف شديد الانحدار منذ خمس سنوات عندما بدأت سنت هيليير (عاصمة الجزيرة) تجأر بالشكوى من تصرفات الساسة البريطانيين. فقالت إن برلمانيي ويستمنستر laquo;يوضحون نواياهم بشكل يتزايد جلاء يومًا بعد آخر إزاء تخريب اقتصادناraquo; (القائم على دعامتي السياحة في المرتبة الثانية وأموال الأثرياء في الأولى).

فقد ظلت الجزيرة على مر تاريخها الحديث جنّة ضريبية لهؤلاء الأثرياء وخزائن كبريات الشركات بفضل قوانينها المالية المرتخية. لكن الأزمة الاقتصادية العالمية التي ظلت تعصف بالاقتصاد البريطاني منذ العام 2008 أجبرت الحكومات المتعاقبة في لندن على تضييق الخناق على الأفراد والشركات اللاجئين الى ظلال جيرسي الوارفة. والدافع البريطاني لهذا هو السعي وراء الضرائب التي يمكن أن تعود من laquo;الهاربينraquo; على الخزانة العامة.

وزاد الطين بلّة عندما خسرت جيرسي وغيرنسي (وهذه الأخيرة جزيرة أخرى على القنال الانكليزي ايضًا وتتمتع بالوضع نفسه) دعويين قانونيتين رفعتاهما على الحكومة البريطانية. وتتعلق الدعويان بأن لندن سعت (بنجاح) إلى إجبار جزيرتي القنال على جباية ضريبة القيمة المضافة VAT إلى مبيعاتهما من أقراص السي دي ودي في دي (وفي هذا عامل طرد سياحي مخيف).

وقال السير فيليب في خطابه الى مسؤولي الجزيرة: laquo;من الواضح أن المعاملة التي نتلقاها من
لندن غير عادلة ولا تتفق مع مصالحنا. واعتقد أن الأوان قد حان لكي نتصدى للأوامر الواردة الينا من برلمان ويستمنستر وألا ننصاع لها بشكل أعمى حتى وإن كانت لا تصب في مصلحتنا الوطنية. وإذا استدعى هذا إعلان الاستقلال الكامل عن المملكة المتحدة فمرحبًا به، ولنستعد منذ الآن لأي تطور كهذاraquo;.
يذكر أن تصدع المملكة المتحدة انتقل من مرحلة laquo;الممكنraquo; إلى laquo;المحتملraquo; مع دعوة الوطنيين الاسكتلنديين لإعلان الاستقلال الكامل عن لندن. وسيجرى استفتاء عام على الشعب ليقول كلمته الفصل بهذا الشأن العام 2014.

وفي حال فاز دعاة الاستقلال الاسكتلندي فستكون هذه إحدى أهم الوقائع في تاريخ العالم. فهي ستقلص بريطانيا جغرافياً وسياسياً الى رقعة تشمل ويلز وآيرلندا الشمالية فقط الى جانب انكلترا. وقارن هذا بالامبراطورية التي كانت الشمس لا تغرب عنها.