المحكمة الاتحادية العليا في العراق |
حذر مستشار للمركز العراقي للدراسات الاستراتيجية من المخاطر التي ستتعرض لها مدنية الدولة العراقية من خلال الزج برجال دين يتمتعون بحق النقض الفيتو في هيئة المحكمة الاتحادية العليا وتأثير ذلك على قراراتها مؤكدًا أن ذلك سيضع سلطة الفقيه في مواجهة سلطة الدولة وقال إن رقابة رجال الدين على القوانين ستشكل خطرا على مدنية الدولة العراقية وهو على المستوى الشكلي سيكون بمثابة تأسيس لولاية الفقيه.
أوضح مستشار للمركز العراقي للدراسات الاستراتيجية يحيى الكبيسي في حديث هاتفي مع quot;إيلافquot; من عمان، حيث مقر المركز حول الخلافات بين الأطراف السياسية العراقية، في ما يخص قانون المحكمة الاتحادية العليا وفشلها في الاتفاق لحد الان على صيغته النهائية وتأجيل مناقشته الى ما بعد عطلة عيد الفطر ان التوجه لمنح رجال الدين الذين سيشكلون جزءا من هيئة المحكمة حق النقض سيؤثرفي آلية اتخاذها القرارات وسيخلف إشكالات قد تؤدي إلى مصادرة هذه القرارات خاصة وان هناك مطالب بان تكون اجتماعات الهيئة بالإجماع وهذا سيدفع بكل طرف سياسي لايرغب في اصدار المحكمة لقرار معين بمنع الاعضاء الذين ينتمون اليه من الحضور.
مصادرة قرارات المحكمة لصالح الاطراف السياسية
وشدد الكبيسي على أنّ هذا الحال سيعني مصادرة قرارات المحكمة لصالح رغبات الاطراف السياسية.. وأشار إلى أنّه بحسب مسودة قانون المحكمة المعروضة على مجلس النواب حاليا فإن رجال الدين سيكونون قادرين على مراجعة جميع القوانين النافذة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وهو ما سيعطي للفقيه سلطة الاعتراض على اي قانون نافذ حاليا بذريعة تعارضه مع مبادئ الدين الاسلامي. وقال إن رقابة رجال الدين على القوانين ستشكل خطرا على مدنية الدولة العراقية وهو على المستوى الشكلي سيكون بمثابة تأسيس لولاية الفقيه وان كان في المضمون غير ذلك.
وأضاف مستشار المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية مشيرا إلى أنّ اعادة مجلس النواب الاسبوع الماضي مناقشة قانون المحكمة قد فتح باب النقاش حول الدستور العراقي نص في مادته 92/ثانيا على أن quot;تتكون المحكمة الاتحادية العليا، من عددٍ من القضاة، وخبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، يُحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النوابquot; ومن ثم لم يكن الأمر اجتهادا من النواب هذه المرة. وقال quot;إذا كانت المادة الدستورية قد اشترطت أن يكون quot;خبراء الفقه الإسلاميquot;، وفقهاء القانون جزءا من المحكمة نفسها، فإنها تركت الباب واسعا أمام مجلس النواب لتحديد عددهم، وآلية اختيارهم. ولم تتحدث المادة الدستورية مطلقا عن quot;آلية عمل منفصلةquot; لهؤلاء الخبراء والفقهاء، وإنما كان النص صريحا بأن يحدد القانون آلية عمل المحكمة ككلquot;
وأوضح ان مشروع القانون المقدم من رئيس الجمهورية، وهو المشروع الذي تمت مناقشة مسودته، كان صريحا في الالتزام بهذا التفسير، عندما تحدث عن آلية عمل المحكمة ككل ولم يفرد مادة أو صلاحية منفردة للخبراء والفقهاء المتقدمين.
معارضة لمشروع قانون للمحكمة قدمه طالباني
يحيى الكبيسي |
وأوضح الكبيسي ان نص مشروع القانون المقدم من الرئيس العراقي جلال طالباني في مادته 2 نص على أن تتشكل المحكمة من هيئة قضائية مكونة من 9 قضاة (المادة 2/أولا)، وهيئة استشارية تتكون من أربعة مستشارين، اثنين خبراء في الفقه الإسلامي، واثنين من فقهاء القانون (المادة 2/ثانيا/أ و ب).
وقد حددت المادة 13 من مشروع القانون عمل هؤلاء الخبراء بالقول: quot;يسهم المستشارون في مداولات المحكمة دون المشاركة في إصدار أحكامها وقراراتهاquot;.. أي أن مشروع القانون لم ينظر إلى الخبراء بوصفهم جزءا من هيئة المحكمة، وإنما نظر إليهم بوصفهم quot;مستشارينquot; يسهمون في مداولات المحكمة ويقف دورهم على تقديم اﻟﻤﺸورة من دون المشاركة ﻓﻲ ﻋﻤﻟﻴﺔ اتخاذ اﻟﻘرارات وقد بدا واضحا أن هذا الدور لا يناسب بعض الكتل السياسية لذا تم تقديم اقتراحات تعديل تعيد صياغة بنية المحكمة ككل من جهة وتعيد تحديد دور الخبراء من جهة أخرى حيث تم اقتراح تعديل نص المادة 2 المتعلقة ببنية المحكمة، ونص التعديل على أن quot;تتكون المحكمة من 12 عضواquot;، 4 من القضاة، و4 من خبراء الفقه الإسلامي، و4 من فقهاء القانون.
وقال إن هذا التعديل يعني أن مجلس النواب أخذ بالتفسير الذي يشير إلى أنّ النص الدستوري اشترط أن يكون الخبراء جزءا من هيئة المحكمة ولكن التعديل تجاوز النص الدستوري عندما أعطى في المادة 14/ ثالثا ورابعا من التعديل لخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون دورا فريدا داخل المحكمة، فالفقرة ثالثا اشترطت أنه quot;عند الحكم بعدم دستورية قانون لمخالفته ثوابت أحكام الإسلام موافقة أغلبية أعضاء المحكمة من خبراء الفقه الإسلاميquot;، والفقرة رابعا اشترطت quot;عند الحكم بعدم دستورية قانون لمخالفته مبادئ الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية موافقة أغلبية أعضاء المحكمة من خبراء الفقه الإسلاميquot;، بالاستناد إلى أحكام المادة 2 من الدستور. وهذه البنية الجديدة تعني أن عدم موافقة عضوي الخبراء يعني quot;نقضquot; القرار حتى وإن حصل على 10 أصوات في المقابلquot;.
خلافات
وأضاف الكبيسي انه قد بدا واضحا من مناقشات مجلس النواب، أن مقترحات التعديل هذه لم تحظ بقبول بعض الكتل السياسية، فكنا أمام جدل بين المطالبين بأن يكون حق النقض للخبراء بالإجماع، أي أن يتفق الخبراء الأربعة على نقض أي قانون حتى يعد النقض ساريا، وبين المطالبين بأن يقتصر النقض على خبراء الفقه الإسلامي دون فقهاء القانون. وأوضح أن هذه المناقشات التي جرت في الاول من الشهر الحالي قد أوضحت مسألتين:
الاولى: أن ثمة اتفاقا بين العراقية والتحالف الكردستاني والتحالف الوطني على عدد quot;فقهاء الشريعةquot; أعضاء أصليين في المحكمة، وعلى quot;منحهم حق الفيتو.
الثانية: أن الخلاف يتركز على الصيغة النهائية المتعلقة بمنح حق الاعتراض لخبراء الشريعة الإسلامية أو فقهاء القانون في حالة الطعن بالقوانين لمخالفتها ثوابت الشريعة الإسلامية أو الحقوق والحريات ، كما قال النائب خالد شواني رئيس اللجنة القانونية. وأشار إلى أنّ مناقشات المجلس لم تتضمن أية إشارة إلى فقهاء القانون وصلاحياتهم. وقال إن من الملاحظات الأساسية حول نص مشروع القانون، ونصوص التعديلات المقترحة، ومناقشات مجلس النواب، هو عدم تحديد معنى مصطلح quot;ثوابت أحكام الإسلامquot; (وليس عن quot; أحكام الإسلامquot; المطلقة) ، الذي نص عليه الدستور، وهذا موضوع بحاجة إلى تحديد صارم ودقيق حتى لا يتم تأويل العبارة تأويلا مفرطا.
وقال إنه إضافة لذلك هناك خلط واضح في مواقف النواب حول خبراء الفقه الإسلامي من جهة وخبراء الشريعة الإسلامية من جهة (أقول خلطا حتى لا أستخدم مفردة أخرى فهل يعقل مثلا أن لا يعرف النائب حسن السنيد عن دولة القانون بزعامة المالكي الفرق بين المصطلحين عندما استخدم في جلسة مجلس النواب عبارة quot;فقهاء الشريعةquot; بدلا من quot;خبراء الفقهquot;) ومحاولة البعض quot;تحريفquot; النص الدستوري للحديث عن quot;ثوابت ومبادئ الإسلامquot; مثلا كما جاء على لسان أحد أعضاء اللجنة القانونية في جلسة مجلس النواب الاخيرةquot;.
وأضاف ان الشريعة هي نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وهي عامة شاملة لكل الأحكام العقائدية والأخلاقية والعملية، أما الفقه فهو العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية، وهو ما يخرج الأحكام الاعتقادية والأخلاقية لأنها ليست عملية. الشريعة قطعية تعتمد الوحي الإلهي ولا يجوز مخالفتها، والفقه نسبي يعتمد على الفقيه وما يستنبطه ويقرره ويؤصله ويقعده من دلالات النصوص.
انتاج لسلطة الفقيه... والحل المطلوب
وشدد الكبيسي على أنّ الدستور العراقي الجديد المصادق عليه اواخر عام 2005 أعاد إنتاج quot;سلطة الفقيهquot; عبر مادتين، الأولى المادة 41 الخاصة بالأحوال الشخصية، والثانية المادة 92 المتعلقة بتشكيل المحكمة الاتحادية. وأضاف ان المسألة لا تتعلق بالدين أو الشرع، وإلا كان الأولى تبعا لهذه النظرة أن يعاد النظر في قانون العقوبات الذي يبطل حدودا وأحكاما لا اجتهاد فيها، ولذلك فان هذا بمثابة إعادة لسلطة الفقيه على المسائل الخاصة بالمجتمع، وإدامة هذه العلاقة، ومن ثم بقائها فاعلة تتحرك بموازاة الدولة المدنية وليس ضمنها وبذلك فإنها ولاية من نوع آخر.
وعن الحل الذي يعتقده لانهاء هذه الاشكاليات يوضح يحيى الكبيسي المستشار في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية انه يتم بالرجوع لنص مسودة قانون المحكمة المقدم من طالباني والذي يقضي بأن يكون رجال الدين جزءا من المحكمة مع تقييد صلاحياتهم من خلال عدم منحهم حق النقض الفيتو ويكون عملهم كمستشارين لدى المحكمة وجزءا من هيئتها بدون فيتو. وأضاف انه يجب ايضا في هذا الاطار منح فيتو مقابل لرجال القانون حتى لاتتعارض قرارات المحكمة مع نصوص الدستور التي تؤكد ضمان الحريات العامة والتطبيق الديمقراطي.
مشروع القانون الجديد للمحكمة الاتحادية
وتشير مسودة قانون المحكمة الاتحادية العراقية العليا التي حصلت quot;أيلافquot; على نسخة منها والتي سيستأنف البرلمان مناقشتها بعد عيد الفطر الى الغاء قانون المحكمة رقم 30 لعام 2005 وأن يستمر رئيس وأعضاء المحكمة الحالية المعينون بموجب قرار جمهوري في ذلك العام بالعمل في المحكمة لحين إكمال أي منهم المدة المحددة من هذا القانون.
وتنص المسودة على أنّ أحكام وقرارات المحكمة باتة لا تقبل أي طريق من طرق الطعن وملزمة للجميع وكذلك يكون رأي المحكمة في تفسير اي نص دستوري باتا وملزما. وتختص المحكمة بممارسة الرقابة على دستورية القوانين والانظمة التشريعية وتفسير نصوص الدستور.. كما تختص بالفصل في القضايا التي تنشأ عن تنفيذ القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية. وتقوم المحكمة بحسب قانونها الجديد بالفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية وفي الفصل في المنازعات التي تحصل بين حكومات الاقاليم والمحافظات.
وإضافة الى ذلك تختص المحكمة بالفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء وفي الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم وفي تنازع الاختصاص بين الهيئات القضائية للاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم.. إضافة الى المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب والنظر بالطعن في صحة عضوية مجلس النواب.
وتنص مسودة قانون المحكمة كذلك على أنّ رئيس المحكمة ونائبه واعضاءها وعددهم 11غير قابلين للعزل الا اذا حكم على احدهم بجريمة مخلة بالشرف كما تشترط ان يكون رئيس المحكمة واعضاؤها غير مشمولين بقرارات اجتثاث البعث. وتعطي المسودة الحق لرئيس المحكمة ان يتقاضى ما يتقاضاه أي من رئيس مجلس النواب او رئيس مجلس الوزراء من مرتب ومخصصات ويكون بدرجتهما.. فيما يتقاضى نائب رئيس المحكمة واعضاؤها من القضاة والمستشارين رواتب ومخصصات وزير ويكونون بدرجته.
وتنص المسودة على أنّ المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة مقرها بغداد.. لها شخصية معنوية واستقلال مالي واداري. كما نصت على أنّ يرشح ديوانا الوقف الاسلاميان الشيعي والسني اربعة مرشحين من بين خبراء الفقه الاسلامي، يتم اختيار اثنين منهم من قبل مجلس الوزراء ويعينان بمرسوم جمهوري بعد موافقة مجلس النواب بالاغلبية المطلقة.
ويستمر رئيس المحكمة بالعمل في المحكمة لمدة ثماني سنوات ويستمر نائب رئيس المحكمة وأعضاؤها القضاة بالعمل في المحكمة لمدة ست سنوات اعتبارا من تاريخ مباشرتهم فيها الا اذا رغب احدهم بترك الخدمة او ثبت عجزه عن القيام بمهامه لاسباب صحية.
وتشير الأسباب الموجبة لاصدار قانون المحكمة إلى أنّه quot;عملا بالاحكام الواردة في المواد (52-92-94-97) من دستور جمهورية العراق ولمواكبة ما ورد فيه من تغييرات لتطوير العملية الديمقراطية والمؤسسات الدستورية فقد شرع هذا القانونquot;.
التعليقات