حي سيف الدولة في حلب في حالة دمار

وسط قرقعة المدافع الرشاشة الثقيلة وأزيز رصاص القنص ورائحة البارود، يفاجأ مقاتلون معارضون للنظام السوري في احد احياء حلب بامرأة محجبة عند مفترق طريق، ويقررون توقيفها بعد أن اثار وجودها ليلا في المكان شكوكهم.

يسحبونها من الجديدة، الحي المسيحي الذي استعادته القوات النظامية بعد هذه الحادثة، الى خلف جدار كلسي عتيق لمنزل أثري يتحصنون فيه. ويطلبون منها التعريف عن نفسها.

قبل ايام، كان حي الجديدة إحدى جبهات معركة مدينة حلب التي دمرتها الحرب، وأعلن المقاتلون المعارضون السيطرة على ثلاثة ارباعه في نهاية الاسبوع الماضي، قبل أن تعلن قوات النظام الاربعاء استعادته.

وتعيش في الحي غالبية مسيحية ثرية ذات ولاءات سياسية متعددة، وقد كانت المنطقة مقصودة من السياح خصوصا بسبب شهرة مطاعمها.

ويتوجه مقاتل الى المرأة سائلا quot;لماذا تسير امرأة بمفردها تحت القصف وفي هذا الوقت المتأخر من الليل؟quot;.

تتذرع المراة بأن خروجها جاء بسبب ابنها المريض، لكن روايتها وتعابير وجهها لم تقنع المقاتلين.

يقرر ابو محمد، قائد المجموعة المقاتلة، اصطحابها الى مقره الرئيس الذي يبعد نحو 100 متر عن الشارع، لإجراء المزيد من التحقيق معها.

تجلس اميرة القرفصاء وقد لفت يديها حول خصرها وكانت تهز قدميها متوترة في انتظار وصول بعض السكان الذين استدعاهم ابو محمد على أمل التعرف إليها.

لكن حين يرى صورا ومقاطع غنائية على هاتفها النقال تمجد الرئيس السوري بشار الاسد، بالكاد يستطيع منع رجاله من توجيه الاهانات والشتائم اليها.

تبدأ المرأة حينها بالبكاء محاولة الدفاع عن نفسها، وتقسم انها من داعمي المعارضة السورية.

يتصل ابو محمد بآخر رقم طلبته اميرة من هاتفها الخليوي، ويقدم نفسه على انه ضابط في الجيش السوري النظامي وقد اوقف اميرة على احدى نقاط التفتيش للاشتباه بانها تتجسس لصالح المقاتلين المعارضين.

ويرد عليه ضابط في امن الدولة قائلا quot;لا تقلق، دعها تمر. انها معنا وتجمع لنا المعلومات عن مواقع الارهابيينquot;.

يقدم المقاتلون لاميرة كوبا من الماء، ثم ينقلونها الى غرفة اخرى من غرف المنزل الانيق الذي يعود الى اوائل الحقبة العثمانية، وحوله المقاتلون قبل يوم واحد الى مقر لهم.

يجلس ابو محمد (42 عاما) مطرقا ورأسه بين يديه على حافة بركة صغيرة في الباحة الداخلية للمنزل.

ويقول quot;ماذا يمكنني ان افعل بهذه المراة؟ انها تتجسس لمصلحة النظام لكن لا يمكننا احتجازها هنا. فهذا عمل يناقض تعاليم ديننا حتى لو كانت من الشبيحةquot;.

ويضيف quot;لا يمكنني حتى ان افتشها. كيف يمكنني ان اتأكد من انها لا تقوم بزرع اجهزة الكترونية لكي تتمكن مقاتلات الميغ من قصف مواقعنا؟ لقد تلقينا معلومات استخباراتية بانه يتم استخدام النساء لهذه الغايةquot;.

ويبدو المقاتل حسام امين موافقا على ما قاله ابو محمد الذي يؤكد انه من انصار quot;الثورة النقيةquot;.

ويقول حسام quot;لا يمكنها المبيت هنا، هذا ليس بالامر السليم. سيشكل ذلك اهانة لشرف العديد من العائلاتquot;.

في النهاية، يقرر المقاتلون المعارضون ارسال اميرة للمبيت في منزل شقيقتها القريب، على ان يستأنفوا التحقيق معها صباحا.

ويقول ابو محمد quot;ماذا كنت تظن سيحل بها لو تم اعتقالها على أيدي جنود النظام السوري؟ هل تعرف الكثير من الثوار الذين يعاملون النساء المعتقلات مثلنا؟quot;.

كان ابو محمد ضابطا في الجيش النظامي حين انشق قبل نحو ثلاث سنوات وحصل على اللجوء السياسي في بلجيكا.

ويوضح quot;لم يكن الجيش يعني شيئا بالنسبة لي. اذا لم تكن على علاقة جيدة بأصحاب النفوذ فلا يمكنك ان تحقق اي تقدم. هذا مقرفquot;.

قرر الضابط المنشق الانضمام الى المقاتلين المعارضين قبل نحو عام، وابنه محمد يقاتل حاليا الى جانبه في المجموعة ذاتها.

قرب مقر المقاتلين المعارضين، توجد مكتبة تبيع لوازم قرطاسية في اسفل حصن اثري وقد استولى عليها quot;الثوارquot; بعد فرار صاحبها.

في كل مرة يأخذ المقاتلون شيئا منها، قلم عن رفوفها او أي سلعة أخرى، فانهم يسقطون بعض النقود في صندوق معدني خصصوه للمالك، وسيمولون منه ايضا اصلاح الباب الامامي المحطم.

ويقول ابو محمد ان quot;بشار ونظامه لم يحترموا شيئا بالمطلق. لا قوانين او قواعد لديهم. على هذه الثورة ان تظهر للمدنيين انها تدافع عن قضية ماquot;.

لكنه يدرك في الوقت نفسه ان العديد من المدنيين بدأوا يتذمرون من ان الاشتباكات التي يخوضها الجيش السوري الحر في المدينة تعرض السكان للهجمات الجوية من قبل النظام.

ويضيف quot;اذا لم نحصل على تأييد الناس فنحن لا نساوي شيئاquot;.

الى ذلك، يبدو ان هذا المقاتل المخضرم لم ييأس من محاول استمالة جنود النظام الى الثورة.

وهو يدير مكبرا للصوت صوب حاجز للجيش النظامي لا يبعد اكثر من 50 مترا عن موقعه، ويقول مخاطبا الجنود quot;ايها الجيش الاسدي، استمع اليquot;.

تعقب ذلك رشقات نارية، فيضحك ابو محمد لصدى الرصاص يقاطع افتتاح خطابه.

لكنه يتابع quot;لماذا تقاتلون لمصلحة بشار؟ هل تظنون انه يابه لكم؟ لماذا تقفون في الجانب الخطا؟ بعضكم من حلب وهذه مدينتكم التي تقومون بتدميرهاquot;.