صورة تذكارية في برلين لبعض كبار الطهاة في قصور السلطة

بعد برلين الأسبوع الماضي، تشهد باريس حاليا تجمعا لأناس يمكن اعتبارهم laquo;جنود الدبلوماسية الدولية المجهولينraquo; لأنهم بعض كبار الطهاة في قصور السلطة حول العالم. وعلى هامش لقائهم، تكشفت أسرار صغيرة لكنها مثيرة عن عادات مخدميهم وهم جالسون الى المائدة.


تشهد باريس هذه الأيام مؤتمر laquo;قمةraquo; فريدة لا تقل أهمية لدى ذوّاقة أطايب الأهل عن قمة الثماني أو العشرين بأي حال. فبينما يلتقي قادة العالم في الثماني ليحددوا معالم الطريق لنا نحن البشر العاديين، يجتمع في العاصمة الفرنسية 27 من اولئك الذين يعدون موائد الرؤساء ورؤساء الوزارات والملوك حول العالم في ما يعرف بـ Club des chefs des chefs laquo;نادي كبار طهاة كبار الطهاةraquo; للتفاكر وتبادل الوصفات الجديدة.

لكن هؤلاء يتحاورون أيضا، وبالضرورة، حول laquo;إيتيكيتraquo; المآدب الرسمية في أروقة الحكم العليا. ومنبع laquo;الضرورةraquo; هنا هو إصرار هؤلاء الطهاة على أن فنون الطبخ الراقي في قصور السلطة تؤدي دورا في الدبلوماسية العالمية لا يقل أهمية عما تؤديه وزارات الخارجية ورحلات المبعوثين الخاصين إلى البقع الساخنة في مختلف أنحاء الدنيا.

والتسمية الفرنسية لهذا المنتدى الغذائي، الذي بدأ في برلين الأسبوع الماضي وانتقل الآن الى العاصمة الفرنسية، مهمة لأنها تنطوي على مضامين كبيرة حقا. وهذا لأن كلمة chef laquo;شيفraquo; مزدوجة المعنى: فهي تشير الى كبير الطهاة في سياقها العادي، وأيضا - في سياقها السياسي - إلى الزعيم القائد، رئيسا كان أو غيره.

وقد تأسس هذا laquo;الناديraquo; قبل 35 سنة على يد laquo;الشيفraquo; الفرنسي جيل براغار، الذي كشف لوسائل الإعلام الدولية، امسية الثلاثاء قبيل حفلة على شرف المنتدى استضافها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في قصر الإليزيه، أسرارا قد تستدعي التعجب أو الابتسام أو التهكم.

ومن هذه الأسرار أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يزال حريصا على عادة ارتبطت بملوك القرون الوسطى، وهي أنه لا يتناول طعاما الا إذا أكل منه أولا موظف مؤتجر لهذه المهمة (وللكرملين عدد منهم) فلا يموت بالسم في حال أن أعداءه دسّوه له.

أما الرئيس الفرنسي نفسه فهو السادس في سلسلة من سادة الإليزيه ظل الشيف برنار فوسيون يقدم لهم أطايب المطبخ الفرنسي الراقي على مدى السنوات الأربعين الماضية. وتحدث هذا الأخير عنه وعن سلفه، فقال إن نيكولا ساركوزي، الذي كان مهووسا باللياقة الجسدية ولا يتعاطى الكحول مطلقا ويتعذّب في مقاومته إغراء الشوكولاتة laquo;حظر سائر أنواع الجبن من القصر الرئاسي قائلا إنها ثقيلة على معدتهraquo;.

هولاند... quot;ساندويتشquot; في الشارع، وفي الإليزيه قصة أخرى

ونقلت عنه laquo;تليغرافraquo; البريطانية قوله بفرح واضح: laquo;ما إن تسلم هولاند مفاتيح الدار حتى عاد الجبن معه. ومن الأنباء الحسنة أيضا أن ضيفة الإليزيه المعتادة (المستشارة الألمانية) أنغيلا ميركل تعشق الجبن أيضا. لكن هولاند حظر من جهته أيضا دخول الخرشوف (الأرضي شوكي) مطابخ القصرraquo;.

وهناك أيضا الشيف السويسري أنتون موزيمان، صاحب مدرسة الطبخ الشهيرة التي تحمل اسمه والذي يعد أبرز الطهاة في تاريخ 10 داونينغ ستريت. ويقول هذا العَلَم إن مارغريت ثاتشر أرادت ذات مرة laquo;وجبة خاصةraquo; على شرف ضيفها الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران. فاستجاب لهذا بإعداد طبق laquo;منيفraquo; من لحم العجل وفطر الموريل. ويقول إن ثاتشر تحدثت اليه - بعد سنوات - عن ذلك الطبق فقالت إنه كان laquo;رائعا لكنه كان أيضا مكلّفاً مالياً فوق اللازمraquo;!

ويذكر موزيمان أن الرئيس الأميركي جورج بوش (لا يحدد ما إن كان الأب أو الابن) خلال زيارة له إلى بريطانيا كان - على غرار بوتين - لا يتناول طعاما إلا بعد أن يتذوقه اثنان من عملاء laquo;إف بي ايraquo; (مكتب التحقيقات الفيدرالي) المرافقين له في زمرة فريقه الأمني.

وبين حضور قمة باريس الحالية كريستيتا كامفورد، طاهية البيت الأبيض في رئاسات بيل كلينتون ومن بعده بوش الابن والآن باراك اوباما ومؤلفة كتاب في فنون المطبخ بالاشتراك مع ميشيل اوباما.

وقالت التقارير الصحافية إنها رفضت الحديث عما يُشاع من مقت اوباما الشمندر الأحمر (البنجر)، مكتفية فقط بالقول إنه وعقيلته laquo;من عشاق الفواكه والخضرواتraquo;. لكن جيل براغار يكشف أن هيلاري كلينتون - عندما كانت السيدة الأولى - طردت فرنسيا كان كبير طهاة البيت الأبيض لأن وجباته كانت laquo;دسمة أكثر مما يجبraquo;.

ميشيل أوباما في مطبخ البيت الأبيض

ويمضي هذا الرجل ليشدد على أهمية المطبخ على الساحة الدبلوماسية الدولية، فيستشهد بأن تاليران، الاستراتيجي الفرنسي الشهير بأنه مبتدع المآدب الرسمية، قال لنابليون: laquo;اعطني كبير طهاة ممتازا آتيك بأفضل الاتفاقيات الدوليةraquo;.

ويقول براغار: laquo;يظل رأيي هو أنه أينما فرّقت السياسة الزعماء، وحّدهم المطبخraquo;. ويضيف قوله إن laquo;شيف المطبخraquo; يتمتع بميزة لا تتاح لمخدّمه laquo;شيف الدولةraquo; وهي أن laquo;الزعماء يأتون ويذهبون، لكن الطهاة يبقون بغض النظر عن اتجاه الرياح السياسيةraquo;.