منذ رحيل توني بلير عن السلطة ومعترك السياسة الداخلية قبل 5 أعوام، سطع نجمه على الساحة الدولية مبعوثًا خاصًا إلى فلسطين وإسرائيل. لكن هذا لم يجتذب اهتمام مواطنيه بقدر ثروته المتعاظمة أبدًا منذ ذلك الحين. والآن يتضح أنه أضاف 32 مليون دولار أخرى إلى رصيده.


توني بلير خلال إحدى زياراته الى الكويت

صلاح أحمد: أُميط اللثام عن أن رئيس الوزراء العمّالي السابق توني بلير رفع رصيده المصرفي في العام الماضي إلى أكثر من 20 مليون جنيه (حوالي 32 مليون دولار). وتأتى له هذا بشكل رئيس بفضل خدمات المشورة التي يقدمها إلى جهات أجنبية من حكومات وشركات ومؤسسات.

ومنذ مغادرته 10 داونينغ ستريت في 2007، ظلت ثروة بلير laquo;الخرافيةraquo; ملفوفة بالضباب الذي ساعد على تكاثر التكهنات حول حجمها، لكنها قُدرت بعشرات الملايين على الأقل. وكان هذا بالنظر فقط إلى أنه تبرع في 2010 بمبلغ 4.6 ملايين جنيه (عقده عن كتاب مذكراته laquo;الرحلةraquo;) إضافة الى عوائد المبيعات وحقوق الملكية الفكرية لخزينة laquo;العصبة الملكية البريطانيةraquo; الخيرية التي تعنى بشؤون قدامى المحاربين.

أما رقم العشرينمليون جنيه التي عادت عليه في العام الماضي وحده فقد ورد في حوار أجراه معه، ليونيل باربر، رئيس تحرير الصحيفة المالية الشهيرة laquo;فاينانشيال تايمزraquo; في القدس. ويذكر أن هذه الأخيرة هي مقر مكتبه باعتباره laquo;المبعوث الدولي الخاص الى الشرق الأوسطraquo; (فلسطين وإسرائيل).

فأصرّ في هذا الحوار على أنه يعيد استثمار هذا المبلغ لمصلحة هيئاته الخيرية العديدة. وأضاف قوله: laquo;إن الغرض من كل هذا المال لا يتعلق بالسعي إلى زيادة ثروته الشخصية، وإنما لإحداث التغيير نحو الأفضل في حياة الناسraquo;. ويذكر أنه ظل على الدوام يقول إنه يدفع 50 في المئة من سائر عائداته إلى هيئة الضرائب البريطانية التزاماً منه بالقانون.

بلير يحمل كتاب مذكراته الذي تبرع بعائداته كلها

على أن المرجح لهذا الحديث عن العمل الخيري أن يؤجّج لهب التكهنات بدلاً من إطفائه. والأرجح أيضًا أن السبب في هذا هو أن ثروته الشخصية ظلت عصيّة على المعرفة العامة، لأن العديد من مداخيله يشكل أجزاء عضوية في شبكة واسعة من الشركات والشراكات التي تتيح له مهربًا مشروعًا من نشر هذه المداخيل تحت اسمه شخصيًا.

لكنه، على سبيل المثال، قدم ملفًّا في يناير/كانون الثاني الماضي عن مبلغ 12 مليون جنيه عاد عليه في العام المنصرم من laquo;ويندراش فينشرزraquo;، وهي شركة واحدة فقط من مجموع أكثر من عشر أخرى، إما يملكها بالكامل أو جزئيًا. ومع ذلك فيبدو أنه دفع ضرائب عما يقارب الصفر من دخله بفضل ما صنّفه محاسبوه laquo;منصرفات إداريةraquo;.

إضافة إلى عمله الرسمي مبعوثًا دوليًا خاصًا إلى الشرق الأوسط من رباعي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وأميركا وروسيا، فإن لبلير شركة استشارية تجارية خاصة تسمى laquo;توني بلير أسوشييتسraquo;. وتقدم هذه الشركة المشورة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى عدد من الجهات الأجنبية، وبين أبرز عملائها الكويت وقزخستان.

كما إن بلير مستشار مدفوع الأجر لدى بنك الاستثمار الأميركي laquo;جيه بي مورغانraquo;، وشركة التأمينlaquo;زيوريخ انترناسيونالraquo; التي تتخذ من سويسرًا مقرًا لها. وكشف رئيس الوزراء السابق نفسه في حواره مع باربر أنه يتلقى 4 ملايين دولار في السنة من laquo;بنك مورغانraquo;، وما وصفه بأنه laquo;مبلغ أقلraquo; من laquo;زيوريخ انترناسيونالraquo;. ويُعرف أيضًا أنه يطلب مبالغ تصل إلى 300 ألف دولار عن إلقائه مختلف المحاضرات وما يعرف بـlaquo;خطابات ما بعد العشاءraquo;.

يذكر أن تقارير أوردتها الصحافة البريطانية في مطلع العام 2010 أفادت أن بلير حاول إخفاء تعاقد له مع laquo;مؤسسة يو آي للطاقةraquo; الكورية الجنوبية العملاقة ذات المصالح الكبيرة في النفط العراقي.

رئيس تحرير laquo;فاينانشيال تايمزraquo; ليونيل باربر

ووفقًا لتلك التقارير فقد تمكّن، في خطوة غير مسبوقة لمسؤول سابق في مستواه، من إقناع laquo;اللجنة الاستشارية للتعيينات التجاريةraquo; بالحفاظ على سرية صفقاته أكثر من 20 شهرًا، دافعًا بأنها تتسم بالحساسية التجارية. ويذكر أن هذه اللجنة مناط بها التأكد من شفافية الوظائف المدفوعة الأجر التي يؤديها رؤساء الوزراء السابقون بعد رحيلهم عن 10 داونينغ ستريت. لكن تلك الصفقات ظهرت إلى العلن وقتها عندما laquo;نفذ صبر اللجنة إزاء بلير، وقررت بالتالي رفع غطاء السرية عن تفاصيلها رغم احتجاجاته عليهاraquo;.

يخلص رئيس تحرير laquo;فاينانشيال تايمزraquo; في حواره الأخير مع بلير إلى أنه تلقى نحو 32 مليون دولار خلال 2012، معظمها من شركته laquo;توني بلير اسوشييتسraquo;. وفورًا سارع المراقبون إلى القول إن الدافع الذي حدا برئيس الوزراء السابق لإجراء الحوار هو محاولته تمهيد الأجواء لعودته إلى الساحة السياسية البريطانية الداخلية.

وكانت laquo;إيلافraquo; قد أوردت قبل أيام قليلة أن بلير يتوق إلى العودة إلى 10 داونينغ ستريت. فقال إن ما تعلمّه في هذه السنوات الخمس يؤهله لرؤية سياسية أكثر نضجًا ورشدًا مما كان عليه حاله في السنوات العشر التي تولى فيها السلطة (1997 - 2007).

ورغم أنه لا مجال أمام بلير للعودة إلى رئاسة الوزراء نفسها، فإن مجرد حديثه عن نيته العودة إلى معترك السياسة الداخلية يؤرق مضجع زعيم العمال والمعارضة حاليًا، إد ميليباند، الذي يخشى - هو وأنصاره - أن عودة كهذه ستطفئ بالكامل بريقه الباهت أصلاً.