ينقسم التونسيون على غرار نوابهم في المجلس التأسيسي حول طبيعة النظام السياسي الأنسب لبلادهم بعد الثورة التي أطاحت ببن علي. ويرى حزب الاغلبية أن النظام البرلماني هو الأنسب في هذه المرحلة، في حين يرى آخرون أن النظام الرئاسي المعدّل أو المختلط سيكون صمام أمان لمنع عودة الديكتاتورية.


تونس: احتدم الخلاف مؤخرًا في تونس بين أنصار النظام البرلماني والداعين الى نظام مختلط صلب المجلس الوطني التأسيسي.

فبينما تدعو حركة النهضة التي تحصلت على نسبة 41% من المقاعد وصاحبة أكبر كتلة نيابية إلى نظام برلماني يُنتخب فيه رئيس الجمهورية من مجلس النواب، يدعو حليفاها في الائتلاف الحكومي، وهما حزبا المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل، إلى نظام مختلط يُنتخب فيه رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب.

وبرز تباين في وجهات النظر بين النواب منذ انعقاد اجتماع لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية الأسبوع الماضي، إذ تمت المصادقة على انتخاب رئيس الجمهورية بصفة غير مباشر وسط غياب رئيس اللجنة وجزء من أعضائها، في انتظار الحسم في جلسة عامة سيعقدها المجلس لاحقًا.

نظام برلماني ... نظام مختلط

عمر الشتوي، النائب عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ورئيس لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما في المجلس الوطني التأسيسي، يعتبر أن النظام المختلط الذي يدافع عنه حزبه quot;يجمع بين مزايا النظام البرلماني وايجابيات النظام الرئاسيquot;.

ويقول الشتوي في تصريحات خصّ بها (إيلاف):quot;هذا الخيار تشترك فيه جميع الأحزاب باستثناء حركة النهضةquot;.

شعارات خطّها شباب تونسي أيامًا قليلة بعد هروب بن علي تدعو إلى إقامة نظام برلماني

ويدعو حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الى توزيع الصلاحيات داخل السلطة التنفيذية بين رئيس دولة يقع انتخابه مباشرة من طرف الشعب لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ووزير أول يتم اختياره من طرف الأغلبية البرلمانية.

ويرى الشتوي أن انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من طرف الشعب يمثل quot;صمام أمان لعدم تكرار تجربة الاستبداد وتركيز كل السلطات في يد واحدة، كما يُحدث توازنًا في صلب السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومةquot;.

يرى مراقبون أن تواجد سلطة تنفيذية برأسين قد يعطل عملية اتخاذ القرارات التنفيذية وتفعيلها، وهو ما برز مؤخرًا اثر الخلافات التي شهدها الائتلاف الحكومي حول طريقة تسليم البغدادي المحمودي الى ليبيا، إلا أن الشتوي قلّل من شأن هذه التخوفات، وقال إن quot;هذا الخيار لا يمثل تعطيلاً لدواليب الدولة وعمل السلطة التنفيذيةquot;.

في المقابل، أكد زياد العذاري، النائب عن حركة النهضة، ونائب رئيس لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما، في مقابلة مع (ايلاف) أن quot;الآليات التي يعتمدها النظام البرلماني تسمح بتحقيق أكثر ما يمكن من القطيعة مع الماضي، وتمنع تركيز السلطات في يد شخص واحد، كما تحد من تغوّل مؤسسة رئاسة الجمهورية على حساب بقية المؤسساتquot;.

وتسعى حركة النهضة، حسب العذاري، الى تحويل مؤسسة رئاسة الجمهورية إلى quot;جزء من المؤسسات الموجودةquot;، مما يحقق القطيعة المنشودة مع المنظومة القديمة على حد تعبيره.

وجدد المؤتمر العام التاسع لحركة النهضة، التي تدعو إلى نظام برلماني تمثل الحكومة فيه السلطة التنفيذية وتكون مسؤولة أمام البرلمان الذي ينتخب رئيس الجمهورية، تمسك الحركة بهذا الخيار.

وعلّق العذاري حول هذا القرار قائلاً: quot;النظام البرلماني هو الأقرب لتحقيق الخيارات والتوجهات السياسية التي ندافع عنهاquot;.

اتهامات للنهضة بالرغبة في السيطرة

اتهم عمر الشتوي من خلال تصريحاته لـquot;ايلافquot; حركة النهضة بالرغبة في سيطرة حزب سياسي واحد على السلطتين التشريعية والتنفيذية عبر اقتراحها نظامًا برلمانيًا quot;لا تتوفر شروطه ليتم تطبيقه في تونس بسبب عدم وجود أحزاب قوية للتداول على السلطةquot;.

وأضاف: quot;المهم بالنسبة لحركة النهضة أن يكون رئيس الجمهورية منتخبًا من البرلمان وأسيرًا لحزب الأغلبيةquot;.

وواصل الشتوي: quot;النهضة تريد أن تفتح المجال للجمع بين السلطة الدينية والسلطة السياسية من خلال شخصية المرشد العام للتوجيه الاستراتيجي، وهذا مقترح من التنظيم الدولي للاخوان المسلمينquot;.

وتعقيبًا على اتهامات الشتوي، عبّر زياد العذاري عن استغرابه من quot;شيطنة النظام البرلماني وتصويره كمنظومة تكرس الديكتاتورية في حين أنه نظام ديمقراطي حقيقي ومن أعرق التقاليد الديمقراطية في العالمquot;.

ويرى العذاري أن ما يقال عن تكريس النظام البرلماني لهيمنة حزب واحد على السلطتين التشريعية والتنفيذية quot;كلام غير وجيهquot;، مبرزًا أن quot;أغلب الديمقراطيات العريقة في العالم هي ديمقراطيات برلمانية مثل بريطانيا واسبانيا وايطاليا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وتركيا والهندquot;.

رغم المخاوف من توجه حركة النهضة نحو اقرار نظام برلماني قد تستغله للاستفراد بالحكم، يحمل كثير من التونسيين ذكريات سيئة مع النظام الرئاسي الذي بات مرادفًا في ذهن كثيرين للاستبداد والحكم المطلق

وأكد العذاري أن محاولة اظهار هذه الخصوصية بالنسبة للنظام البرلماني quot;أمر غير دقيقquot;، باعتبار أن حزب رئيس الجمهورية في أغلب الديمقراطيات غير البرلمانية يكون حاصلاً على الأغلبية في البرلمان مثل ما حصل في فرنسا في عهدي ساركوزي وهولاند.

البحث عن التوازن بين السلطات

من جانبه، يرى أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد في افاداته لـ(ايلاف) أن quot;العامل الأهم لتحديد طبيعة النظام السياسي هو الفصل بين السلطات وتحقيق التوازن بينها، وهذا التوازن لا يتحقق بمجرد الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعيةquot;.

وأضاف: quot;التوازن المنشود لا يتحقق بدوره بمجرد تضمين جملة من الآليات التي تضمن الضغط والتأثير المتبادل، بل يقتضي تواجد تعددية سياسية حقيقية من دونها لا يتحقق هذا التوازن لا في ظل النظام الرئاسي حيث التوازن السلبي ولا في رحاب النظام البرلماني الذي يوصف بأنه يحقق توازنًا ايجابيًاquot;.

وأضاف سعيد: quot;هذا التوازن الذي سينص عليه الدستور يصبح مختلاً متى سيطر حزب واحد على السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويُختلّ دائمًا لفائدة السلطة التنفيذية التي تمثل عادة قيادة الحزب المهيمنquot;.

وشدد سعيد على أهمية التعددية الحقيقية ونظام الاقتراع الذي يُمكّن من التعبير الصادق على الارادة الشعبية باعتبارهما المقدمتين الأساسيتين لتحقيق التوازن المنشود.

الوفاق غير مستبعد

ينص القانون المتعلق بتنظيم السلطات العمومية على مصادقة المجلس التأسيسي على مشروع الدستور، فصلاً فصلاً، بالأغلبية المطلقة من أعضائه، ثم تتم بعد ذلك المصادقة عليه برمته بأغلبية الثلثين من أعضاء المجلس، وإن تعذر ذلك فبذات الأغلبية في قراءة ثانية في أجل لا يزيد عن شهر من حصول القراءة الأولى، وإن تعذر ذلك مجددًا يتم عرض مشروع الدستور برمته على الاستفتاء العام للمصادقة الإجمالية عليه، وذلك بأغلبية المقترعين.

ويعتبر الخبير الدستوري قيس سعيد أنه في ظل الموازنات الحالية صلب المجلس الوطني التأسيسي وتشبث كل طرف بموقفه، إما أن يتم التنازل والتوصل لحل وسط أو اللجوء للاستفتاء الشعبي الذي يمكن أن يكون سلبيًا هو الآخر.

أما زياد العذاري فقال: quot;نحن متمسكون بخيارنا الذي دافعنا عنه منذ حملتنا الانتخابية ونسعى الى بناء قاعدة من الوفاق داخل المجلس التأسيسي على أرضية مشتركة في ما يخص مقومات النظام السياسي... هناك عدد من المستقلين من المتوقع أن يدعموا هذا التوجهquot;.

ولم يستبعد العذاري امكانية الوفاق بعد المفاوضات مع بقية الكتل النيابية داخل المجلس مؤكدًا أن quot;النهضةquot; ستحترم آليات الحسم الديمقراطية وستخضع لها.

الرئيس التونسي منصف المرزوقي يرى بدوره أن quot;النهضة مع الاجماعquot; وأن quot;الحكمة السياسية ستدفعهم الى التفاوض حول نظام نصف رئاسي ونصف برلمانيquot;، كما صرّح لوكالة فرانس برس منذ أيام.

ومن المتوقع أن ينتهي المجلس التأسيسي من وضع الدستور قبل تاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول المقبل حسب تصريحات رئيس المجلس مصطفى بن جعفر.