أطفال يدرسون على ضوء الشموع

يعاني المصريون من أزمة انقطاع التيار الكهربائي وسط موجة ارتفاع في درجات الحرارة تحرمهم الراحة، ما دفعهم الى التعبير عن رفضهم لهذه الحالة. وتختلف الآراء والتحليلات حول المسؤول عن هذا الوضع السيىء.



القاهرة: رغم أن أزمة انقطاع الكهرباء موسمية مستعصية ورثتها الثورة في مصر عن النظام السابق، إلا أنها اكتسبت هذا العام طابعاً خاصاً، وارتبطت بالحديث عن إمداد قطاع غزة بالطاقة ومنها الكهرباء والوقود، وصارت هذه الأزمة تؤرق منام المصريين، خاصة أنها تتزامن مع ارتفاع شديد في درجات الحرارة. ولم تسلم منطقة أو شارع في أنحاء الجمهورية المصرية من انقطاع الكهرباء أو المياه أو كلاهما معاً، ووصل الأمر إلى حد إنقطاع التيار الكهربي لمدة ساعة عن التلفزيون الرسمي، وتوقف عدد من البرامج التي كانت تذاع على الهواء مباشرة.
وتزداد الأزمة تعقيداً وتتحول إلى كارثة في المستشفيات، حيث ينقطع التيار الكهربائي عنها باستمرار، في ظل عدم وجود بدائل.

سخط المصريين

وما زاد من سخط وغضب المصريين أن الكهرباء لا تنقطع عادة بشكل يومي إلا في القرى والمناطق الشعبية، التي يقطنها الفقراء والبسطاء، ما أشعرهم أن سياسات النظام السابق مازالت مستمرة، رغم أنهم ثاروا من أجل تحقيق العدالة الإجتماعية، وإنصافهم وبناء نظام جديد لا يحابي الأثرياء ورجال الأعمال على حسابهم. ويؤكدون أن المناطق الراقية ترتفع معدلات الإستهلاك فيها أضعافًا مضاعفة، خاصة أنها تعتمد على أجهزة التكييف، في حين أن المناطق الفقيرة تعتمد على المراوح بالدرجة الأولى.

ويتبنى البعض في مصر نظرية المؤامرة في ما يخص الأزمة، ويرون أنها مفتعلة، ويحملونها لـquot;الطرف الثالثquot;، وفلول النظام السابق، من أجل إفشال الرئيس محمد مرسي، فيما يرى آخرون أنها أزمة ناتجة عن زيادة الأحمال بفعل ارتفاع الحرارة، مطالبين بتطوير شبكة الكهرباء، لمواجهة الزيادة في الإستهلاك.

إرتفاع نسبةالإستهلاك

ووفقاً للإحصائيات الصادرة عن وزارة الكهرباء، فإن معدلات الإستهلاك ارتفعت بنسبة 15% عن العام الماضي، حيث بلغت 27 ألف ميجاوات، مقارنة بـ 24.5 الف ميجاوات في العام الماضي، مشيرة إلى أن الزيادة لا ينبغي أن تتعدى الـ2.5 ألف ميجاوات، لاسيما بعد إضافة ثلاث محطات جديدة. وأضافت أن هناك زيادة بمعدل 5 آلاف جهاز تكييف يومياً في أنحاء الجمهورية تتسبب في مضاعفة الأحمال، ولفتت إلى أنه أصبح هناك في مصر ما يزيد على سبعة ملايين جهاز تكييف، بعد أن كان الرقم لا يتعدى الـ700 ألف في العام 2007. ووفقاً لإحصائيات، فإن أزمة السولار تتحمل جزءاً من المسؤولية عن أزمة إنقطاع الكهرباء، لاسيما أن محطات الكهرباء تعتمد على السولار في التشغيل.

تخفيف الأحمال

مصرية تضيء شمعة بعد انقطاع الكهرباء

غير أن المواطنين لا يعترفون بهذه الأعذار، ولا الأرقام والإحصائيات، ويتهمون الحكومة بتعمد قطع التيار عن القرى والمناطق الفقيرة، أو تصدير الكهرباء والغاز في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة خانقة.

وقال محمد مسعود من أبناء منطقة شبر الخيمة في ضواحي القاهرة، إن الكهرباء تنقطع في المنطقة بشكل يومي، لمدة تتراوح ما بين ساعة و12 ساعة، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن الأهالي يعانون أشد المعاناة، لاسيما في ظل عدم وجود بدائل عنها، فضلاً عن تلف الأطعمة في الثلاجات، وتعرض أصحاب محال السوبر ماركت ومحال الأطعمة لخسائر كبيرة أيضاً، مشيراً إلى أنه يعمل في منطقة الدقي الراقية، ولا ينقطع التيار الكهربائي عنها أبداً، رغم أن نسبة التكييفات فيها تصل إلى أكثر من 150 في المئة، أي أن كل شقة فيها أكثر من جهاز تكييف.

واتهم مسعود الحكومة بالسير على النهج نفسه الذي كانت حكومات النظام السابق تتبعه في ما يتعلق بأزمة الكهرباء، حيث كانت تقطع التيار عن المناطق الفقيرة، والقرى، بحجة تخفيف الأحمال، في حين أن الأحمال الكبيرة توجد في المناطق الراقية فقط، وليس المناطق الفقيرة التي لا يستخدم أهلها سوى المراوح، وهي أجهزة قليلة الإستهلاك للكهرباء.

لكن الدكتور أكثم أبو العلا، المتحدث الإعلامي باسم الوزارة ينفي هذه المزاعم، نافيًا في حديثه لـquot;إيلافquot; أن تكون شركات الكهرباء تتعمد قطع التيار عن المناطق الفقيرة، وأشار إلى وجود خطة لتخفيف الأحمال والصيانة يتم بمقتضاها قطع التيار عن بعض المناطق لمدة تتراوح ما بين ساعة وساعتين، ليتم إجراء الصيانة اللازمة للمحطات، وتحدث عادة في الفترة من الثامنة وحتى العاشرة مساء.
وأضاف أن أزمة إنقطاع الكهرباء ترجع إلى زيادة الإستهلاك بمعدلات غير مسبوقة في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة أعداد المكيفات بمعدلات كبيرة جداً، فضلاً عن حاجة المحطات إلى الصيانة وإقامة محطات جديدة، إلا أنها تكلف مبالغ ضخمة جداً.

إحتجاجات

تسببت أزمة إنقطاع الكهرباء في اندلاع الكثير من الإحتجاجات، حيث خرج المصريون في القرى والمناطق الفقيرة إلى الطرق، وقطعوها إحتجاجاً على إستمرار هذه الحالة، ففي الجيرة قطع المئات من أهالي قرية صفط اللبن الطريق الدائري، كما قطع أهالي قرية التوفيقية في محافظة المنيا، الطريق السريع القاهرة أسوان، ووصلت الأزمة إلى منزل الرئيس محمد مرسي، الذي قال في أحد تصريحاته إن الكهرباء تنقطع عن منزله أيضاً، مطالباً المصريين بالصبر والتحمل، وترشيد الإستهلاك، ووعد بحل الأزمة.

وهناك من يتهم الرئيس نفسه بالتسبب في الأزمة بعد أن صرح أكثر من مرة بالسماح بتصدير الكهرباء لقطاع غزة، وتقدم المحامي محمد حامد سالم ببلاغ للنائب العام يحمل رقم 2145 لسنة 2012، ضد الرئيس محمد مرسي، متهماً إياه بتصدير الكهرباء لغزة، في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة طاقة، ولكن ياسر علي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية ينفي ذلك، مؤكداً أن أزمة إنقطاع الكهرباء لا علاقة لها بإمداد قطاع غزة بالكهرباء.

الطرف الثالث

لكن رئيس الوزراء هشام قنديل، يرى أن هناك طرفًا ثالثًا يقف وراء الأزمة، ولم يحدد هويته، وقال في تصريحات له إن الحكومة لا تستطيع أن تعد الشعب بانتهاء أزمة الكهرباء اليوم أو غداً، لكن التحسن سيحدث تدريجياً، وانتقد إستخدام البعض لأكثر من جهاز تكييف في المنزل، داعياً إياهم إلى التجمع فى غرفة واحدة، وارتداء الملابس القطنية.

الطرف الثالث موجود في مخيلة بعض المصريين، ويرون أنه فلول النظام السابق، الذين يسعون الى خلق الأزمات والمشاكل للرئيس محمد مرسي واحدة تلو الأخرى، وقال المهندس أيمن محمد عضو، ائتلاف مهندسي محطات الكهرباء لـquot;إيلافquot; إن أزمة انقطاع الكهرباء تأتي نتيجة غياب التخطيط في وزارة الكهرباء، مشيراً إلى أن الخطة الإسعافية غير قادرة على مواجهة زيادة الأحمال وعجز الطاقة، وأضاف أن هناك تدهورًا كبيرًا في محطات إنتاج الكهرباء وشبكات نقلها، وذلك بسبب سوء الصيانة والأعطال المتكررة في وحدات التوليد. واتهم محمد مسؤولي الوزارة بالعمل بنفس سياسات النظام السابق، ولفت الى أن هذا الأمر يقوم به الفلول الذين لا يشعرون أن الثورة اندلعت، ودعا إلى هيكلتها، متهماً المسؤولين بتعمد قطع الكهرباء عن المواطنين بدلاً من وضع خطط بديلة للصيانة والتشغيل.

ونبه إلى أن 60% من المحطات تعمل 80% من طاقتها في فصل الصيف، فضلاً عن عدم الإهتمام بالكفاءات في الوزارة، مما أدى إلى هروبها للخارج.

تطوير المحطات

ومن جانبه، يقول الدكتور علي الصعيدي، وزير الكهرباء الأسبق لـquot;إيلافquot; إن انقطاع التيار في مصر يرجع إلى زيادة الضغط على الشبكة، مشيراً إلى أن المحطات تحتاج إلى تطوير منذ نحو عشرة أعوام على الأقل، ولفت إلى أن المشكلة تكمن في أن تكاليف تطوير هذه المحطات أو إنشاء محطات جديدة، تقدر بمليارات الدولارات، منبهاً إلى أن مصر كانت تعتمد على التمويل الخارجي في هذا المجال، ولكن البنك الدولي وصندوق النقد لم يعد أي منهما يقدم لمصر منحاً أو قروضاً من أجل تطوير شبكة الكهرباء.

الطاقة النووية

ونوه الصعيدي إلى أن الحل الأفضل يتمثل في الإنتقال إلى العمل بالطاقة النووية.

مصريون في شارع مظلم

وأكد علي أن شبكات الكهرباء الموجودة على مستوى محافظات مصر معرضة للإنهيار والتهالك، بسبب كثرة الضغط عليها في ظل تصاعد نسبة الاستهلاك المتصاعدة سنويًا، وعدم الصيانة بشكل دوري على الرغم من أن هذه الشبكات لا تحتاج الى فن هندسي كبير، وكل هذا قد يحدث في حال غياب التمويل الكافي وإقامة محطات جديدة وتحويل الشبكات عليها لتخفيف الضغط عنها.

وأشار إلى أنه في حال إنشاء محطة الضبعة النووية، سوف توفر لمصر 40 ألف ميجاوات، في حين أن مصر بحاجة الآن إلى 27 ألف ميجاوات، وشدد على ضرورة البدء في المشروع النووي لحل أزمة الكهرباء والطاقة. وأضاف أنه لا خوف من إنشاء المحطات النووية، لاسيما أن معدلات الأمان فيها مرتفعة جداً، مشيراً إلى أن الأزمة تكمن في مخاوف الدول الكبرى من الإستخدام العسكري للمحطات النووية.