موقف روسيا من نظام الأسد يطرح تساؤلات حول دوافعها

تستمر روسيا على موقفها الداعم لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، رغم المواقف الدولية المعارضة له، والتي تعتقد أن سقوطه لا مفر منه، ما يطرح تساؤلات في الأوساط السياسية الدولية عن دوافع روسيا للبقاء على موقفها.


بيروت: على الرغم من أن الزعماء في مختلف أنحاء العالم يجمعون على الإعتقاد بأن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد أمر لا مفر منه، تستمر روسيا في دعمه، وترفض الدعوات الدولية للحد من تصرفاتها.
سلوك روسيا لا يعبّر فقط عن إفلاسها الأخلاقي، بل يضر أيضاً بمصالحها على المدى الطويل في سوريا. لذلك يبقى السؤال: لماذا لا تزال موسكو على دعمها للأسد الذي يتخبط في عزلته المتزايدة على حساب علاقاتها مع الزعماء السوريين المستقبليين؟
الدافع وراء رد فعل روسيا في النزاع السوري هو خليط معقد من المصالح السياسية والاقتصادية في سوريا، والخوف من زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى التفسير الصارم لسيادة الدولة.
في هذا السياق، يقدم موقع quot;اميركان بروغرسquot; الإخباري تقريراً يختصر الأسباب الكامنة وراء دعم روسيا المتواصل للاسد.

المصالح الروسية السياسية والاقتصادية في سوريا

لدى روسيا مصالح اقتصادية استراتيجية واضحة في سوريا، تعود عليها بمنافع مادية كبيرة، مثل عائدات مبيعات الأسلحة وموقع قاعدتها البحرية في ميناء طرطوس. هذه المصالح تخدم أيضاً هدفاً أكبر، فهي تسمح لروسيا بالحفاظ على علاقة طويلة الأمد مع نظام الأسد، وتحمي مصالح روسيا السياسية لممارسة قدر أكبر من النفوذ خارج الاتحاد السوفياتي السابق. ومن خلال الحفاظ على وجودها في سوريا، تقوم روسيا بتعزيز مكانتها كقوة عظمى، وربما الحصول على نفوذ عالمي أكبر.

روسيا لديها مصالح اقتصادية كبيرة في تجارة الأسلحة مع نظام الأسد. وفقاً لمركز مستقل لتحليل تجارة الأسلحة العالمي في موسكو، تشكل مبيعات الأسلحة الروسية لسوريا على مدى العقد الماضي 10 في المئة من صادرات الاسلحة الروسية. وتعتبر سوريا في الوقت الراهن بمثابة quot;الزبون الأكبرquot; لروسيا في منطقة الشرق الأوسط.
وأشار تقرير العام 2011 لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام إلى أن الطلب السوري على الأسلحة الروسية الصنع ارتفع إلى 580 في المئة من عام 2007 إلى 2011.
وقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً أن مبيعات الأسلحة الروسية تضاعفت من 6 مليارات دولار في عام 2005 إلى ما يزيد عن 13 ملياراً في العام 2011، وأنه من المتوقع حدوث زيادة في الإيرادات بنسبة 500 مليون دولار أخرى في العام 2012.

وضعت الثورة السورية مبيعات الأسلحة الروسية الى سوريا في خطر. وتحت ضغط دولي، وافقت موسكو على عدم توريد المزيد من الأسلحة إلى سوريا في شهر تموز الماضي، لكن من غير المؤكد ما اذا كانت روسيا سوف تتخلى عن 4 مليارات دولار في عقود لتوريد 36 طائرة ياك 130 المقاتلة للجيش السوري.
وفي حال قررت روسيا إلغاء عقود الأسلحة التي عقدتها مع سوريا فإنها تخاطر بفقدان مصداقيتها كمورد جدير بالثقة بين الدول الأخرى التي ليست قادرة على شراء أسلحة من الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي بسبب نشاطاتها المشكوك بها.
بدلاً من ذلك، قد تتحول هذه الدول إلى الصين للحصول على الأسلحة، خصوصاً وأن الصين شهدت تحسناً في نوعية الأسلحة وزيادة صادرات السلاح بنسبة 95 في المئة من 2007 إلى 2011. ونتيجة لذلك، فإن رغبة روسيا في الوفاء بعقود الاسلحة مع سوريا من أجل الحفاظ على العملاء الآخرين ليست مستغربة، لا سيما أن خسارة مبيعات الأسلحة لصالح الصين يمكن أن تهدد أهداف روسيا بأن تصبح قوة عظمى.

إضافة إلى ذلك، إذا خسرت روسيا عميلها السوري، فإن خسارتها لصادرات الاسلحة الروسية ستستمر بشكل تصاعدي. خسارة الأموال هذه ستؤدي إلى تقويض أهداف الرئيس بوتين لتحديث الجيش الروسي واستصلاح وضع روسيا كقوة عسكرية مؤثرة.
من أجل دعم مطالبتها بمكانة كقوة عظمى، سعت روسيا الى توسيع نفوذها في الخارج بحرية، والدليل على ذلك هو الخطة التي تبلغ قيمتها 140 مليار دولار، والتي تم الإعلان عنها مؤخراً من أجل إعادة بناء البحرية الروسية وتزويدها بـ 51 سفينة حربية حديثة و24 غواصة بحلول العام 2020.
القاعدة البحرية الروسية في طرطوس السورية، تلعب دوراً حاسماً في استراتيجية روسيا البحرية. وقد اعترف قادة البحرية الروسية علانية بأهمية طرطوس بالنسبة للبحرية الروسية.
في حزيران (يونيو)، قال الأميرال فيكتور تشيركوف، القائد العام للقوات البحرية الروسية إن quot;طرطوس قاعدة ضرورية بالنسبة لنا. وسوف تستمر بالعملquot;.

في حين أن التقارير الأخيرة قد قللت من أهمية القدرة العسكرية لميناء طرطوس، إلى أن التاريخ يكشف عن أن قاعدة طرطوس بمثابة موقع لوجستي رئيسي للجيش السوفياتي خلال الحرب الباردة، خصوصاً بعد مغادرة القوات السوفياتية لمصر.
في الواقع، فإن التقارير الأخيرة من موسكو تشير إلى أن ارسال سفن برمائية ومشاة البحرية الروسية إلى سوريا عبر ميناء طرطوس هو مجرد تأكيد على فائدتها كقاعدة متقدمة في منطقة تفتقر إلى الوجود العسكري الروسي.
قاعدة طرطوس تضم أيضاً ميزات إضافية هامة، بما في ذلك ميناء المياه العميقة التي من شأنها أن تسمح لروسيا بوضع غواصات نووية، وكذلك الوصول إلى نظام متطور من الطرق الداخلية والطرق السريعة. طرطوس هي قاعدة عسكرية خارج الاتحاد السوفياتي السابق. وخسارتها تقوض قدرة موسكو على فرض نفوذها في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

الخوف من زعزعة الاستقرار في روسيا ومنطقة الشرق الأوسط

بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية والاستراتيجية، تخشى موسكو من أن زعزعة الاستقرار في سوريا قد تمتد الى روسيا نفسها عبر الشيشان ومنطقة شمال القوقاز، حيث يمكن أن يضر عدم الاستقرار في تلك المنطقة بمصالح روسيا في الموارد الطبيعية في آسيا الوسطى، مثل الوصول إلى 40 مليار برميل من النفط في بحر قزوين.
ويردد الناطقون باسم وزارة الخارجية الروسية وصفهم للثوار بأنهم quot;ارهابيونquot;، محاولين ربطهم بتنظيم القاعدة، ما يشير إلى أن الحكومة الروسية تنظر إلى الثوار على أنهم قوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة.
من وجهة نظر موسكو، أعطت الاضطرابات السياسية الأخيرة في الشرق الأوسط المتشددين الاسلاميين فرصة للاستيلاء على السلطة في جميع أنحاء المنطقة. ونظراً لتجربة روسيا نفسها مع هذه القوات في افغانستان والشيشان، من المفهوم أن صعود القوى الاسلامية في المنطقة (سواء أكانت مسلحة أو غير عنيفة) يعتبر تهديداً لموسكو.

تفسير صارم للسيادة

تفسير روسيا الصارم لسيادة الدولة هو السبب الرئيسي الثالث لرفض روسيا للنظر في تشديد العقوبات على نظام الأسد. وقال المعلق كونستانتين فون ايجرت في راديو كوميرسانت- موسكو: quot;وجهة نظر الكرملين الراسخة بشأن السيادة بوصفها حقاً غير محدود للأنظمة السياسية لتفعل ما تشاء داخل دولها، هي واحدة من أحجار الزاوية في السياسة الخارجية الروسية. وهذه النظرة كانت سائدة منذ القدم، وأصبحت أكثر حدة منذ انتهاء الحرب في ليبياquot;.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقادة الروس الآخرون يعتقدون أن تشكيل سابقة في التدخل قد تكون خطرة على سيادة روسيا نفسها نظراً لقمعها العنيف للتمرد في الشيشان على مدى العقدين الماضيين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة وغيرها قد أولت اهتماماً كبيراً لانتهاكات حقوق الإنسان في روسيا نفسها، وكان رد فعل الرئيس بوتين على quot;الثورات الملونةquot; في دول الاتحاد السوفياتي السابق مثل أوكرانيا وجورجيا مشككاً، فقال: quot;نشعر بالقلق، وأعتقد أن كل شيء واضح. أنه مخطط يهدف إلى زعزعة الاستقرار في المجتمع. لا أعتقد أنه ظهر بذاتهquot;.

ويشعر بوتين بأن الولايات المتحدة وسائر الجهود الدولية لمناصرة حقوق الإنسان في روسيا وغيرها من دول الاتحاد السوفياتي السابق، هي محاولات خفية لتغيير النظام في موسكو، والإضرار بالمصالح الروسية.
هذه المخاوف الضخمة حول الانتقادات الدولية لروسيا في سجلها لحقوق الإنسان تؤدي إلى المزيد من التأكيدات لمبدأ السيادة في الخارج، لا سيما عندما تصبح مصالح روسيا المادية والاستراتيجية في خطر.
ويقول ستيفن سيستانوفيتش، الضابط في وزارة الخارجية في الاتحاد السوفياتي السابق بين عامي 1997 و 2001، إن بوتين quot;يكره فكرة أن المجتمع الدولي لديه شيء ليقوله عمن يمسك السلطة في البلاد ويخطئ بشكل مروع. إنه يميل إلى التعاطف مع هؤلاء الزعماءquot;، مستخدماً حجة سيادة الدولة ليحمي نفسه من التدخل الأجنبي.

الاستنتاج

يبدو أن قوى المعارضة تكتسب المزيد من القوة بمرور الوقت، في حين أن قدرات الأسد العسكرية آخذة بالتآكل، مما يجعل مسألة سقوط الأسد مسألة وقت وليست احتمالاً.
نتيجة لدعمها القوي لنظام الأسد، وضعت روسيا نفسها في موقع quot;العدو الشريرquot; أمام المعارضة السورية. لكن توقف روسيا عن دعمها للأسد سوف يؤدي إلى خسارة موسكو جزءاً كبيراً من مبيعاتها السنوية من الأسلحة وقاعدتها البحرية المهمة.
ونظراً لمخاوف روسيا بشأن سيادتها على مدى السنوات العشرين الماضية، تتفهم موسكو ثمن لينها في الثورات والسماح للتدخل الأجنبي، وهو احتمال فقدان السيطرة في المنزل.

عدم الاستقرار في الداخل يهدد قبضة الرئيس بوتين على السلطة، ويجعل روسيا معرضة لضغوط دولية واضطرابات محتملة في شمال القوقاز. في الواقع، الخضوع للضغوط الدولية والتخلي عن التركيز الذي لا يتزعزع على سلامة سيادة الدولة في هذه المرحلة، يجعل روسيا تبدو تابعة للقوى الغربية، وهو موقف يحتقره بوتين ويراه لا يليق بسلوك القوى العظمى التي ينبغي أن تكون روسيا عليه.
نظرًا لعقلية قادة روسيا وتقليدها التاريخي كدولة عسكرية قوية بقيادة شخصيات سلطوية قهرية، فإن موقف روسيا مفهوم. حتى الآن، أدت طموحات روسيا بأن تصبح قوة عظمى وعدم التعاون مع الجهات الدولية الفاعلة إلى رد فعل متشدد للصراع في سوريا، الأمر الذي من شأنه أن يضر بالمصالح الوطنية لروسيا ويشوه سمعتها في الخارج على المدى البعيد.