في الوقت الذي تزداد فيه الأزمة السورية تأزماً بعد مرور 16 شهراً على اندلاع الثورة، تستمر روسيا بدعمها النظام، إذ تعتبر أقوى مؤيد للرئيس بشار الأسد في الجهود المبذولة لمحاربة الجهود المحلية والدولية للإطاحة به.


لميس فرحات: اعتبرت صحيفة الـ quot;فاينانشال تايمزquot; أن دعم روسيا لسوريا هو علامة على وجود رابط قوي بين دمشق وموسكو. وعلى الرغم من أن ذلك لا يعني أن الرابط غير قابل للكسر، إلا أنه أكثر من مجرد تحالف متسرع بين نظامين استبداديين يمتازان بمعاداتهما للغرب.

في حين لا توجد شراكة من الند إلى الند أو تحالف لا غنى عنه من جهة النظر الروسية، إلا أن العلاقة مع دمشق ذات جذور سياسية وتاريخية وثقافية.

بالنسبة إلى النظام السوري، فروسيا تمثل نموذجاً جذاباً وتشكل تحذيراً على حد سواء. من جهة، فقد مرت بعملية انتقال مؤلمة من الناحية السياسية من دون إزعاج كثير لجوهر سلطة الدولة. ومن جهة أخرى، تفكك الامبراطورية السوفياتية هو شيء يبعث التشاؤم لجهود حكومة دمشق العنيفة واليائسة على نحو متزايد للحفاظ على تحكم قبضتها على السياسة السورية المتنافسة والأجندات الطائفية والعرقية.

كما قال مسؤول الحكومة السورية عن الوضع السوري الحالي: quot;نحن لا نريد أن نلعب البيريسترويكا - تدمير كل شيء والبناء فوقهquot;. جاء العرض الأخير لتضامن روسيا مع نظام الأسد في مؤتمر دولي في جنيف يوم 30 حزيران/يونيو. فمنعت موسكو الجهود التي تبذلها الدول الغربية وحلفاؤها لإقامة حكومة انتقالية من دون الأسد، الذي شنت قواته الأمنية حملة قمع وحشية ضد الاحتجاجات السلمية وقصف المناطق السكنية المعارضة.

تظاهرات شكر وتأييدفي سوريا للموقف الروسي حيال بلادهم

روسيا - جنباً إلى جنب مع الصين - استخدمت في السابق حق الفيتو مرتين في مجلس الامن للامم المتحدة لتجنب أي عمل ضد الحكومة السورية. وقد أثبتت صادرات الأسلحة الروسية والدعم العسكري أيضاً دعماً حاسماً لنظام الأسد، على الرغم من أن موسكو قالت يوم الاثنين إنها لن تسلم الطائرات المقاتلة إلى دمشق، في حين أن الوضع في سوريا لا يزال quot;عالقاًquot;.

حصة موسكو الأكثر أهمية في سوريا هي قاعدة بحرية في مدينة طرطوس في الجزء الشمالي الغربي، وتنتمي غالبية سكانها إلى الطائفة العلوية، الأقلية التي تسيطر على مفاتيح السلطة والحكم في البلاد.

يقدر الخبراء أن نحو 50 فريق عمل روسيا يعمل في طرطوس، مع غيرهم ممن يعملون في مكان آخر لصيانة الأسلحة التي قدمتها موسكو. وفي يونيو/حزيران الماضي، اضطرت سفينة روسية تحمل على متنها طائرات هليكوبتر، تم تجديدها مع غيرها من الأسلحة لسوريا، للعودة إلى أدراجها بعدما ألغت شركة التأمين، ومقرها بريطانيا، تغطيتها لها.

الركن الثالث من أركان العلاقة بين سوريا وروسيا هو اقتصادي، ووفقاً لما قاله محمد جليلاتي، وزير المالية السوري السابق، في أيار/مايو الماضي، فإن روسيا قد quot;قدمت إلينا يد العون، وخصوصاً في المجال الماليquot;.

إذ ترسل روسيا القمح إلى سوريا، وهي مشتر كبير للمنتجات السورية، مثل الفاكهة والخضر، في وقت كانت فيه العقوبات التي فرضتها الدول الغربية والدول العربية وغيرها قد حرمت الشركات السورية من الدخول إلى العديد من أسواق التصدير.

وفي حين أن البنوك الغربية قد قطعت العلاقات مع سوريا بسبب العقوبات، تفيد التقارير أن المؤسسات المالية الروسية تعمل بشكل طبيعي. وأشارت الـ quot;فاينانشال تايمزquot; إلى أن الآلاف من ضباط الجيش السوري والمهنيين تلقوا تعليمهم في روسيا خلال حكم عائلة الأسد الذي دام طوال 40 عاماً.

سلوى عبد الله، طبيبة من دمشق، تلقت تعليمها في موسكو بين عامي 1972 و 1979، وعادت في وقت لاحق لتحصيل شهادة الدكتوراه. في اعتراف ضمني للقمع الذي يمارسه نظام الأسد، تقول سلوى إنها كانت تتمتع بـ quot;الحريةquot; في الاتحاد السوفياتي، ويرجع ذلك جزئياً إلى وجود العديد من النساء العاملات في مجال الطب هناك.

وقالت quot;ربما لو درست في الولايات المتحدة كنت سأجد شيئاً مشتركاً مع مجتمعهم، لكن لأنني درست في روسيا، فأنا أشعر بأن الشعب الروسي هم إخواننا وأخواتناquot;.

تدفق السوريين إلى روسيا أسفر أيضاً عن العديد من الزيجات والعائلات المختلطة. جاء وائل زحمد، وهو رجل أعمال سوري، إلى روسيا في عام 1988، وتزوج بامرأة روسية، وبقي في موسكو. وهو يرأس الآن منظمة الشتات السوري في روسيا، حيث يتجمع العديد من السوريين مرة في الشهر للعب الطاولة، وشرب الشاي وتبادل القصص.

يقول زحمد: quot;عندما كنت صغيراً، أردت أن أسافر، كنت قد قرأت الكثير من الأدب الروسي، ولذا ذهبت للدراسة في روسياquot;، مشيرًا إلى أن نحو 20 ألف سوري يعيشون في روسيا. وأضاف: quot;في ذلك الوقت، كان كل رجل عربي مثقف يقرأ لدوستويفسكي (الكاتب والمفكر الروسي الشهير) كانت هيبة روسيا عالية جداً بالنسبة إليناquot;.

مما لا يثير الدهشة، تنعكس هذه المودة لروسيا مشاعر كراهية لدى معارضي الأسد، الذين يرون في موسكو شريكا دوليا رئيسا في مساعدة النظام على ذبح المدنيين.

إضافة إلى ذلك، تتخوف دمشق من أن روسيا قد تقرر في نهاية المطاف خفض دعمها للأسد، وبالتالي تشكل مصدر قلق وجودي للنظام السوري.
ويقول محللون إن سياسة موسكو في سوريا - كما في أماكن أخرى في الشرق الأوسط ndash; تعتمد على البراغماتية والنفعية، لذلك فالعلاقات مع حكومة الأسد قابلة للكسر في نهاية المطاف، تماماً كالعلاقات الروسية مع نظام صدام حسين في العراق.