مجلس النواب العراقي في جلسة له

فشلت القوى السياسية العراقية بسبب خلافات حول الزج بفقهاء دين ومنحهم حق الفيتو في التصويت على أي قرارات تتخذها ضمن قضاة المحكمة الإتحادية في التصويت داخل البرلمان على تمرير قانون المحكمة الجديد، الذي سيضع بذلك أسس التمهيد لتحويل مدنية الدولة العراقية إلى دينية حيث سيتعذر تمرير اي قرارات من دون موافقة هؤلاء الفقهاء.


لندن: للمرة السادسة خلال 8 اشهر يؤجل مجلس النواب العراقي التصويت على قانون المحكمة الجديد، الذي سيضع أسس التمهيد لتحويل مدنية الدولة العراقية إلى دينية حيث سيتعذر تمرير اي قرارات من دون موافقة هؤلاء الفقهاء .

وهذه المرة إلى ما بعد عطلة عيد الفطر حيث بدأ المجلس اليوم الثلاثاء التمتع بعطلة تستمر حتى 28 من الشهر الحالي. ولدى مناقشة القانون خلال الأشهر الماضية، طالبت قوى سياسية بأن يكون ضمن قضاة المحكمة 6 رجال الدين، اربعة منهم من الشيعة تختارهم المرجعية الشيعية العليا في النجف، واثنين من السنة يختارهم الوقف السني، على ان يتمتعوا بحق النقض quot;الفيتوquot; على اي قرار يتخذ، فيما رأت قوى أخرى أن وجود رجال الدين هؤلاء سيعقد عمل المحكمة بسبب الإختلاف الفقهي بين المذهبين الشيعي والسني.

لكن آخرين ردوا بأن وجود رجال الدين ضروري، لأنquot;الدستور ينص على أن التشريع في الدولة العراقية يستند إلى الشريعة الإسلاميةquot;. وكان رئيس اللجنة القانونية البرلمانية، خالد شواني أكد الخميس الماضي، أنه تم التوصل إلى ضرورة توافق غالبية خبراء الشريعة من رجال الدين في المحكمة على الطعن في أي قانون يخالف الشريعة الإسلامية، وأن يعطى حق النقض للقانونيين أيضا في حال عدم دستورية أي قانون لمخالفته الديمقراطية والحريات الواردة في الدستور ولا بد من موافقة أغلبية خبراء القانون على الطعن.

ومنذ أواخر الشهر الماضي، شكل قانون المحكمة الإتحادية العليا قضية شائكة تتعلق بمؤسسة يتوقف على قراراتها مصير النزاعات السياسية والقانونية، بين القوى والهيئات العاملة في البلاد، خاصة في ما يخص
بعض مواده المتعلقة بتشكيل الهيئة القيادية للمحكمة وخاصة عدد خبراء الفقه الاسلامي وفقهاء القانون وأي من الجهتين تكون له الغلبة العددية وسط مخاوف من أن تؤدي هيمنة الجانب الأول إلى التوجه للدولة الدينية على حساب المدنية.

الدستور العراقي والمحكمة الإتحادية

وقد وضع الدستور العراقي الدائم المصادق عليه في استفتاء شعبي أواخر عام 2005 أسس تشكيل المحكمة الاتحادية العليا، وحدد مهماتها ومسؤولياتها في مادته الثانية والتسعين التي تشير إلى انها quot;هيئة قضائية مستقلة ماليا وادارياquot; وانها تتشكل من quot;عدد من القضاة وخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون يحدد عددهم وطريقة اختيارهم، وعمل المحكمة بقانون يسن بغالبية ثلثي أعضاء مجلس النوابquot; وهي المادة التي أدخلت البرلمان في جدل سياسي وفقهي وجدل وخلافات واسعة لن تحسم إلا بتوافق سياسي بين الكتل البرلمانية.

وحول تشكيل المحكمة واختصاصاتها فقد نص الدستور العراقي على :

lrm;المادة 92 :
اولاً- المحكمة الاتحادية العليا هيئةٌ قضائيةٌ مستقلة مالياً وإدارياً.
ثانياً- تتكون المحكمة الاتحادية العليا، من عددٍ من القضاة، وخبراء في الفقه الاسلامي، وفقهاء القانون، يُحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.

المادة 93 : تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي :
اولاً- الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة.
ثانياً- تفسير نصوص الدستور.
ثالثاً- الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات، والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء، وذوي الشأن، من الأفراد وغيرهم، حق الطعن المباشر لدى المحكمة.
رابعاً- الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية، وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية.
خامساً- الفصل في المنازعات التي تحصل في ما بين حكومات الأقاليم أو المحافظات.
سادساً- الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، وينظم ذلك بقانون.
سابعاً- المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب.
ثامناً-
أ- الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي، والهيئات القضائية للاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم.
ب- الفصل في تنازع الاختصاص في ما بين الهيئات القضائية للأقاليم، أو المحافظات غير المنتظمة في اقليم.
المادة 94 : قرارات المحكمة الإتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة.
lrm;
خلافات حول تشكيلة المحكمة

واذا كان الإلتزام بما نص عليه الدستور من هذه المواد حول طبيعة المحكمة ومسؤولياتها إلا ان مسودة قانونها الجديد وما تتضمنه من مواد قد تتعارض مع الدستور، أثارت هذه الخلافات خاصة في ما يتعلق بالمادة الثانية منها، والتي تنص على ان يكون للمحكمة هيئة استشارية تتكون من أربعة مستشارين هم : اثنان من خبراء الفقه الاسلامي، واثنان من فقهاء القانون، يقابلهم تسعة من القضاة. وهذه الأعداد التي حددها مشروع القانون هي مثار خلاف حيث تطالب قوى بزيادة عدد خبراء الفقه الإسلامي بينما ترى أخرى ضرورة زيادة عدد فقهاء القانون وتخفيض عدد القضاة.

ويخشى معارضون زيادة عدد خبراء الفقه الاسلامي إلى تحول المحكمة إلى شبه مرجعية دينية اكثر منها قانونية للفصل في النزاعات، وتفسير القوانين النافذة واحكامها. ويجادل هؤلاء بأن الدستور لم يحدد عدد خبراء المحكمة سواء الفقهاء منهم او الخبراء وأن مشروع القانون هو الذي يسعى لذلك معتبرين ان التوازن في هذه الاعداد مطلوب بالحاح . كما ان هناك خلافا حول الية اختيار هؤلاء الخبراء والجهات التي سترشحهم والتي ستوافق عليهم اضافة إلى المواصفات التي يجب ان يتمتعوا بها لتولي مهماتهم الحساسة هذه.

لكن المناقشات التي جرت الأسبوع الحالي قد اقتربت من الاتفاق على وجود 4 من فقهاء الدين في عضوية المحكمة التي تضم 17 عضوا، ومنحهم حق النقض على القرارات والقوانين التي تخالف احكام الشريعة الاسلامية على أن يكون النقض من عدمه وتمريره بموافقة ثلاثة من هؤلاء الفقهاء الأربعة .
وأكدت اللجنة القانونية في مجلس النواب أنه تم الاتفاق على أن يكون من ضمن أعضاء المحكمة ال 17 تسعة أعضاء من القضاة وأربعة فقهاء في الشريعة الإسلامية وأربعة خبراء قانونيين .

المحكمة الجنائية العراقية العليا

وتثار مخاوف أخرى من أن يتم تشكيل المحكمة الاتحادية العراقية العليا وفقا لما اصطلح عليه بالتوافق السياسي وهي تسمية تخفي في طياتها مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية المعمول بها في العراق منذ تسع سنوات وهو توافق يصب في مصلحة القوى المنخرطة فيه أكثر منه في مصلحة العراقيين وبلدهم حاضرا ومستقبلا.

يتضمن قانون المحكمة موادا تحظر تدخل الحكومة في قراراتها او العمل على تسييسها حيث تتهم قوى مختلفة المحكمة بالخضوع لضغوط الحكومة في قرارات كانت اتخذتها بخصوص تنفيذ قوانين اجتثاث البعث واعادة عد الاصوات للاقتراع في العاصمة بغداد في الانتخابات العامة التي شهدتها البلاد في اذار (مارس) من العام الماضي وكذلك عند اعفاء او تعيين نواب بناء على اصوات حصلوا عليها في تلك الانتخابات.

مشروع القانون الجديد للمحكمة الاتحادية

وتشير مسودة قانون المحكمة الاتحادية العراقية العليا التي حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منها على إلغاء قانون المحكمة رقم 30 لعام 2005 وأن يستمر رئيس وأعضاء المحكمة الحالية المعينون بموجب قرار جمهوري في ذلك العام بالعمل في المحكمة لحين إكمال أي منهم المدة المحددة من هذا القانون.

وتنص المسودة على أن أحكام وقرارات المحكمة باتة لا تقبل أي طريق من طرق الطعن وملزمة للجميع، وكذلك يكون رأي المحكمة في تفسير اي نص دستوري باتا وملزما. وتختص المحكمة بممارسة الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة التشريعية وتفسير نصوص الدستور، كما تختص بالفصل في القضايا التي تنشأ عن تنفيذ القوانين الاتحادية والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية . وتقوم المحكمة بحسب قانونها الجديد بالفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية وفي الفصل في المنازعات التي تحصل بين حكومات الأقاليم والمحافظات.

وإضافة إلى ذلك تختص المحكمة بالفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء وفي الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم وفي تنازع الاختصاص بين الهيئات القضائية للاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم ، إضافة إلى المصادقة على نتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب والنظر بالطعن في صحة عضوية مجلس النواب.

وتنص مسودة قانون المحكمة كذلك على أن رئيس المحكمة ونائبه واعضاءها وعددهم 11غير قابلين للعزل إلا اذا حكم على أحدهم بجريمة مخلة بالشرف كما تشترط أن يكون رئيس المحكمة وأعضاؤها غير مشمولين بقرارات اجتثاث البعث. وتعطي المسودة الحق لرئيس المحكمة ان يتقاضى ما يتقاضاه أي من رئيس مجلس النواب او رئيس مجلس الوزراء من مرتب ومخصصات ويكون بدرجتهما، فيما يتقاضى نائب رئيس المحكمة واعضاؤها من القضاة والمستشارين رواتب ومخصصات وزير ويكونون بدرجته.

وتنص المسودة على أن المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة مقرها بغداد، لها شخصية معنوية واستقلال مالي واداري. كما نصت على ان يرشح ديوانا الوقف الاسلاميين الشيعي والسني اربعة مرشحين من بين خبراء الفقه الاسلامي، يتم اختيار اثنين منهم من قبل مجلس الوزراء ويعينان بمرسوم جمهوري بعد موافقة مجلس النواب بالاغلبية المطلقة. ويستمر رئيس المحكمة بالعمل في المحكمة لمدة ثماني سنوات ويستمر نائب رئيس المحكمة وأعضاؤها القضاة بالعمل في المحكمة لمدة ست سنوات اعتبارا من تاريخ مباشرتهم فيها الا اذا رغب احدهم بترك الخدمة او ثبت عجزه عن القيام بمهامه لاسباب صحية.

وتشير الأسباب الموجبة لإصدار قانون المحكمة إلى انه quot;عملا بالاحكام الواردة في المواد (52-92-94-97) من دستور جمهورية العراق ولمواكبة ما ورد فيه من تغييرات لتطوير العملية الديمقراطية والمؤسسات الدستورية فقد شرع هذا القانونquot;.